إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة استقالته، قبل انتهاء مدة ولايته في 28 نيسان الحالي، استجابة لضغط قيادة الجيش الجزائري، قطع الطريق على المتربّصين بالجزائر في الداخل والخارج، الذين كانوا يريدون دفع الأمور نحو الفراغ والفوضى، عبر رفض كلّ الحلول المطروحة لتأمين انتقال سلس وديمقراطي للسلطة، من خلال تشكيل مجلس رئاسي والتحضير لإجراء انتخابات رئاسية بعد ثلاثة أشهر من الآن، وفق الصيغة التي تقدّمت بها قيادة الجيش.. وكان واضحاً أنّ استقالة بوتفليقة لم تحصل إلا بعد أن صعّدت قيادة الجيش من موقفها في مواجهة بعض رموز السلطة الذين كانوا يعرقلون الاستقالة، وفتحت الطريق أمام آلية دستورية انتقالية تنقذ البلاد من مخاطر الانزلاق نحو الاضطراب والفوضى الهدامة، التي تطمح الدول الغربية الاستعمارية إلى بثها، ودعا إليها علناً الصهيوني برنار ليفي، الذي كان قد أعلن في بدايات «الربيع العربي»، أنّ هذا الربيع لا يكتمل إلا بالجزائر.. وهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها كانوا ينتظرون الفرصة لامتداد «الربيع العربي» إلى الجزائر، لهدم الدولة الوطنية الجزائرية المستقلة الرافضة للتبعية، والمحافظة على دورها الوطني والقومي التحرّري في دعم القضية الفلسطينية ونصرة مقاومتها وانتفاضتها، وفي رفض التآمر على سورية العروبة والمقاومة، وبالتالي كان يُراد تحويل الجزائر إلى بلد تابع للغرب الاستعماري، ونهب ثرواته، من نفط وغاز إلخ… على غرار محاولته، لكنها الفاشلة، في سورية، لتدمير وإسقاط دولتها الوطنية المستقلة.. على أنّ خطة الجيش الجزائري وجّهت صفعة قوية للدول الغربية واحبطت خططها للنيل من الجزائر، بلد المليون ونصف المليون شهيد، التي لم تغادر تاريخها التحرري ضدّ الاحتلال والاستعمار…
كان واضحاً أنّ الجيش قد استند في قراره الحازم ضدّ ما أسماه «العصابة الفاسدة الناهبة للشعب»، التي تحيط بالرئيس بوتفليقة، إلى تأييد الغالبية الشعبية للصيغة الدستورية الانتقالية التي طرحها.. وكان واضحاً أيضاً انّ هذا الدخول القوي للجيش على خط الأزمة وإمساكه بناصية الأمور قد جعل منه منفذاً لمطالب الشعب بتطهير السلطة من الرموز البيروقراطية الفاسدة والنهابة للمال العام، ووضع الأمور على سكة إجراء الإصلاحات الوطنية بعيداً عن التدخلات الخارجية بشؤون الجزائر، إصلاحات تبني على ما أنجز بعد انتصار الثورة عام 1962، انْ كان على صعيد بناء الدولة الوطنية المستقلة، أو على صعيد بناء المؤسسات والمصانع الإنتاجية، أو على صعيد الرعاية الاجتماعية، المتجسّدة بالضمانات والتقديمات الاجتماعية، من تعليم واستشفاء وطبابة وسكن، مما جعل من الجمهورية الجزائرية جمهورية اجتماعية، ومثل هذا الإصلاح الوطني هو المطلوب والذي يصبّ في خدمة الشعب وتحقيق مصالحه ويحافظ على الثوابت الوطنية والقومية للدولة الجزائرية ويمنع الانقلاب عليها وأخذ الجزائر إلى الفراغ والفوضى الهدامة التي شهدنا نموذجها في ليبيا، التي حاولت القوى الإرهابية المرتبطة بالقوى الاستعمارية وأدواتها الرجعية في المنطقة أن تنشرها في الجزائر، لكن تنبّه المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية أحبط مثل هذه المحاولات لتحويل التظاهرات الشعبية السلمية إلى أعمال عنف، عندما جرى اعتقال مجموعات إرهابية كانت تحضر لأعمال تخريب وعنف تقود البلاد إلى الفوضى…
هكذا نجحت قيادة الجيش الجزائري في وضع البلاد على سكة نزع فتيل الأزمة وإيجاد المخرج الوطني والدستوري للخروج من الأزمة، وقطع الطريق على من يريد، في الخارج والداخل، استغلال الأزمة لتحقيق مآربه في إخضاع الجزائر والسيطرة على مقدراتها، وبالتالي الثأر من ثورتها التحررية التي هزمت الاستعمار الاستيطاني الفرنسي، وشكلت نموذجاً تحررياً للشعوب التي تناضل وتكافح من أجل التحرر من الاحتلال والاستعمار…
|