يلفت الانتباه العواطف المصطنعة لداود أوغلو في بيانه مع وزير خارجية إيران وتألمه لاستمرار نزيف الدم السوري وكأن حكومته وحزبه ليسا طرفاً مشاركاً في العدوان على هذا الشعب منذ اللحظة الأولى ، أو كأن رئيسه لم يوقع على اتفاق أولي مع وزير خارجية فرنساً متعهداً بتوفير المخيمات وكل ما تبع ذلك من بنود وردت في اتفاقية .. جوبيه – أردوغان .!.
نفهم أن الفشل الذريع الذي حصدته القوى المتحالفة في العدوان على سورية بعد سنوات ثلاث كفيل بأن يجعل الجميع يدرك مدى الإحباط على المستوى الدولي ، ودوافع إعادة النظر بالمواقف والحفاظ على ماء الوجه وشكلية الشعارات وليس العمل بمضامينها ، من يرفعون شعار مكافحة الإرهاب الدولي قدموا البراهين الكافية أنهم منبعه وداعميه بل ومن اختلقه لأهداف ومصالح قدروها بطريقة خاطئة ، لكن أحداً من هؤلاء لم يتعلم من تجارب غيره حتى ينهشه وحش الإرهاب وينشب مخالبه في جسده ، هنا فقط يصحو على صرخة الألم فيستغيث ولكن متأخراً ... هل يعلنون التوبة أم يبحثون عن خط الرجعة .
الولايات المتحدة الأمريكية بدأت البحث عن خطط بديلة قبل أشهر ، وقبل أن يتلفظ أي من مسئولي إدارتها بكلمة واحدة تستنكر ما يحصل على يد العصابات الإجرامية من عمليات قتل وتخريب وتفجير طالت البشر والحجر وأسقطت من الأبرياء ضحايا لا عد ولا حصر ، أيضاً الدافع الحقيقي الواقف خلف تعديل المسار الأمريكي هو فشل الأدوات وسقوط الرهان في تحقيق مشروع الهيمنة والسيطرة على المنطقة بطريقة الحرب بالوكالة وإفساح المجال والوقت أمام تنفيذ مرحلة جديدة من المشروع الصهيوني ، وانتقاله من علاقات شبه سرية مع البعض إلى علانية لا يحكمها الخجل من الشعب أو الخوف من ردود فعله ، وهل كانت الإدارة الأمريكية تعمل فقط لهذا الأمر أم لمجموعة من الأهداف منها الحفاظ على أنظمة العمالة في الخليج وخاصة النظام القمعي التسلطي لعائلة آل سعود ، وهم الذين وثقوا علاقاتهم منذ ما يقارب المائة عام مع الأمريكان وتعهدوا خدمة مصالحهم والحفاظ على أمن اليهود " المساكين حتى تصيح الساعة ..!! " مقابل تعهد الأمريكان بحماية ملكية عائلتهم واستمرارها والدفاع عنها ...!.
أوروبا التي لم تحصد أكثر من الخيبة على الساحة المشرقية ، وسخرية أغلب شعوب القارة العجوز من قيادات حكومية بلغت غاية من الهزال والدونية في السياسة المعلنة – المتناقضة مع المبادئ والأخلاق الإنسانية ، والقوانين الدولية ، وسقوط أغلب هؤلاء القادة أو فقدانهم للشعبية ، أوروبا هذه ينتظر أغلب قادتها النقلة الأمريكية القادمة لفتح الطريق أمامهم نحو دمشق ، لتبرير مواقفهم أو الاعتذار عما يعتبرونه خطأ تم استدراجهم إليه بتضليل عربي وربما يكون محور الاعتذار ما لحق بمن يسمونهم أقليات في المنطقة ، أو كما يسميهم أركان الإدارة الأمريكية ... الخطأ التاريخي ، وسنرى بعد لحظات من تسمية سفير أمريكي جديد لدى دمشق وتحديد تاريخ عودته ، عودة متسارعة لسفراء الدول التابعة ويعتبر البريطانيون أن حكومتهم مجرد ذيل صغير للإدارة الأمريكية ، وعلى ذلك يمكن القياس .
الدور الأمريكي القيادي لعالم الغرب يجسده بين العربان دور سعودي يقود القافلة مع فارق بسيط وربما وحيد هو الدور القطري المنافس ، وإذا كان التغيير القطري على مستوى رأس الهرم سبق غيره في عملية فرملة واضحة وانعطافة لم يكتب لها النجاح ، أو تأجل الرد عليها ، فالبقية الباقية ربما يعتريهم بعض النقمة على سلوك تم فرضه عليهم ، بأشكال وأساليب شتى ، ولم ينقطع تواصلهم مع دمشق بطرق غير رسمية ، وقد يكونوا سباقين في تجاوز الموقف السعودي المتعنت ، الواثق أن التوبة لم تعد مجدية وأنه أصبح خارج خريطة العلاقة العربية – العربية ، ولا مكان له على طاولة اللقاء ، بل ربما ضاق ذرع البعض من القيادات الخليجية فبدأ ينقل إلى الغرب رسائل ومواقف من الداخل السعودي ما كان يجرؤ على ذكرها قبل سنوات " النكبة العربية " التي أسموها زوراً ... ( الربيع العربي ) بل هو الخراب العربي لمصلحة العدو العبري ، الأردن قد يكون حافظ على شعرة معاوية لظروف موضوعية وربما تغفر له الشام أخطائه ، أيضاً لظروف موضوعية ونفهم موقف الأردن المحكوم بالحاجة .!.
على الصعيد اللبناني ، كيف للشعب السوري أن يتفهم موقف نصف اللبنانيين ، ومنهم لبنان الرسمي المنقسم على ذاته ، المنخرط في عمليات الارتزاق المأجور والمساهمة في تخريب الوطن الأم ، بل وتخريب عيشه المشترك ووضع اقتصاده في مهب الريح والسقوط أكثر فأكثر في ورطة الدين الخارجي ودفع شريحة واسعة إلى الهجرة طلبا للأمن والرزق ، بل كيف سيغفر النصف الآخر لهؤلاء الذي استدرجوا واستأجروا ومولوا ودعموا علانية عمليات القتل والتخريب وسقطوا في حمأة التآمر على ذاتهم رغم معرفتهم بأنهم يرتكبون الإثم علانية دون خوف ولا خجل ، فإذا ما قال أحدهم إنها لعبة سياسية وما أهون التكويع ، يمكن الرد أن التكويع السياسي لم يعد بهذه البساطة وأن الأبواب الموصدة بإحكام بوجه هؤلاء لم تعد قابلة لنزع أقفالها ودعوتهم ثانية ، لقد حكموا على أنفسهم بالنفي المؤبد خارج أرض الأمة التي أنجبتهم وليست فخورة بهذا الإنجاب فقد بلغوا غاية الانحطاط السياسي والأخلاقي .
المعارضات السورية المتصارعة والتي لا يتنبأ أفضل المتفائلين بأن لها مستقبلا لا في جنيف 2 ولا ما بعده ، وأن محاولة تجميلها وتظهير بعضها والحكم ببراءته من الإرهاب لن ينفع ، فقد اختبرها السوريون على مدى سنوات ، وما كان عسيراً على السوريين أن يميزوا بين الصالح والطالح منها ، جميعها لم تقصر في التخريب ، وجميعها أثبتت أنها مجرد أدوات لم تملك مشروعاً ولا هدفا ، ورغم إعلان أغلبها أنها تعمل لحماية الشعب ومصالحه ، إلا أنها قدمت الدليل القاطع على فعلها المؤثر في نهب الشعب وتخريب وسرقة ممتلكاته وحرمانه من أبسط حقوقه في النور والدفء والغذاء والدواء ، والأهم من كل ذلك نعمة الأمن التي تمتع بها منذ ما أطلق عليه الاستقلال وحتى بدء العدوان العالمي عليه في مطلع العام 2011 ، أما من يطلق عليهم ضحايا يسقطون بنيران النظام فهم مجرد حطب المحرقة لإنجاز طبخة مشبوهة وملغومة إن نضجت ..أكلها القابعون في صالات الفنادق الدولية ، العملاء الكبار سرعان ما يتناسون هؤلاء فهم لزوم المرحلة من الأدوات التي يرمونها بعد الاستخدام ، وقد حركوهم بخيوط الغريزة والتحريض كونهم يفتقرون إلى العقل ، ومن امتلكه منهم جرى غسيله أو تحييده تخديراً ، بعضهم قتل أبناء بلدته ، ومنهم أقاربه وربما من عائلته ودون أن يدري ، ولا خوف على عائلات القابعين في الفنادق الخارجية فقد أخرجوهم سلفاً ، حتى أبناءهم لا يشاركون بل هم في مأمن ... وهؤلاء لن يكون لهم مكان على أرض الوطن ، بل ولا هوية ....
من يتحدث عن التشاؤم هو يائس ومحبط ، وفاقد للثقة بنفسه وشعبه ، ومن يتحدث عن التفاؤل ، يكذب على نفسه أو يفتقر القدرة على الرؤية واستشراف المستقبل ، الجرح في جسد المجتمع السوري عميق ، والبرء منه يحتاج إلى عاملين : الزمن والجهد الوطني المتضافر في التوعية وإعادة اللحمة الوطنية والارتقاء فوق الهويات الثانوية إلى هوية وطنية قومية جامعة ، في هذا السياق يبقى المتشائل أقرب إلى الواقع .... لا تتشاءموا .
|