في الأمس القريب، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحلفاؤه أنّ كوباني ستسقط، وأعرب عن سعادته لأنّ «داعش» سيؤدّب الكرد السوريين، لكنّ آماله خابت وتلاشت. كوباني ما زالت تقاوم، والكرد تحولوا إلى أيقونة المقاومة في كلّ العالم، وقد تحولوا إلى الشريك السوري الوحيد في الحرب ضدّ الإرهاب الدولي، وهذا ما زاد من جنون الغرب وحلفائه.
وفي هذا الإطار، تخشى تركيا إقامة منطقة للحكم الذاتي الكردي على طول حدودها الجنوبية مع سورية على غرار منطقة كردستان العراق شبه المستقلة، الأمر الذي قد ينعكس سلباً على وحدتها الداخلية، ويشجع مطالبات الأكراد بالشيء نفسه في شرق تركيا، حيث يشكلون الأغلبية.
اليوم تملك الجزائر سجلاً وتاريخاً مكللاً بالنجاح فيما يتعلق بوساطتها الناجحة، فقد لعبت دوراً أساسياً وناجحاً في تفادي تصعيد خطير بين تركيا وروسيا، بعد إسقاط الجيش التركي طائرة روسية في 24 تشرين الثاني 2015، كما نجحت في تحرير الرهائن الأميركيين، وفي تسوية الخلافات بين الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 1975 نائب الرئيس آنذاك وشاه إيران محمد رضا بهلوي في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، ونجحت في ملف مالي، وهذه التجربة الطويلة الناجحة ستمكنها من دخول الوساطة بين أنقرة ودمشق، خاصة أنّ هذين البلدين يعرفان جيداً تاريخ الوساطة الجزائرية، وما زالوا يثقون بها.
إنّ الوضع الراهن في سورية، خاصة في ما يتعلق بالأكراد، أجبر أنقرة على الحوار مع دمشق بوساطة جزائرية، فعلى الرغم من العلاقات المتأزمة بين سورية وتركيا، إلا أنّ الأتراك يريدون تبادل الرؤى مع السوريين حول رغبة أكراد سورية في إنشاء إقليم فيدرالي مستقل، حيث كشفت تقارير إعلامية أنّ الجزائر، تقود منذ أسابيع عدة وساطة سرية بين سورية وتركيا بطلب من أنقرة بشأن سعي أكراد سورية إلى إقامة إقليم مستقل، في إطار ذلك بدأت الوساطة الجزائرية في اتصالات ومبادرات عبر سفاراتها في أنقرة ودمشق وفتحت قناة اتصال بين العاصمتين دمشق وأنقرة، خاصة بعد زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم للجزائر في نهاية آذار المنصرم.
في الحقيقة بعد أن صنع الغرب وحلفاؤه «داعش» وقبله «القاعدة»، بهدف تدمير أوطاننا وتمزيق نسيجنا الاجتماعي وتحويل مستقبلنا إلى ماض سحيق، وضع المقاتلون الأكراد أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما، المقاومة أو الموت دفاعاً عن الأرض والكرامة، لا سيما بعد أن شاهدوا مجازر «داعش»، فالكرد الآن هم بناة الوطنية السورية الحقيقية، كونهم لم يبيعوا دماء السوريين لأي محور طائفي في المنطقة، مقابل الأموال والسلاح، كما أنهم فتحوا بيوتهم لكلّ المهجّرين السوريين، وقسموا خبز أولادهم معهم. من المعروف عن الجزائر أنها ذات سياسة خارجية مستقلة، لا تتدخل في شؤون الغير، وتحترم السياسة الداخلية للدول، وبما أنّ سياستها مستقلة عن القرارين التركي والسوري، فإنّ هذه النقطة تساعدها على تعزيز الوساطة رغم صعوبتها، كما أنها على دراية كاملة بالملف السوري والتركي، في إطار ذلك فإنّ السؤال المهم الذي يستحق الطرح والإجابة عليه، هو: هل دمشق على استعداد لقبول الوساطة الجزائرية؟ هل هناك وسيط عربي أو أجنبي أفضل من الجزائر، في ما يخصّ الصراع التركي ـ السوري؟ فالحقيقة التي يجب أن ندركها أن لا حلّ للأزمة السورية إلا من خلال منع التدخل التركي في الشؤون السورية والقضاء على المنظمات الإرهابية والقوى المتطرفة التي تنطلق من تركيا، لذلك فإنّ معركتنا مع الإرهاب طويلة وسورية اختارت المواجهة، وكلّ هذه المعطيات تشير إلى صمود النظام السوري وحسمه المعارك الميدانية والديبلوماسية والسياسية.
|