إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

إمارة إسلامية لـ«القاعدة» في سورية... كأنها تحظى بحماية أميركية!

ميشيل حنا الحاج - البناء

نسخة للطباعة 2016-10-12

إقرأ ايضاً


في الوقت الذي كانت تسعى فيه الولايات المتحدة لاستئصال تواجد داعش في الرقة والموصل، كان تنظيم القاعدة يسعى لإنشاء امارة اسلامية في سورية، لتملأ الفراغ الذي قد ينشأ، فيما اذا نجحت الولايات المتحدة في تصفية داعش، كما تعلن الولايات المتحدة وتشيّع.

والواقع أنّ الحديث عن تأسيس لإمارة اسلامية في سورية، تردّد كثيراً مؤخراً، وكأنّ الكتاب والمحللين المتابعين لسير الأحداث، قد أكتشفوا للتوّ وجود هذا الاحتمال، مع أنه احتمال يدور منذ زمن في خلد أيمن الظواهري، أمير القاعدة، وفي ذهن أبو محمد الجولاني، أمير جبهة النصرة المنتمية للقاعدة، ولعلّ وجود هذا الطرح، هو السبب الكامن وراء رفض الجولاني المتكرّر للتخلي عن انتمائه لتنظيم القاعدة.

فقد بذلت الدولة القطرية ومعها تركيا خلال عام 2014، مساعي جدية لإقناع الجولاني بفك ارتباطه بتنظيم القاعدة. ويسترجع الكاتب الأردني عريب الرنتاوي في مقال له في جريدة «الدستور»، فصولاً من محاولات قطر وتركيا لإقناع الجولاني بفك ارتباطه بتتنظيم القاعدة «ولو شكلياً على الأقلّ»، كما يستذكر محاولات قناة «الجزيرة» واخواتها، لتلميع صورة الجولاني عشية انعقاد مؤتمر جنيف، كرشوة له، وعلى أمل ان يصبح له دور ما في ذاك المؤتمر. لكن الجولاني لم يستجب لكلّ تلك المحاولات.

وأدلت الولايات المتحدة عندئذ بدلوها منذ أوائل عام 2015، محاولة إقناع الجولاني بشتى الوسائل، للتخلي عن انتمائه للقاعدة. وكان من بين الإغراءات التي وعد بها، مزيداً من الأسلحة، وتسهيلات استخبارية قدّمت له فعلاً عن نقاط الضعف في مواقع القوات السورية، مكنت الجبهة التي شكلت جيش الفتح بمشاركة أحرار الشام وكتائب اسلامية أخرى، من السيطرة على محافظة إدلب وجسر الشغور. وكانت تلك هي المحافظة السورية الأولى التي تسيطر عليها، إضافة الى سيطرتها على مواقع أخرى في سورية. ولكن رغم كلّ التسهيلات الاستخبارية والمساعدات السرية التي قدّمت لجبهة النصرة، فانّ الجبهة لم تتراجع عن موقفها الداعم لتنظيم القاعدة، والرافضة لفك ارتباطها به.

وفي حوار أجرته قناة «بي بي سي» مع أنس العبدة إلى صعوبة التمييز بين القوات التابعة لجبهة النصرة وتلك التابعة للكتائب المتحالفة معها في جيش الفتح، بسبب اندماج كلّ الأطراف في مواقع متشابكة أو متقاربة. وهنا اعترف العبدة، رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، بصعوبة الوضع، متمنياً على جبهة النصرة أن تفك ارتباطها بتنظيم القاعدة، بل وجه فعلاً نداء حاراً عبر «بي بي سي» إلى الجولاني، يناشده فيه فك ارتباطه بالقاعدة، ليساعد «الثورة السورية» على تعزيز مواقعها والمضيّ في طريقها. لكن جبهة النصرة وأميرها، لم يستجيبا لذاك النداء أيضاً.

للجولاني مخططات أخرى

وكانت الولايات المتحدة منذ فشلها في تصفية تنظيم القاعدة المتواجدة قيادتها في أفغانستان، رغم اشتباكها لعدة سنوات في قتال عنيف معها ومع حلفائها من مقاتلي طالبان، بدأت تنتهج وسيلة أخرى لتصفية القاعدة، وتلك عن طريق تفكيكها وتشجيع التنظيمات المنتمية لها، على فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، ومبايعة داعش التي غضّ الأميركيون النظر عن تأسيسها منذ عام 2006 باسم دولة العراق، ومن ثم دولة العراق الاسلامية، ثم باسم دولة العراق والشام الاسلامية داعش بعد أن فكت ارتباطها بجبهة النصرة، اثر خلاف بينهما. ونجحت داعش فعلاً في استدراج العديد من التنظيمات الموالية للقاعدة، لفك ارتباطها بالقاعدة ومبايعة «الدولة الاسلامية». واقترب عدد التنظيمات التي فكت ارتباطها، بالثلاثين تنظيماً.

لكن الجولاني كانت لديه مخططات أخرى يباركها أيمن الظواهري الذي باتت لديه الآن أيضاً خطة مضادة للخطة الأميركية الساعية لتقزيم تنظيمه. وبات الجولاني والظواهري يعملان الآن معاً لكن سراً على تعزيزها، خصوصاً بعد سيطرة الجبهة على محافظة إدلب، والتي حظيا بها نتيجة المؤازرة الأميركية التي هدفت لتشجيع الجولاني على فكّ ارتباطه بالقاعدة، واذا بها تعزّز ارتباطه بها.

وكان تخطيط الظواهري المتوافق مع مخطط الجولاني، بدأ في التبلور قبل عدة سنوات، أي قبل سيطرة جبهة النصرة على محافظة ادلب. ولكنه شاهد تكثيفاً واضحاً بعد سيطرته عليها. ويقول الكاتب تشارلز ليستر Charles Lister في دراسة له نشرت في مجلة «فورين بوليسي» في 4 أيار 2016، إنّ «القاعدة قد نقلت بعد سيطرة النصرة على إدلب، عدداً من كبار قياداتها الجهادية والمؤثرة الى سورية». وكان بعضهم قد نقل قبل ذلك. ويعدّد الكاتب استناداً الى حوارات أجراها مع بعض المطلعين، أسماء بعض من تمّ انتقالهم الى سورية منذ منتصف 2013، اثر فك الارتباط بين داعش والنصرة، ومن ثم بين داعش وتنظيم القاعدة، وما تبع ذلك من هروب عدد من المنتمين لجبهة النصرة، والتحاقهم بالدولة الاسلامية، مما هدّد مستقبل الجبهة وقدرتها على الصمود في وجه ذاك التطور.

ويذكر الكاتب من بين تلك الأسماء، عبد المحسن عبد الله ابراهيم الشريخ الملقب بصنافي النصر وهو أحد أقرباء أسامة بن لادن ، وكذلك محسن الفضلي، احد قيادات تنظيم القاعدة البارزين في إيران، وكذلك عدد من القيادات الجهادية الأخرى ومنهم عبد الله سليمان صالح الدباح الملقب بأبو علي القاسمي، اضافة الى عدد من الجهاديين السوريين المعروفين بقدراتهم على صناعة القنابل، ومنهم رضوان نموس الملقب بأبو فراس السوري، وأبو همام السوري.

وتعزيزاً لتشديد قبضتها على محافظة إدلب، قامت جبهة النصرة بسحب بعض قواتها من حلب ومن درعا في صيف 2015، مضيفة إياهم الى قواتها المتواجدة في تلك المحافظة. كما أرسل الظواهري مزيداً من قيادات القاعدة للتمهيد لمشروعه القادم بإعلان امارة اسلامية في محافظة إدلب، كان من بينهم الكولونيل سيف العدل المصري الذي كان قائداً للقوات الخاصة، وكانت المهمة التي حدّدها له الظواهري، هي الحيلولة دون قيام جبهة النصرة بفك ارتباطها بالقاعدة أسوة بالتنظيمات الأخرى، وضمان السير قدماً بتحقيق مشروع الظواهري بإنشاء امارة اسلامية في شمال سورية. ورافق سيف العدل ثلاث من قيادات القاعدة البارزين، اثنان منهم كانا مصريّي الجنسية، وهما ابو الخيار المصري وعبد الله احمد عبد الله المعروف أيضاً باسم أبو محمد المصري. وهذان القياديان، كانت لهما صلة وثيقة في تفجير السفارتين الأميركيتين في كلّ من كينيا وتنزانيا عام 1998، علما أنّ أبو الخيار، كان أحد مساعدي أيمن الظواهري، كما كان متزوجاً من ابنة أسامة بن لادن. أما ثالث الوافدين برفقة سيف العدل، فقد كان فلسطينياً أردنياً متزوجاً من ابنة أبو مصعب الزرقاوي – قائد تنظيم القاعدة في العراق بين الفترة من 2003 الى 2006، واسمه خالد العروري، مما قد يفيد بأنّ أهمّ قيادات القاعدة، باتت الآن في إدلب وليس في أفغانستان أو باكستان.

الا أن محافظة إدلب ومشروع الإمارة الاسلامية عليها، لم تعد موضع اهتمام تنظيم القاعدة فحسب، بل باتت موضع اهتمام الولايات المتحدة أيضاً، اذ لاقى هذا التوجه، ترحيباً سرياً صامتاً منها، عكسته محاولاتها الدائمة لحماية جبهة النصرة من ضربات روسية شديدة عليها، عبّر عنها فرض هدنة بعد أخرى باسم الهدن الإنسانية، الى أن جاء الاتفاق الثالث للهدنة، في أول أيام عيد الأضحى المبارك عام 2016. وتضمّن الاتفاق الذي دوّن في خمس مذكرات تفاهم بين الأميركيين والروس، لكن أبقيت معظم بنودها سرية ، شرطين واضحين معلنين، وهما أن تمارس روسيا ضغطاً على الحكومة السورية لتأذن بدخول شاحنات تحمل المواد الغذائية والطبية الى المناطق المحاصرة، وخصوصاً الى حلب التي أكملت القوات السورية الآن إحكام الحصار عليها، بسيطرتها على طريق الكاستيللو. أما البند الثاني، فهو ممارسة أميركا الضغط على حلفائها في المعارضة السورية الموصوفة بالمعتدلة، لتبعد قواتها عن قوات جبهة النصرة المصنفة إرهابية، كي تتمكن القوات الروسية والسورية من قصف جبهة النصرة، المستثناة من الهدنة، دون إلحاق الأذى بحلفاء النصرة . لكن هذا البند لم ينفذ، ومكث المتحالفون معها في مواقعهم الملاصقة للجبهة بل والمتداخلة معها أحياناً. وبالتالي لم تنفذ سورية البند الثاني الخاص بمرور المساعدات، مما أدّى في النهاية الى انهيار الهدنة، واشتعال القتال مرة أخرى.

وكان المبرّر المعلن لبقاء المعارضة المسلحة الموصوفة بالمعتدلة في مواقعها الملاصقة والمشاركة لمواقع جبهة النصرة، أنّ جبهة النصرة لم تعد تنظيماً ارهابياً، بعد أن فاجأ أبو محمد الجولاني الجميع، قبل إعلان تلك الهدنة بأيام قليلة، بإعلانه فك ارتباطه بتنظيم القاعدة. وتأكيداً لذلك، جعل اسم تنظيمه «جبهة فتح الشام» عوضاً عن «جبهة النصرة».

ولكن ذاك الإعلان المتأخر جداً عن فك ارتباط النصرة بالقاعدة، بدا للجميع كاريكاتورياً وغير جدي، فلم تعترف به روسيا الاتحادية، وكذلك الأمم المتحدة، حيث واصل بان كي مون ودي ميستورا الإشارة الى التنظيم باسم جبهة النصرة دون اعتماد الاسم الجديد الذي اطلق عليه. والولايات المتحدة رفضته أيضاً ظاهرياً، لكنها باطنياً تقبّلته، بل ودافعت عن حق المنظمات المؤازرة للنصرة بالبقاء في مواقعها، بذريعة صعوبة وتعذّر التنفيذ ، رغم التشبّث الروسي بالمطالبة بإنهاء هذا التداخل والالتصاق بالمواقع.

وكان أحد الأسباب التي استدعت الجولاني للتشبّث بانتمائه وولائه لتنظيم القاعدة الأمّ، هو وعود بتسميته عملياً ولكن سراً، بولي عهد أيمن الظواهري، كما كان الظواهري ولي العهد الظاهر لأسامة بن لادن، مما دفع الجولاني لرفض كلّ الإغراءات التي قدّمت له دون جدوى، مقابل التخلي عن ولائه للقاعدة. وتواجد الآن أيضاً احتمال بنقل قيادة القاعدة مستقبلاً من أفغانستان الى إدلب نتيجة ظهور بوادر احتمال بأن تضطر حركة طالبان للتخلي عن حماية القاعدة، اذا ما نجحت مفاوضات تارة سرية وأخرى علنية، بينها وبين الولايات المتحدة حول تسوية الأوضاع السياسية والعسكرية في أفغانستان.

ومما عزز صورية تخلي الجولاني عن انتمائه للقاعدة، أنّ الجولاني لم يتبع إعلان فك ارتباطه بالقاعدة، بإعلان ولائه أو مبايعته لأبي بكر البغدادي «خليفة الدولة الاسلامية»، أسوة بما فعلته العديد من التنظيمات الأخرى التي تخلت عن ارتباطها بتنظيم القاعدة الأم. وهذا يعزز احتمال وجود توجه آخر لدى الجولاني يخالف توجه الآخرين الذين سبق وفكوا ارتباطهم بالقاعدة. فولاء «جبهة فتح الشام» ظلّ للجولاني وليس للبغدادي. وهو بالتالي، فك ارتباط مختلف، وله نكهة أخرى وطبيعة أخرى، مما يستدعي التساؤل انْ كان فك ارتباط حقيقياً وجديا، أم مجرد استبدال اسم باسم آخر، لا بل وقد يكون مجرد عملية ممهّدة لاستبدال اسم تنظيم القاعدة الأمّ ذاتها باسم آخر، تكون جبهة النصرة التي باتت الآن جبهة فتح الشام… هي نواته، بغية غسل كلّ الذنوب التي لحقت باسم القاعدة في الماضي، وطرحها الآن أمام العالم، مولوداً جديداً نقياً خالياً من كلّ الذنوب.

لافروف كشف الخداع الأميركي باكراً

وكشف وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف في لقاء حصري له مع قناة «بي بي سي» بث في الثلاثين من أيلول/ سبتمبر 2016، أنّ «الاتفاق قد تمّ مع الأميركيين منذ شهر كانون الثاني 2015، على إبعاد التنظيمات المعتدلة عن مواقع جبهة النصرة، لكنها لم تفعل». وأضاف قائلاً: «إنّ قناعة قد تولّدت لدى الاتحاد الروسي منذ شهر كانون الأول 2015، بأنّ الولايات المتحدة تسعى جهدها لحماية جبهة النصرة من التصفية أو التحجيم، نتيجة القصف السوري والروسي لمواقعها، وذلك لغاية في نفسها».

ومن هنا يبدو أنّ وراء الأكمة ما وراءها. فما يجري على الأرض، وكما يرجح الاستنتاج المنطقي كنتيجة لعمق الرؤية والتحليل، أنّ الجولاني لم يتخلّ فعلاً عن تنظيم القاعدة، بل أنّ القاعدة ذاتها هي التي تسعى للتخلي عن اسمها وتاريخها، بل وربما عن موقعها في أفغانستان، لتؤسّس تنظيماً باسم آخر جديداً، هو تنظيم جبهة فتح الشام، التي سيكون أميرها أبو محمد الجولاني، الذي سيصبح أيضاً الوريث الوحيد لتنظيم داعش إذا ما تمت تصفيتها كما يروّج الأميركيون، مما يفسح المجال لمقاتليها، للانضمام الى جبهة فتح الشام، والذوبان في صفوفها، باعتبارها التنظيم الإسلامي الأقوى وربما الأوحد، المتواجد الآن على الأرض فعلياً، باعتبار ما هو كائن أو ما سيكون، نتيجة تصفية القيادات في الموصل والرقة. وهذا يعني أنّ الجولاني لم يتخلّ قط عن حلمه بإمارة التنظيم، بل عزز حلمه بالانتقال السريع والفوري الى امارة ذاك التنظيم، باسمه الجديد غير المدرج على قائمة الإرهاب، كما حقق حلم الولايات المتحدة باستئصال القاعدة من الوجود، فما بات موجوداً الآن هو «فتح الشام» وليس تنظيم «القاعدة»، كما يتوقع أن تؤول اليها الأمور.

كلّ ما في الأمر، أنّ هذا السيناريو أو الاجتهاد في ذهن الجولاني، وربما في ذهن الأميركيين أيضاً، الذين أوجدوا داعش ليحاربوا بها تنظيم القاعدة، وربما باتوا الآن راغبين، بعد أن تمرّدت داعش عليهم، في استخدام القاعدة لمحاربة «الدولة الاسلامية»، على أن يستخدموها تجنّباً للإحراج لما فعلته بهم في الماضي ، باسم جديد يبتعد عن الاسم القديم وهو تنظيم القاعدة. ويبدو بأنه يتجه الآن لأن يكون اسم جبهة فتح الشام…

ومن هنا تزول الدهشة وينقضي الاستغراب إزاء احتجاجات متسارعة من الأميركيين، على قيام السوريين والروس بقصف شرق حلب قصفاً متواصلاً ومكثفاً بغية طرد تنظيم حبهة النصرة أيّ القاعدة منها. ففي الوقت الذي كان يفترض فيه أن تكون الولايات المتحدة هي التي تبذل الجهد العسكري لطرد القاعدة من حلب وإدلب، باعتبار أنّ القاعدة، ممثلة بجبهة النصرة، هي العدو الذي تحاربه في أفغانستان، وبالتالي يفترض بها أن تقاتله أيضاً في سورية… فإنها تعترض على قيام الروس بذلك نيابة عنها، عندما كان يتوجب عليها الترحيب به، فلا تلجأ للسعي لإيقاف الحملة الروسية عليهم بذريعة الدواعي الإنسانية، مع علمها بأنّ مطاردة الإرهاب والإرهابيين، هي ضرورة حتمية رغم ما تؤدّي اليه أحياناً من إيذاء مؤسف للأبرياء، هم على أرض الواقع دروع بشرية تحتمي بهم النصرة. وهذا ما قدّره بحق المبعوث الأممي ستيفان دي موستورا، عندما اقترح مغادرة مقاتلي النصرة لحلب الشرقية، مع ضمان خروجهم سالمين بمرافقته لهم شخصياً في مرحلة الخروج.

نقطة الضعف في السيناريو الأميركي

ولكن نقطة الضعف في هذا السيناريو أو الاجتهاد الأميركي، أنه يفترض النجاح في تصفية داعش واستئصالها من الموصل والرقة، ولا يأخذ بعين الاعتبار ما قد يدور في خلد قيادات الدولة الإسلامية. فما قد يدور في أذهان قيادات تلك الدولة لمجابهة حالة كهذه، هو في الرؤية الأميركية مجرد احتمال هامشي آخر، والولايات المتحدة قد اعتادت على اهمال الاحتمال الهامشي، كما رأيناها قد فعلت لدى التعامل مع الإمام الخميني الذي صنّفها لاحقاً بالشيطان الأكبر ، ومع جهاديّي أفغانستان الذين انقلبوا عليها لاحقاً وشكلوا تنظيم القاعدة الذي هاجم نيويورك ، ثم مع تقييمها الخاطئ للنتائج المترتبة على انهيار الاتحاد السوفياتي، فاذا بها تفاجأ باتحاد سوفياتي آخر اسمه الاتحاد الروسي، العمود الفقري في الاتحاد السوفياتي ، ينازعها الآن على ادّعائها أحادية القطب. أما ما قد تفكر فيه قيادات داعش كبديل لنشاطها ولموقع قيادتها اذا ما تمّ فعلاً تصفيتها في كلّ من الموصل والرقة… هذا التفكير والتخطيط مهما كان شططه، هو في الحقيقة مجرد احتمال هامشي آخر كما يراه الأميركيون. وهذا بطبيعة الحال تقييم أميركي متسرّع كعادة الولايات المتحدة، ولا يأخذ بعين الاعتبار أنّ داعش في جوهرها ونهج فكرها، تستند الى فكر له تاريخ مغرق في القدم.

فهو ليس مجرد تحرك عابر من السهل التغلب عليه أو اقتلاعه، سواء من خلال التآمر عليه، أو التعامل معه باستخدام القوة العسكرية مهما بلغ عنفوانها. فالفكر لا يقاتل إلا بفكر مقابل، وهذا آخر ما تفكر فيه الولايات المتحدة، أو ترغب في الاعتراف بأهميته.

فالمرجح أنه اذا ما وجهت فعلاً ضربة رئيسية وحاسمة، بل وحاذفة لقواعد داعش ولتواجدها العلني، من المحتمل أن تلجأ للنشاط السري، محاولة من خلال دعواتها الناشطة عبر الانترنت، أيّ الشبكة العنكبوتية وغيرها من الوسائل المتاحة كالهواتف المتنقلة، الى تجنيد جيش جرار من الذئاب المنفردة، يحلّ محلّ مقاتليها الذين قد ينفرط عقدهم، لكن قد لا ينفرط معه فكر داعش الذي من المرجح أن تسعى الدولة لإبقائه حياً وناشطاً في أذهان الآخرين، عبر نشاطها الإعلامي الذي بوسعه أن ينطلق من أكثر من بقعة واحدة من بقاع الأرض، والذي من المحتمل أن تلجأ اليه للمحافظة على دعوتها رغم شوائبها المرضية.

فكما أنّ الزمن لم يمتصّ التشدّد في فكر بن تيمية رغم مضيّ عدة قرون، خصوصاً وقد صاغه بن تيمية في كتب عدة أبرزها «مجموع الفتاوي» و «فقه الجهاد»، ولم يمتصّه الزمن بعد انبعاثه على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رغم انحصاره داخل شبه الجزيرة العربية، ومن ثم على يد سيد قطب الذي نشره في مصر ومن ثم في أفغانستان على يد أسامة بن لادن، فإنّ من يرعى هذا الفكر، لن يأذن بانحساره في القرن الحادي والعشرين، بل سيسعى لانتشاره على شكل أوسع، ما لم يجابه بفكر مقابل، ديني أو قومي أو علماني، أو كلها مجتمعة، ليصبح الفكر الجديد المتناسب مع روح العصر ومفاهيمه الحضارية والإنسانية، هو السلاح الفاعل والحقيقي القادر على مجابهة ذاك الفكر القابع أو المتمثل بأفكار ومعتقدات قديمة تعود إلى عصور خلت.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024