بعد تضارب لافت في شأن موعدها بين موسكو وأنقرة، دخلت هدنة إدلب حيّز التنفيذ. هدنةٌ لا تخرج عن قاعدة الهشاشة التي طبعت النسخ السابقة، لكنها تبدو في الوقت ذاته مفتاحاً مهماً للمرحلة السورية المقبلة، وخصوصاً أن الملف السوري يدخل في مرحلة نشطة دبلوماسياً، يُعوَّل عليها لإعادة ضبط التوافقات، وتجنيب المسار السياسي خطر السبات الشتوي
تتجاوز هدنة إدلب الحالية كونها مجرّد تعليق آخر للأعمال القتالية، إلى ما يمكن تسميته «فرصة 2020». لا يمكن فصل الهدنة، التي دخلت حيّز التطبيق أخيراً، عن سياقات المشهد السوري بعمومه (بل وحتى المشهد الإقليمي بأكمله). وعلى رغم التصعيد الطارئ الذي شهدته المنطقة في الأيام الأولى من العام الحالي، فإن رصيد أسهم التوافقات في الملف السوري لا يزال معقولاً. ولا يستمدّ هذا الرصيد فعاليته من معطيات الوضع الراهن للملف، بقدر ما يستمدّها من توافق مصالح معظم اللاعبين الفاعلين على وجوب الحيلولة دون انزلاق المجريات إلى تفجير مفتوح، جغرافياً وزمنياً.
بناءً على ذلك، كان حضور التهدئة على طاولة الرئيسين، السوري بشار الأسد، والروسي فلاديمير بوتين، أمراً بديهياً. بطبيعة الحال، لم يزر بوتين دمشق لهذا السبب وحده، بل لبحث مرحلة بأكملها، ليست الهدنة سوى أحد أهمّ مفاتيحها. وبات معلوماً أن موسكو شديدة الحرص على التمسّك بتحالفها مع أنقرة، بقدرٍ لا يقلّ عن تحالفها الاستراتيجي مع دمشق. يعني هذا أن أيّ تصعيد في الميدان السوري ــــ بالنسبة إليها ــــ، من دون مراعاة تركيا، يمثّل وسيلة للضغط على الأخيرة، لا غاية في حدّ ذاته. صحيح أن أنقرة لم تقم بتنفيذ التزاماتها في ما يخصّ «تفاهم سوتشي» الشهير، لكن موسكو ما زالت حريصة على منح حليفتها الفرصة لتفكيك التعقيدات بأقلّ الخسائر الممكنة. بدورها، شكّلت محادثات الأسبوع الماضي بين بوتين والرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، حجراً أساسياً مهماً في شأن ترتيبات المرحلة المقبلة.
كذلك؛ لا تبدو زيارة المبعوث الأميركي، جيمس جيفري، لتركيا، بعيدة عن هذه الترتيبات. فالولايات المتحدة تحافظ على حضور دائم في خلفية التفاهمات المتعلقة بسوريا، ولا سيّما في ظلّ ترابط ملفَّي إدلب وشرقي الفرات. وشهدت إسطنبول لقاءً مغلقاً بين جيفري، والمتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، شدّد الطرفان في نهايته على «ضرورة استكمال تشكيل المنطقة الآمنة في إطار الاتفاق المبرم بين البلدين يوم 17 تشرين الأول الماضي»، علاوة على الحديث عن «ضرورة زيادة المبادرات الدبلوماسية، للحيلولة دون حدوث أزمة إنسانية وموجة نزوح نتيجة تصاعد الاشتباكات في إدلب». وتشرح مضامين التصريحات التي صدرت عن جيفري، أمس، أهمّ أسس التعامل الأميركي مع الملف السوري في المرحلة المقبلة. إذ فضلاً عن تأكيده دعم بلاده جهود أنقرة في شأن إدلب، كان المبعوث الأميركي حريصاً على الإشارة إلى «قانون قيصر»، الذي يُعدّ حاملاً رئيساً من حوامل سياسة واشنطن في الملف السوري. أيضاً، حدّد المتحدث «ثوابت» أساسية لاستراتيجية بلاده في هذا الشأن، هي «تغيير سياسي كبير في بنية الحكم، وإخراج إيران، وضمان هزيمة تنظيم داعش». وتشكّل الوجهة التالية لجيفري محطة مهمة في إطار تنسيق جهود اللاعبين حول المرحلة السورية المقبلة. إذ يناقش في الرياض «الجهود الرامية إلى تعزيز الأمن في سوريا». وتقود السعودية جهوداً لإعادة ترتيب موازين القوى في صفوف المعارضة السورية، ولا سيما «هيئة التفاوض» و«الائتلاف».
* الولايات المتحدة تحافظ على حضور دائم في خلفيّة التفاهمات المتعلقة بسوريا *
وسط هذا النشاط الدبلوماسي المتزايد، يبدو مفهوماً التعليق (غير المعلن) لأعمال «اللجنة الدستورية» إلى حين اكتمال الظروف الملائمة. كما يبدو جلياً حرص معظم الأطراف على إرجاء عقد أيّ جولة جديدة لـ«اللجنة المصغرة»، من دون ضمان مسبق لنجاحها. ولا تقتصر شروط النجاح المنشود على ضرورة دعم اللاعبين الفاعلين لأعمال الجولة، بل تشمل أيضاً ضرورة تنقية الأجواء بين المبعوث الأممي، غير بيدرسون، وكلّ من دمشق وموسكو. وكان التأزّم على هذا الصعيد أحد أبرز الأسباب التي أفضت إلى فشل الجولة الثانية من جولات «اللجنة المصغرة»، وتعليق عملها (راجع «الأخبار» 28 تشرين الثاني 2019 ). ووفقاً للمعطيات المتوافرة، يُرجّح تجدّد نشاط «الدستورية» في شهر شباط المقبل، الأمر الذي سيكون ــــ في حال حدوثه ــــ مؤشراً مهمّاً على عودة الروح إلى التوافقات العريضة في شأن سوريا. ويحتّم ذلك ضرورة صمود هدنة إدلب، من دون أن ينفي صفة الهشاشة عنها.
وتقول مصادر سورية إن «هدنة إدلب الحالية تختلف عن النسخ التي سبقتها، في تفاصيل شديدة الأهمية». ويأتي على رأس تلك التفاصيل حصر الهدنة في إطار زمني غير معلن. وتفيد معلومات «الأخبار» بأن الاتفاق يمنح أنقرة فرصة شهرين للقيام بخطوات عملية واضحة، ولا سيما لجهة فتح الأوتوستراد الدولي «M5» ضمن آلية مراقبة مشتركة، ومعالجة ملف «هيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة». علاوةً على ذلك، تبدو لافتةً مواصلة الجيش السوري تحشيداته العسكرية على جبهات حلب الغربية، بما يشي بعدم شمولها في التفاهم الأخير. وترفض مصادر سورية، تحدّثت إليها «الأخبار»، الخوض في التفاصيل، وتكتفي بإجابات فضفاضة توحي بأن تدشين عمليات عسكرية في ريف حلب الغربي «بات مسألة وقت لا أكثر». واحتفظت المجموعات المسلحة في الريف الغربي بقدرة مستمرة على تحويل هذه الجبهة إلى خاصرة هشّة تنزع صفة «الأمان» عن مدينة حلب، ولا سيما أن خطوط سيطرة المجموعات تتاخم المدينة، وتشمل إحدى ضواحيها (ضاحية الراشدين).
------------------------------------
وفد حكومي برئاسة خميس في طهران
وصل إلى العاصمة الإيرانية طهران، مساء أمس، وفد حكومي سوري برئاسة رئيس مجلس الوزراء عماد خميس، وعضوية كلّ من نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم، ووزير الدفاع العماد علي أيوب. ومن المقرّر أن يلتقي الوفد الحكومي كبار المسؤولين الإيرانيين. يأتي هذا في وقت أقامت فيه القيادة العامة للجيش السوري، أمس، حفلاً تأبينياً للشهيد الفريق قاسم سليماني ورفاقه بمناسبة مرور أسبوع على استشهادهم، وذلك في مكتبة الأسد الوطنية في دمشق. وبحسب الوكالة الرسمية «سانا»، فقد أكد نائب وزير الدفاع، العماد محمود عبد الوهاب شوا، في كلمته بالمناسبة، أن «نهج المقاومة تَجذّر أكثر باستشهاد الفريق سليماني، وسيستمرّ بوتائر أعلى وأشدّ ضدّ العدو الصهيوني وداعميه». من جهته، وصف المفتي العام للجمهورية، أحمد بدر الدين حسون، الشهيد سليماني بـ«البطل الذي لن تنساه القلوب».
|