شكل سقوط طائرة «ايل 20» الروسية في سماء اللاذقية بفعل غدر الطائرات الصهيونية لها والتي حوّلتها إلى ضحية عندما استظلت بها لتقوم بعدوانها على موقع للصناعات العسكرية السورية، شكل تطوّراً خطيراً في مسار العدوانية الصهيونية على سورية، فهو يكشف مجدّداً الطبيعة المجبول عليها كيان العدو الصهيوني والقائمة على الغدر والخيانة وعدم الوفاء بالعهود أو الالتزام بالاتفاقيات.
لقد أدّى هذا العدوان على سورية والطائرة الروسية واستشهاد 14 ضابطاً وجندياً كانوا على متنها إلى ردّ فعل روسي قوي حمّل «إسرائيل» المسؤولية الكاملة عما حصل واعتبرها ناكرة للجميل الروسي، خصوصاً أنّ الأمر وصل بمسؤوليها العسكريين والسياسيين حدّ الوقاحة والخبث بعد إبلاغ روسيا بموعد الغارة «الإسرائيلية» قبل حصولها بوقت كاف كما هو متفق كي تتخذ الطائرات الروسية الموجودة في الأجواء حذرها وتتمكن من العودة إلى قواعدها تفاديا لأيّ تصادم أو حادث ، فالتبليغ الصهيوني عن الغارة جاء قبل دقيقة واحدة من حدوثها ما يعني للقيادة الروسية بأنّ هناك نية مبيّتة وكميناً مدبّراً نصب للطائرة الروسية «ايل 20»، الأمر الذي يشكل إهانة لروسيا واستهتاراً صهيونياً بالعلاقة معها، وعلى أقلّ تقدير، اذا لم يكن الأمر أبعد من ذلك، فهو محاولة خبيثة لاستهداف العلاقة الروسية السورية، عبر اتهام سورية بالوقوف وراء إسقاط الطائرة، وكذلك استهداف الاتفاق الروسي التركي بشأن التخلص من وجود الجماعات الإرهابية في إدلب.
على أنّ الردّ الروسي العملي، هذه المرة، جاء أقوى من الردّ الروسي على إسقاط طائرة السوخوي الروسية في سماء ريف اللاذقية من قبل الطائرات التركية، ففي حينه ردّت روسيا بنشر منظومة أس 300 وأس 400 لحماية طائراتها وقواتها في سورية وألزمت تركيا بتقديم اعتذار والتعويض على روسيا نتيجة سقوط الطائرة واستشهاد أحد طياريها وإطلاق سراح الطيار الأسير، وهو ما حصل.
أما مع حادث إسقاط طائرة «ايل 20» فإنّ الردّ جاء أقوى وصادماً لحكومة العدو الصهيوني حيث أعلنت روسيا رفضها للرواية الصهيونية واتهمت تل أبيب بسوء النية المبيّت، وقرّرت رسمياً تسليم سورية منظومة صواريخ أس 300 في خلال أسبوعين ومعها منظومة للإدارة والتحكم ومنظومة إعماء الكترونية لأجهزة الطائرات المعادية، هذه المنظومة المتكاملة موجودة فقط لدى القوات الروسية وهي كفيلة بحماية الأجواء السورية وحظر حرية حركة الطيران الصهيوني ومنعه من ضرب أيّ أهداف في سورية، حتى ولو كانت الطائرات المعادية تعتدي على أهداف سورية من سماء لبنان أو فوق فلسطين المحتلة، فإنّ صواريخ أس 300 قادرة على رصدها وضربها وإسقاطها وإسقاط الصواريخ التي تطلقها.
إنّ القرار الروسي بتسليم هذه المنظومة المتطوّرة من الدفاع الجوي لسورية ما كان ليحصل لولا الحماقة «الإسرائيلية» وشعور القيادة الروسية بالإهانة والخيانة، وبالتالي وصولها إلى قناعة تامّة بأنه لا يمكن الوثوق بالتزامات القيادة الصهيونية ولا الركون إلى تعهّداتها، وأنه لا بدّ من ردعها وتدفيعها ثمن ما اقترفته من غدر بحق الطائرة الروسية وبحق روسيا، وبهذا المعنى يمكن القول «ربّ ضارة نافعة»، فتسليم سورية أس 300 يشكل تطوّراً نوعياً وهاماً يعزز القدرات الدفاعية السورية الردعية للعدوانية الصهيونية من جهة، ويحدث تحوّلاً في موازين القوى العسكرية يحرم كيان العدو من ميزة التفوّق الجوّي التي يتمتع بها طيرانه الحربي المتطوّر لتنفيذ اعتداءاته ضدّ سورية، هذا التطوّر الذي يعزز قدرات الردع لدى سورية وحلفها المقاوم، يحصل لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، وهو يأتي في لحظة فاصلة في الحرب الوطنية التي تخوضها سورية مدعومة من حلفائها ضدّ الحرب الإرهابية الاستعمارية، حيث يشكل امتلاك سورية صواريخ أس 300 عامل قوة وردع ليس فقط في مواجهة عربدة وغطرسة الطائرات الصهيونية، وإنما أيّ في مواجهة احتمالات أن تقدم الولايات المتحدة على تنفيذ عدوان على سورية لحماية الإرهابيّين المتحصّنين في محافظة إدلب لاستخدامهم ورقة لابتزاز للقيادة السورية بتقديم تنازلات تمسّ السيادة السورية مقابل انسحاب قوات الاحتلال الأميركي من سورية، كما يشكل امتلاك سورية أس 300 عامل ردع للنظام التركي من مغبة الاستمرار في المراوغة والمناورة في تنفيذ اتفاق إدلب أو التفكير في إبقاء قواتها المحتلة في سورية لتحقيق مكاسب سياسية، واستطراداً فإنّ امتلاك سورية هذه المنظومة المتطوّرة من الدفاع الجوي يوفر الغطاء للجيش السوري وحلفائه لتطهير الأرض السورية مما تبقى من إرهابيين، وفي نفس الوقت استعادة السيادة والسيطرة السورية على كامل المناطق الشمالية والشرقية إذا استمرت قوات الحماية الكردية في رفض العودة إلى كنف الدولة السورية، وراهنت على محاولة فرض حكم ذاتي كردي مدعوم من الولايات المتحدة الأميركية.
من هنا يمكن القول إنّ القرار الروسي بتسليم سورية منظومة أس 300 يسهم في تمكين سورية من فرض معادلة ردع في كلّ الاتجاهات.. أيّ ردع لكلّ الدول المعتدية على سورية، والتي تحاول تأخير انتصار الدولة السورية وربط تسهيل الحلّ السياسي وخروج سورية من الحرب والبدء بإعادة الإعمار بالحصول على تنازلات سياسية منها عجزت عن تحقيقها طوال سنوات الحرب المنصرمة، وبالتالي فإنّ القرار الروسي يسقط آخر الرهانات الأميركية التركية الصهيونية على إطالة أمد الحرب الإرهابية ويسرّع في إنهاء هذه الحرب وإسدال الستار على آخر فصولها لمصلحة بسط سورية كامل سيادتها وسيطرتها على كلّ شبر من أراضيها، وعلى قاعدة تكريس استقلالية قرارها الوطني الذي رفضت القيادة السورية برئاسة الرئيس بشار الأسد التفريط به على مدى سنوات الحرب لتبقى سورية حصينة منيعة ودولة وطنية مستقلة غير تابعة اقتصادياً أو سياسياً أو أمنياً، لا بل أنّ هذا الاستقلال يتحصّن ويتعزّز بخروج سورية من الحرب الإرهابية منتصرة وهي أكثر قوة في الدفاع عن هذا الاستقلال الوطني بكلّ أبعاده المذكورة آنفاً.
|