العدوان التركي على شمال سورية، الذي كان بغطاء أميركي، قد يكون فخاً من إدارة الرئيس ترامب لإغراق الجيش التركي في المستنقع السوري، وتحديداً الكردي، بذلك يكون الرئيس التركي أردوغان، قد أخطأ في قراره، وذهب إلى الحرب، وانطلاقاً من ذلك يبدو أنّ أردوغان سيعضّ أصابع الندم بسبب قراره المتعجّل بغزو الشمال السوري الذي يُعدّ المُغامرة الأكبر في حياته السياسيّة.
لم يتوقف النظام التركي عن إيواء الجماعات المتطرفة وتسهيل مرورها إلى سورية، فيما يواصل رئيسه أردوغان نزواته التي من شأنها تدمير اقتصاد البلاد، على خلفية العقوبات الأميركية المتوقعة بعد أن اتخذ مجلس النواب الأميركي قراراً بالاعتراف بأحداث عام 1915 على أنها إبادة جماعية للأرمن، وجاء هذا القرار انتقاماً من الولايات المتحدة من عملية نبع السلام، ما أدّى إلى انهيار الليرة التركية ووصولها إلى أدنى مستوى لها من شأنها أن تقود إلى مزيد من التراجع في قيمة الليرة أمام الدولار، وهو ما سينعكس على ارتفاع الأسعار واستشراء الغلاء وتأتي أحداث هذه المغامرات الطائشة في غزو شمال سورية عبر شنّ عملية عسكرية لاقت تنديداً واستنكاراً عربياً ودولياً كبيراً.
في هذا السياق لم تعد تركيا كما كانت عليه قبل العام 2011، حيث خسرت نفوذها في سورية، وأصبح المقاتلون من الجماعات المتطرفة عبئاً كبيراً على الأمن التركي، وأردوغان يعلم تفاصيل الأمر ويدرك أنه أمام معضلة مئات الجهاديين المتطرفين الذين قاتلوا في سورية ويتواجدون على أرضه حالياً.
في هذا السياق إنّ الهجوم الذي تشنّه تركيا في شمال سورية قد يتحوّل إلى نزاع طويل يزيد من التوتر مع واشنطن، في حال واصلت أنقرة عملياتها ضدّ المقاتلين الأكراد المدعومين أميركياً، وبالتالي إذا تواصلت هذه المواجهات فإنّ ذلك سيكون له إنعكاسات سلبية وخطيرة على الصراع الجاري ضدّ حزب العمال الكردستاني في تركيا، وبذلك يمكنني القول إنّ المغامرة التركية في سورية لا تزال في بداية فخ المستنقع السوري، وستصبح تائهة مثل تنظيم داعش والمجموعات المتطرفة الأخرى، وبذلك يكون أردوغان قد جرّ قواته إلى مستنقع لن تخرج منه.
بموازاة ذلك، فإنّ الحكومة السورية على قدمٍ ثابتة في التفاهمات والتحوّلات التي يشهدها الملف السوري، مع تأكيد دمشق أنها ماضية في بسط هيمنتها على كلّ شبر من أراضي الدولة السورية.
وبقراءة موضوعية للأحداث على الأرض السورية، فإنّ بؤر الإرهاب تتساقط تحت ضربات الجيش العربي السوري، وتتساقط معها أحلام وأوهام عاشها بعض المغفلين الذين توهّموا سهولة إسقاط سورية، فبعد سلسلة الهزائم التي مُنيت بها هذه القوى المتآمرة، بدأت هذه القوى إعادة النظر في استراتيجيتها القائمة والمعلنة اتجاه سورية.
يستطيع أيّ متابع للأحداث الجارية في سورية أن يدرك أنّ هناك تغييرات في الملف السوري، خاصة بعد تقدّم الجيش السوري في ريفي إدلب وحماة والمناطق الأخرى من سورية، الذي من خلاله شارفت لعبة كسر القيود على نهايتها، فلا غريب أن يشهد السوريون نجاح عملية تحرير شرق الفرات وانتشار الجيش السوري في ريف الحسكة، ولا غريب أيضاً أن يسمع السوريون في يومنا هذا تصريحات الرئيس الأسد عن قرب نهاية الجماعات الجهادية وأخواتها وسحق أحلام أردوغان في سورية، إذ أكد الأسد: أنّ المعركة مفتوحة مع الأعداء ولن تنتهي إلا بزوالهم داعياً الجيش السوري إلى أن يبقي السلاح ممشوقاً حتى تحقيق الانتصار.
والمأمول أن تدرك القيادة التركية حجم المغامرة التي يدفعها الأميركي وحليفه العربي اليائس نحوها، وتبادر إلى مراجعة حساباتها، وتجنّب التورّط بقدر الإمكان بالمستنقع السوري، كما أنني على ثقة تامة بأنّ الشعب السوري قادر على تجاوز وتخطي أزمته ومحنته الراهنة بفضل تماسكه ووحدته الوطنية، لأنه يدرك جيداً دوره في مواجهة كلّ المشاريع التركية – الغربية في المنطقة الرامية إلى تجزئة وتقسيم سورية وتفتيت وحدة الإنسان السوري.
وأختم بالقول إنّ ساعة الرحيل التركي من سورية ليست بعيدة، وقد تغيّرت سورية كثيراً عما عرفها النظام التركي عندما استقدم داعش وأخواتها، وأنّ سورية دائماً من انتصار إلى انتصار رغم أنف تركيا وأعوانها، وأنّ سورية لن تعود إلى الوراء مهما حاول الواهمون لأنّ أبناءها قادرون على تخطي هذا المرحلة بكلّ قوة وعزيمة.
|