تَستبسل غزة في مجابهة مشروع إسرائيلي خليجي مغطى أميركياً ويحتوي على رائحة أكثر من بلد عربي. فهؤلاء يعتقدون أنّ تطويع «القطاع» يؤدي تلقائياً الى إنهاء القضية الفلسطينية سامحاً لـ «إسرائيل» بالتموضع المريح في الشرق الأوسط محققاً للأميركيين إعادة إمساك قوية بالعالم الإسلامي ومتيحاً للخليجيين الخروج من أزماتهم الكبرى نتيجة خسارة مشروعهم في المشرق العربي من مصر الى لبنان فاليمن والعراق وسورية.
يعتقد هذا الحلف انّ سقوط غزة يؤدّي تلقائياً الى خسارة مشروع المقاومة في لبنان وسورية والعراق دافعاً نحو تفجير إيران من داخل مكوناتها المذهبية والعرقية، وإلا فلا بأس بحرب عليها من الحلف الأميركي الإسرائيلي الخليجي يجري العمل عليها سريعاً.
فهل هذا ممكن؟
الظروف الحالية تؤكد محاولات أميركية للعثور على مخرج لأزمة إمبراطوريتهم المتراجعة فتوصلوا الى انّ إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي يقضي على الدور الإيراني في العالم الإسلامي وتحالفاته في جبهات المقاومة في الشرق الاوسط.
وهذا أمر يُشدّدُ من الحلف العربي الإسرائيلي معرقلاً الصعود الروسي في العالم العربي وكذلك التصويب الصيني للتموضع فيه.
«إسرائيلياً» يشكل القضاء على المقاومة في غزة وإلحاقها بسياسات رئيس السلطة الفلسطينية المهادن محمود عباس، أو نحو اتجاهات المتعاون معها الرئيس المصري السيسي، حلاً تاريخياً ينهي الموضوع الفلسطيني الى الأبد ولا يدفع نحو حلّ الدولتين باعتبار أنّ مشروع دويلة للفلسطينيين يحتاج الى ارض لم تعد موجودة بعد الإلحاق المتوقع لمعظم مناطقها بالكيان الإسرائيلي الغاصب.
ماذا عن أسباب المحور الخليجي للاندماج بهذا المشروع الذي يُسقط عنهم كامل مواصفاتهم التاريخية من عروبة وقيادة عالم إسلامي وأدوار أخرى كبيرة. هؤلاء يعتبرون أنظمتهم أكثر اهمية من كل تلك القيم التي يستعملونها لتعزيز اوضاعهم وليس العكس، اي انهم ليسوا مستعدين لكل ما قد يؤدي الى الوقوف في وجه حماة عروشهم الأميركيين مباشرة والإسرائيليين بشكل غير مباشر.
اما لجهة اسبابهم بالالتحاق السريع فهي على تماس مع تراجعاتهم الخطيرة في الآونة الراهنة. مشاريعهم السياسية الداعمة للإرهاب خسرت وكشفت معها مدى التراجع الأميركي.
كذلك وضعية حربهم على اليمن التي تتقهقر وسط تصاعد انتقادات عالمية لمجازرهم فيه التي فاقت العشرين الف مدني معظمهم من النساء والاطفال.
فيما لم تعد مكرماتهم ورشاهم قادرة على استيعاب الاعتراضات المتدفقة من كل حدب وصوب.
وجاءت جريمة تصفية المعارض جمال الخاشقجي في قنصلية بلاده السعودية في اسطنبول التركية لتزيد من تدهور المملكة وانكشافها عالمياً.
علماً ان هذه الجريمة تلت هجمات ساخرة سدّدها الرئيس الاميركي ترامب الى آل سعود وطالبهم فيها بدفع ثمن الحماية الأميركية التاريخية لهم، محولاً بذلك ولي العهد محمد بن سلمان وابيه الملك مادة للتندر والفكاهة على المستوى العالمي.
لقد أدى اجتماع هذه الاسباب الى التفكير بمحاولات التعويض وبسرعة، يتبين ان تسوية اميركية سعودية تركية هي قيد الدرس والمساومة لإنهاء قضية الخاشقجي بوسيلة حصرية واحدة تقوم على ابتزاز السعودية سياسياً واقتصادياً وسط انصياع كامل منها.
ولأن هذه الحلول ليست كاملة التقى قادة اركان جيوش السعودية والإمارات ومصر بقيادة اركان جيش العدو الإسرائيلي في مؤتمر عسكري علني في الولايات المتحدة رعاه حلف الأطلسي مشاركاً بكامل قادة أركانه واتضح ان السعودية والامارات والبحرين ومعهما الأردن ومصر وافقوا على شن هجمات عسكرية على إيران إذا لم تتوقف عن دعم الإرهاب على الطريق الاميركية.
إلا ان اللافت كان تزامن الاتفاق الإسرائيلي الخليجي مع بدء هجمات إسرائيلية واسعة على قطاع غزة بدأت منذ يومين، بما يؤدي الى الربط بين استهداف غزة والتصويب على إيران من المصادر الأميركية الخليجية الإسرائيلية دائماً.
وهنا لا بد من الإشارة الى ان الموقف الاردني كان ولا يزال مع حل الدولتين على اراضي فلسطين وعلى اساس القرارات الدولية على خط 1967 اي كامل الضفة وغزة للفلسطينيين مع القدس الشرقية عاصمة لهم مقابل ما تبقى للكيان الغاصب.
أما موقف السيسي، فمشابه نسبياً، لكنه يقبل بتعديلات ترضي الاميركيين والإسرائيليين أكثر من الأردنيين الخائفين على هوية بلدهم الأردن في حالة جرى توطين مليون ونصف فلسطيني عندهم.
أما الخليجيون فيتضح أنهم مع القضاء على قطاع غزة لإنهاء القضية الفلسطينية بما يؤدي تلقائياً الى حلف خليجي إسرائيلي عربي ضد إيران يعمل بالتوجهات الاميركية.
بماذا يرد محور المقاومة وهل هو قادر على المجابهة؟
هناك استنتاج عالمي بأن المحور السوري العراقي الإيراني مع حزب الله المتحالف مع روسيا انتصر في الحرب الأخيرة على الإرهاب ومشغليه من بعض العرب والأميركيين والإسرائيليين وهناك اليوم محور من لبنان الى العراق وسورية وإيران جاهز للمجابهة ومعه معظم الفلسطينيين في دول الشتات والداخل، هؤلاء لن يسمحوا لمهزومين بالتعويض وإعادة الإمساك بالمنطقة. وهذا واضح من خلال التنسيق العراقي السوري عند حدود البلدين وعرض إيران لصواريخ جديدة شديدة التدمير ودقيقة في التصويب، مع نجاح حزب الله بالدفع نحو تشكيل حكومة في لبنان على حساب الاعتراض السعودي، كما ان الفلسطينيين مستعدون للدفاع عن غزة في القطاع والضفة والدول المحيطة بكل الأشكال.
إن هذا لا ينفي ان الشهر المقبل موعد للمزيد من التحديات التي قد تدفع نحو حروب كبيرة، لكنها لن تكون قادرة على تغطية التراجعات الأميركية الخليجية والأحلام الإسرائيلية.
هذا مع التذكير بالموقف الروسي الصيني الذي يشعر بأنه مستهدَف ايضاً ما يؤدي الى دعمه محور المقاومة.
إن علاقات سياسية يبنيها سياسيون على شاكلة ترامب وإبن سلمان ذاهبة الى نتائج غير مسبوقة بالفشل والإحباط وبعض المصحّات العقلية التي تتحضر لاستقبال المهزومين.
|