الأكراد اليوم في أزمات خانفة، هم حلفاء الأميركيين في شرق الفرات السوري وبعض أنحاء الشمال في إطار آليات عسكرية وسياسية تغطي أدوار الاحتلال الأميركي في الأزمة السورية.
هؤلاء الكرد السوريون مهدّدون حالياً من تركيا حليفة الأميركيين أيضاً في الحلف الاطلسي ويقول الرئيس التركي اردوغان إن جيشه بصدد الهجوم على شرقي الفرات في الأيام القليلة المقبلة لتدمير «قوات سورية الديمقراطية» «قسد الإرهابية»، كما يقول وهي الآلية الكردية العسكرية التي بناها الأميركيون للسيطرة على المنطقة وتفتيت سورية وتسعير نار الازمة.
فهل أصبح اردوغان مهتماً بمنع التفتيت وهو الذي يحتل جيباً حدودياً مساحته عشرة آلاف كيلومتر مربع تقريباً بالإضافة الى محافظة ادلب وعفرين ومناطق أخرى محاذية.
النقطة الثانية الضاغطة على الأكراد هم إرهابيو داعش ومثيلاته، والغريب أن الأميركيين قادرون على إنهاء الإرهاب في كامل سورية في اسبوع فقط، ومنذ سيطرتهم على سبعين في المئة من مساحتها قبل سنوات عدة.
لكنهم يفضّلون مناوشتهم لاستعمالهم في الضغط على عدوة الإرهاب الاولى الدولة السورية.
وبذلك يتكوّن المشهد: أميركيون يستثمرون في الارهاب والأكراد والاتراك، بيد أن الاتراك الذين يشكلون تاريخياً جزءاً هاماً من النفوذ الأميركي لديهم اهتمامات خاصة قد تتعارض احياناً مع اهتمامات واشنطن ويُصادف ان الكرد نقطة خلاف اساسية بينهما في الوقت الحالي فقط. فواشنطن تسعى لاستثمارهم في إيران وسورية والعراق وربما لاحقاً في تركيا نفسها، وأنقرة تعرف ان خطر انشاء كانتون كردي شرق سورية وشمالها، يُعرّضها للتفتيت الحتمي وربما الى انهيار تركيا الدولة التاريخية.
فهل اعلان اردوغان لحربه الوشيكة على الاكراد في شرق الفرات يحظى بموافقة أميركية أو بغض طرف منهم لتأزيم الوضع في الشمال السوري بما يؤدي الى مزيد من تعطيل التفاهمات الروسية التركية الايرانية؟
يبدو أن اعلان الحرب التركية وكأنها ردة فعل على نصب الأميركيين نقاط مراقبة لهم في الشمال عند الحدود السورية التركية بذريعة مراقبة تسلل الإرهاب وهذه ذريعة يستعملها كل الذين يحتلون اراضي سورية: «إسرائيل» قالت إنها تضرب الارهاب في سورية وكذلك فرنسا وأميركا وتركيا والسعودية والأردن وقطر وتبين أن الدولة السورية مدعومة من الروس والايرانيين وحزب الله، هؤلاء هم الذين أبادوا الارهاب من سبعين في المئة من اراضي الدولة. ولم يبق ارهاب إلا في القسم الذي يحتله الأميركيون والاتراك وقوات قسد الكردية. فهل عجز كل هؤلاء عن القضاء عليهم أم أنهم يناوشونهم على طريقة المحافظة على استمرار الأزمة وليس اجهاضها فيظهر بالاستنتاج ان الأميركيين يقفون وراء كل ما يحدث في شمالي سورية وشرقها، واذا كان الجميع يعرف هذا الأمر أفلا يدركه الأتراك؟
فلماذا يجازفون اذاً بحملة ضد الكرد في «مناطق سورية الأميركية» اذا كانوا متأكدين أن الأميركيين لا يقبلون بهذا الهجوم؟
يعتقد الاتراك حسب معلوماتهم من اتجاهات البيت الابيض المختلفة ان واشنطن لا تمانع بإنشاء مناطق فيها جيش تركي في شمال سورية والاقسام الشرقية الملاصقة لها مع بعض انحاء الغرب.
فبذلك يتكون مشهد يعاود التأسيس لاستمرار الازمة السورية وذلك طيلة الوقت الذي تحتاجه الادارة الأميركية لمنع انهيار نفوذها في الشرق الاوسط، ولكي لا يحدث صدام تركي كردي تفصل قوات أميركية فرنسية بينهما، ما يؤدي الى تشكل كانتون كردي في وسط الشرق وعمقه نحو الجنوب يلعب الدور الفعلي الذي تريده واشنطن منه، وهو التغطية الكردية للاحتلال الأميركي للحدود السورية العراقية، والا فعرقلة الحركة فيها بما يعطّل إمكانية تنسيق سوري عراقي كبير يخشى الأميركيون من مفاعيله على نفوذهم في كامل هذه المنطقة. الاكراد اذاً ومن جديد وسط مطاحن لعبة الأمم: مشاريع أميركية وفرنسية على قياس الشرق الاوسط، واحلام عثمانية واخوانية تمسك بالعقل التركي مقابل إصرار روسي ايراني على دعم الدولة السورية في مشروع استكمال سيطرتها على كامل اراضيها المحتلة من الفريق الأول ودعم سعودي اماراتي مفتوح لكل من يعمل على تفتيت سورية.
وهذا يكشف أن الاكراد ورقة للاستخدام في إضعاف الدولة السورية الى الحدود التي لا تثير غضب الاتراك، اي لن تسمح واشنطن بنشوء كيان كردي يؤدي فوراً الى حرب حقيقية مع تركيا، قد تدفع بأنقرة الى حلف عسكري وسياسي مع روسيا والصين كانت قد بدأت به اقتصادياً بالسيل التركي الذي يربط الغاز الروسي بأسواق اوروبا عبر تركيا بطاقة 32 مليار م. مكعب نِصفها لاسواقها الداخلية.
وللمزيد من الضغط على الموقف الأميركي اعلنت انقرة عن اتفاقها مع روسيا على شراء منظومة دفاع جوي متطوّرة هي «اس 400» تعتبر الأحدث بالعالم.
فمن تختار واشنطن عندما يَحمى الوطيسُ؟
الاتراك أم مشروع كردي داخلي لا امكانيات له لانشاء دولة فعلية لأنه لا يملك حدوداً بحرية او جوية او برية، اي مجرد سجن مغلق ويقتصر دوره على تسهيل السيطرة الأميركية على آبار النفط في شرق الفرات، ومساومة الدولة السورية على مشاريع إعادة الاعمار والغاز وهذا يتطلب نسف المشروع الكردي كما حدث معه عشرات المرات منذ مطلع القرن الماضي عندما باعه الفرنسيون والبريطانيون والترك وإيران الشاهنشاهية و»إسرائيل» وذلك عند كل نهاية للأزمات الإقليمية.
فهم مجرد ادوات للاستخدام الاقليمي غير قابلة للتشكيل على اي مستوى، وحدها الدولة السورية بوسعها التعامل مع المشروع الكردي في الشرق على اساس انه جزء من الدولة السورية يمكن أن يعبر عن بعض خصوصياته في اطار الفدرالية. وهذه ميزة لا تملك إلا سورية حق منحها للأكراد لانها صاحبة الدار، فهل يتنبه الأكراد ويرفضون استخدامهم ضد الدولة السورية؟
هناك تيارات كردية موالية للدولة ولها مكانتها، تبقى «قسد» وجناحها السياسي، فمتى يعودون الى الدولة السورية بقرار منهم وليس نتيجة موازنات قوى خاسرة؟ فتصبح سورية بكاملها في مواجهة المشروع التركي الأميركي؟
وهذا لم يعد بعيداً كما تشير الأحداث المتتابعة.
|