اعتقد آل سعود أنهم قادرون على احتلال اليمن وإلحاقه بنفوذهم بحربهم الضروس التي شنّوها قبل أربع سنوات ولا تزال متواصلة.
لكن النتائج انقلبت عليهم، بصمود أسطوريّ يكشف مدى إيمان شعب يمني متواضع الإمكانات، بقدرته على القتال ضدّ الغزاة حتى بالحجارة والأسنان. فهذا شعب له هوية تاريخية يتشبت بها وينقلها سليمة إلى الأحفاد.
لذلك فإنّ آل سعود في مأزق حقيقي متعدّد الأبعاد: الأول هو انتقال حربهم إلى داخل السعودية نفسها، والثاني أن اليمنيين بدأوا يستهدفون بطائراتهم المسيرة، نقاط القوة السعوديّة الوحيدة التي تؤمن لهم هذا الانجذاب الغربي ـ الأميركي إليهم. وهي مصافي النفط والمطارات والمواقع الإداريّة والعسكريّة. والنقطة الثالثة هي انكشاف عجزهم العسكريّ ضدّ هذه الهجمات اليمنية بما يدفع إلى الاعتقاد بأن مئات مليارات الدولارات التي دفعها السعوديّون ثمناً للأسلحة الأميركية ـ الأوروبية ليست أكثر من حديد أصيب بصدأ لندرة استعماله والعناية به والتدرب عليه.
أما النقطة الرابعة، فهو الإحباط الذي تتزايد درجاته عند السعوديين خصوصاً والخليجيين عموماً من البرودة الغربية في التعامل مع قصف مصفاتي أرامكو في بقيق وصريح، وهما أكبر مصفاتين سعوديتين تورّدان الذهب الأسود.
كان آل سعود يعتقدون أن هجوماً أميركياً أوروبياً، ينطلق آلياً بمجرد حدوث استهداف يمني كبير على مراكز نفطهم التي تشكل عصب الاقتصاد الغربي بالاستهلاك المباشر أو الاستثمار في ربوعها ببيع مختلف السلع الغربية أو بالاثنين معاً.
لقد أثارت ردود فعل الرئيس الأميركي ترامب، امتعاض الخليج الذي لا يتجرأ على التعبير عن نقمته. فليس معقولاً أن يبدأ سيد البيت الأبيض باتهام إيران متحولاً بسرعة مدهشة نحو التأكيد بأن بلاده مكتفية بنفطها وغازها الصخريين وليست بحاجة للسعودية بهذا الشأن، لذلك دعاها إلى تغطية تكاليف أي تحرك عسكري أميركي في المنطقة.
وعندما لمس صمتاً خليجياً، ابتدأ بالقول إنه لا يريد حرباً مع إيران، مضيفاً بأن الحرب هي آخر الحلول وليست مستبعَدة، مُسهباً بعد يومين فقط، بأن الحرب «مستبعدة وممكنة» بأسلوب بائع أسهم في بورصة الأحياء الشعبية في نيويورك.
المهم هنا، هو معرفة ما يريده الأميركيون بشكل دقيق، فهم يبتعدون عن أي إشارة لحرب اليمن وعلاقتها بقصف المصافي السعودية.
ما يوضح أن الحاجة الأميركية لهذه الحرب لم تنتهِ بعد، وإن على السعودية مواصلة عدوانها على اليمن: وأغراضها منها، فهي منع تشكل دولة يمنية مستقلة، والسيطرة على حدودها البحرية من عمان وحتى باب المندب وصولاً إلى الحدود في أعالي البحر الأحمر مع السعودية.
وللأميركيين اهتمامات غامضة بموارد طاقة يمنيّة تقول مصادر غربية إنها موجودة بكميات وازنة، وتجمع بين النفط والغاز.
هذه أسباب أميركية تمنع السعوديين من التخلي عن عدوانهم وفي طريقة لرفع مستوى الرعب السعودي، يتعمّد الأميركيون الربط بين إيران واليمن والعراق وسورية ولبنان، مع التركيز على محورية إيران في هذا الحلف، الأمر الذي يربط آل سعود بالسياسة الأميركية المعادية لإيران.
الجمهورية الإسلامية إذاً هي هدف أميركي أساسي يريد البيت الأبيض تفجير دولتها، لكنه يصطدم بقدرتها الدفاعية والهجومية، فيعمد إلى الاستثمار بهذه القوة الإيرانية بوسيلتين: عزلها عن الجوار الخليجي، وتحويل هذا الخليج إلى سوق كبيرة لشراء السلاح الأميركي إلى جانب حصر علاقاتها الاقتصادية بالسلع الأميركية والغربية، من خلال استبعاد السلع الصينية والآسيوية عموماً.
لكن، فالخطة الأميركية تركز على الأولويات المتحكمة حالياً بالعقل الخليجي الرسمي، وهو الخوف على الأنظمة السياسية، وبما أن السلاح الخليجي الموجود لم يتمكّن من صدّ الصواريخ والمسيَّرات اليمنية. فهذا يعني عجزه عن التعامل مع المستجدّات العسكرية لهذه المرحلة، فلا بأس إذاً بشراء أسلحة حديثة للزوم قمع الداخل من جهة والخارج الإيراني ـ العراقي ـ اليمني من جهة ثانية.
ألا تفترض هذه الأهداف تغييراً كاملاً للسلاح الموجود، يؤدي إلى تقليد خليجي متسارع من الكويت وحتى عمان مروراً بالإمارات والبحرين وقطر. وقد توزع السعودية صفقات أسلحة حديثة على الأردن ومصر والسودان لضرورات التعاون.
ماذا يعني هذا التجديد؟ تستلزم الأسلحة الحديثة وقتاً طويلاً للتعامل المفيد معها، الأمر الذي يستلزم إيفاد آلاف العسكريين الخليجيين للتدرب عليها في بلاد الإنتاج، وهذا يتطلب دفع أثمان السلاح وكلفة التدريب عليها، ونفقات آلاف المستشارين الغربيين الذي يعملون في جيوش الخليج، وتسديد ثمن أسلحة الدول الصديقة، المتحالفة.
إنها إذاً عملية مرهقة، تقول مصادر عسكرية روسية، إن نفقاتها قد تزيد عن ألف مليار دولار قابلة للتصاعد، وهي كافية لإنعاش الطبقات الوسطى في الغرب الصناعي، وإعادة تجديد معامل السلاح في بلدانه.
بالمقابل ليس أكيداً قدرة الخليج على استعمال هذا السلاح الذي قد يصبح قديماً بعد نصف عقد على شرائه والتدرب عليه وفي عالم ينتج أسبوعياً، أصنافاً جديدة من الأسلحة.
هناك نقطة إضافية وهي أن السلاح يحتاج إلى عقيدة قتال، ليست موجودة في الخليج الملتزم بالسياسة الأميركية وبالتالي الإسرائيلية، فيبدو آل سعود كمن يطلقون النار على رؤوسهم في حروب لا علاقة لهم بها، لتطوير طبقات غربية على حساب شعوبهم التي تحتاج إلى تطوير فعلي يمنعه عنهم الأميركيون ومعهم آل سعود الذين يخافون من السعوديين أكثر من إيران واليمن وحزب الله.
|