ليست من الصدف أن تتزامن الغارة الأميركية المشؤومة والغادرة على مواقع الجيش العربي السوري البطل في دير الزور مع هجوم جماعات داعش على الموقع نفسه. وليست من الصدف أن تتزامن أيضاً مع التدخل العسكري الصهيوني في الجولان لدعم جماعات جبهة النصرة ومشتقّاتها. وليست من الصدف أن تأتي الغارة على أعقاب الموقف المبدئي والصحيح والمنتظر من القيادة السورية في ردع تحرّشات الكيان عبر إطلاق الصواريخ التي أسقطت الطائرتين الصهيونيتين ومن صنع أميركي. وليست من الصدف أن تتزامن هذه الهجمات مع بداية تطبيق «التفاهم» الروسي الأميركي حول وقف العمليات العسكرية في منطقة حلب. وليست من الصدف أن تظهر تصريحات مسؤولين أميركيين مشكّكة في «مصداقية» الروس والسوريين في التزامهم بتطبيق الاتفاق. فماذا يعني كلّ ذلك؟
الدلالة الأولى هي مدى حقد أعداء سورية على سورية بشكل عام، وخاصة على الجيش العربي السوري البطل، الذي بصموده غيّر المعادلات العربية والإقليمية والدولية، فيشكّل ركيزة التحوّلات المقبلة التي سترسم خارطة الإقليم والعالم. كما أن الحقد على الجيش السوري هو دلالة على فشل سياسة تدمير الجيوش العربية في الحد الأقصى أو تحييدها في الحد الأدنى لتمرير سياسات العدوان الأميركي الصهيوني وحلفائه على الأمة.
الدلالة الثانية هي كشف سياسة التلفيق والتسويف والكذب مع ترويج أن الغارة حصلت «خطأ»! فهل التكنولوجية المتقدّمة في الرصد أخفقت في تحديد مواقع الجيش العربي السوري؟ وهل الإمكانيات الاستخبارية أخفقت في مراقبة تحرّكات جماعات داعش قبل الهجوم؟ فإذا كان ذلك صحيحاً فما قيمة تلك التكنولوجية والقدرة الاستخبارية التي يهلّل لها الكثيرون؟ وإن لم تكن صحيحة، أي أنه لم يكن هناك «خطأ»، بل كانت الغارة تستهدف بالفعل مواقع الجيش العربي السوري البطل، فهذا يكشف النيات الحقيقية للتحالف التي تقوده الولايات المتحدة.
الدلالة الثالثة هي مدى الانزعاج الأميركي الصهيوني من إنجازات الجيش العربي السوري في الميدان الذي يواجه حرباً كونية عليه في مختلف الجبهات من دون أن ينسى أن العدو الأساسي هو الكيان الصهيوني. فكان العمل المدروس والمتقن في ردع عربدة جيش الكيان الصهيوني في الجولان. فكل ذلك استدعى «معاقبة» الجيش العربي السوري ومن خلاله القيادة السورية التي رسمت سياسة الصمود والمقاومة فالمواجهة، فأصدرت الأوامر للتصدّي للكيان الصهيوني وللمؤامرة التي تستهدف سورية أرضاً وشعباً ودورها العربي في الصراع الوجودي من أجل فلسطين.
أما على الصعيد السياسي، فاستهداف مواقع الجيش السوري محاولة لنسف أسس التفاهم الروسي الأميركي لإرساء هدنة تمهيداً لإطلاق عملية الحل السياسي. فأعداء التفاهم موجودون في الإقليم كما في الولايات المتحدة وداخل الإدارة الأميركية. وقد يعتبر البعض أن التباين في مواقف مسؤولين أميركيين حول التفاهم وتطبيقه نوعاً من توزيع الأدوار لتقطيع الوقت حتى تأتي إدارة جديدة تتولّى الأمور. لسنا من هذا الرأي. قناعتنا أن التباين في المواقف بين عدد من أركان الإدارة يعكس مدى عمق أزمة النظام السياسي الأميركي. فتحالف مصالح المجمّع العسكري الصناعي المالي يريد استمرار الأزمة وحتى تفاقمها لأنها مستفيدة مباشرة منها، وإن كان على حساب مصالح الشعب الأميركي في الدرجة الأولى. فالرئيس أوباما قد يبدو جاداً في إيجاد إطار سياسي خالٍ من التوترات لخلفه في الإدارة المقبلة، لكن صراع مراكز القوى داخل الإدارة قد يعطّل تطبيق التفاهم.
ذلك يعني أن المراهنة على تماسك في الموقف الأميركي رهان خاطئ وغير موضوعي. وبالتالي على أصحاب القرار في العالم، وفي الإقليم، وفي الأقطار العربية أن تبني سياساتها بعيدة عن الموقف الأميركي إلى أن تأتي الولايات المتحدة إلى «بيت الطاعة» التي تمثله موازين قوى جديدة تمنعها من فرض إرادتها بشكل قسري على الجميع. فبمقدار ما تستطيع الولايات المتحدة أن تتكيّف مع الواقع الجديد تستطيع عندئذ أن ترسم دورها في المعادلة الدولية.
السياسة الروسية اتسمت حتى الآن بالتدرّج المحكم في نزع الذرائع المتتالية للولايات المتحدة. ومساءلة موسكو لواشنطن حول الغارة قد تكون مفصلية في تحديد المسار المرتقب للتفاهم الروسي الأميركي. إن ما نشهده في هذه المرحلة تثبيت الإرباك الأميركي. فالولايات المتحدة ما زالت رافضة نشر أحكام التفاهم مع روسيا خشية المزيد من الإرباك وخسارة عند حلفائها الإقليميين وفي الميدان السوري.
أما على الصعيد العربي، وخاصة الشعبي، فالمطلوب تحرّك للفعّاليات الشعبية الوطنية والإسلامية للتنديد أولاً بالغارة الأميركية على مواقع الجيش العربي السوري، وثانياً للتضامن مع الجيش العربي السوري، وثالثاً للضغط على الحكومات العربية لإصدار مواقف مشابهة، ورابعاً، لتعميق الوعي العربي في محدودية الدور الأميركي في رسم مسار الأمور دون تجاهل قوتها النارية والمالية التي ما زالت متحكّمة بشرايين التمويل العالمي.
|