كان يوم التاسع من نيسان- إبريل عام 1948، من أكثر الأيام هولاً في تاريخ قرية "دير ياسين" الواقعة غربي القدس، وفي تاريخ فلسطين المعاصر.
ففي الساعات الأولى من فجر هذا اليوم، بدأت العصابات الصهيونية هجومها لتقترف واحدة من أبشع المجازر وأكثرها وحشية في تاريخ الإنسانية، وهي المجزرة التي محت "دير ياسين" من الوجود، وترتبت عليها نتائج سياسية- ديموغرافية مهدت لإعلان قيام "دولة إسرائيل" في منتصف أيار- مايو 1948.
* * *
لم يكن أهالي "دير ياسين": (الأطفال والشيوخ والنساء، وحتى الأجنة في الأرحام) محاربين تخشاهم العصابات الصهيونية، لكن هذه الحقيقة لم تكن مهمة بالنسبة لها فالمطلوب لم يكن فقط قيام دولة يهودية، بل أن تكون بلا سكان أصليين, أو بأقل عدد منهم حيثما أمكن.
فـ"كلما كان هناك عرب أقل، كلما كان ذلك أفضل" كما قال أحد القتلة الصهاينة معلقاً على مجزرة أخرى شارك فيها هي "الدوايمة".
ولهذا الغرض –(التخلص من العرب الفلسطينيين)- عبر إجبارهم على الهجرة, والإستيلاء على أراضيهم وبلادهم وإخضاع من تبقى منهم، ستكون المجازر والإرهاب المنظم نهجاً ثابتاً في سياسات العصابات الصهيونية ودولتها فيما بعد.
وهو أمر بات معروفاً للجميع، بعدما كتب عنه الكثير، ليس من قبل المؤرخين والكتاب والشهود العرب فقط، بل ومن قبل مؤرخين "إسرائيليين"، فضحوا أساطير الرواية الرسمية الإسرائيلية وتلفيقاتها عن "النكبة" ومسبباتها ومجرياتها.
وربما يجدر بنا هنا أن نذكر بالتقدير الكتاب الموثق والمهم: "التطهير العرقي في فلسطين" للباحث والمؤرخ "الإسرائيلي" ذي الضمير الحي، الدكتور إيلان بابيه, والذي اضطر بسببه إلى اللجوء للإقامة في بريطانيا هرباً من العنصريين الصهاينة الذين اتهموه بالخيانة والعمالة للعرب!؟
* * *
وإذا كانت المذابح والمجازر الصهيونية، التي استلهمت بإتقان عالٍ الأساليب النازية، مصممة لتهجير الفلسطينيين وطردهم من فلسطين (مركز إقامة الدولة الصهيونية)، فقد مورست ضد الفلسطينيين اللاجئين في الدول العربية المجاورة، وضد العرب المحيطين بفلسطين، لإبعادهم عن الحدود، وتطويعهم لإملاءات "إسرائيل" وإخضاعهم لإرادتها، كما جرى في مجازر:" مخيمي صبرا وشاتيلا" الفلسطينيين, و"مدرسة بحر البقر" المصرية، و"قانا" اللبنانية.
فمن غير الممكن للص والسفاح أن ينام هانئاً مكتفياً بما سلبه من غنائم، ما دام ضحاياه موجودين حوله.
وهو يدرك بعمق أنهم سيلاحقونه، وأن يد العدالة التي نجا منها طوال الوقت بفضل حماته الإمبرياليين المهيمنين على العالم، ستطاله حتماً ذات يوم.
ولأن "إسرائيل" وقادتها يعرفون هذا جيداً، فإنهم يتشبثون بعقيدة راسخة بشأن كيفية التعامل مع العرب: "ما لا ينفع بالقوة، ينفع بقوة أكبر"، وسيواصلون السير في طريق المجازر، حتى يضع العرب حداً لهم.
وعندها سيحضر الضحايا جميعاً.. وتستعاد التفاصيل كلها -بلحمها ودمها وعذاباتها-:
لتشهد على المجرمين وتنزل بهم القصاص العادل
|