إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

أردوغان يحترق بنار الحرب السورية

عامر نعيم الياس - البناء

نسخة للطباعة 2015-10-14

إقرأ ايضاً


لا يُخفى على أحد أن لبَّ الاستعصاء الإقليمي في سورية هو تركيا، فشلت كل المحاولات لثني سلطان الوهم عن موقفه الإيديولوجي من سورية والدولة فيها، لم تنفع عشرات مليارات الدولارات من التبادل التجاري الروسي ـــــ الإيراني مع تركيا في تليين موقفه، حتى خط «السيل الجنوبي» الذي أعلن بوتين قبل سنة أنه مستعدّ لمدّه، وفق رغبات أنقرة وبما يحقق مصالحها أولاً، لم ينجح في تغيير الموقف التركي المتعنّت. لا بل على العكس، اتفقت أنقرة والرياض على تدمير سورية وتغيير الخارطة العسكرية فيها، ونجحا في ذلك في شمال غرب البلاد وتحديداً في محافظة إدلب التي خلت من الدولة السورية ما عدا كفريا والفوعة المحاصرتين الصامدتين، واقترب التركي ممثلاً بما يسمى «جيش الفتح» إلى وسط البلاد وغربها، وأظهر في طليعة الهجوم المقاتلين التركمان ومن المقاتلين من الأصول الشيشانية ومن القوقاز الذين تنقلوا بين جبهتي كسب وإدلب على التوالي خلال السنتين المنصرمتين. وأكثر من ذلك، عمد التركي إلى تغيير الوضع الديمغرافي في ريف إدلب عبر تشجيع هجرة عائلات المقاتلين من أصول قوقازية ومن الإيغور إلى سورية من أجل ترسيخ وجودهم ومنحهم قاعدة تدريب لهم في سورية، بما يضمن مستقبلاً تحوّل هذا الجزء من سورية إلى منطقة تهديد للأمن القومي الروسي في سياق لعبة كسر العظم التاريخية بين روسيا وتركيا.

انقلب السحر على الساحر بالتدخل الروسي في سورية، وضعت حكومة حزب العدالة والتنمية الإخواني في مواجهة دولة عظمى على حدودها، فيما ارتفع منسوب التوتر الداخلي إلى مستويات خطيرة تجلّت بالهجوم الانتحاري قبل أيام، الذي استهدف تظاهرةً للأحزاب اليسارية التركية وحزب «الشعوب الديمقراطي» الكردي الذي وصل إلى البرلمان في انتخابات حزيران الماضي للمرة الأولى في تاريخ الدولة التركية، متخطياً حاجز العشرة في المئة.

على الفور سارع رئيس وزراء أردوغان، أحمد داود أوغلو، إلى اتهام تنظيم «داعش» بالعملية التي قال إنها ناتجة عن تفجير انتحاريين نفسيهما، فيما الداخل التركي ضائع في توجيه بوصلة الاتهام بين أردوغان وزمرته الحاكمة، وبين المجموعات القومية، وبين «داعش»، وذلك قبل ثلاثة أسابيع على موعد الانتخابات النيابية المبكرة، فما الذي ينتظر رجب طيّب أردوغان؟

لا يمكن إغفال ثقل التدخل العسكري الروسي على حدود تركيا وتأثيره على مجمل المعادلة الداخلية وحتى على الصراع بين أقطاب الدولة التركية، خصوصاً ما تعلق بموقف المؤسسة العسكرية من سياسات أردوغان، فما يجري في البلاد، التي دخلت نفق التفجيرات التي تستهدف التظاهرات السلمية والموجّهة نحو الأكراد، أعاد العدالة والتنمية إلى مربع المواجهة مع الشعب التركي والنخب، فاستطلاعات الرأي الأخيرة ترى أن الأكراد سيحافظون على نسبة العشرة في المئة ومقاعدهم في البرلمان، وربما يستطيعون تخطّيها، هو ما يثبت فشل الرئيس التركي مبدئياً في رهانه على الانتخاب للحصول على غالبية النصف زائدا واحدا التي تخوّله تشكيل الحكومة منفرداً. هذا الفشل يتجلى بمقاربة الحكومة التركية للتفجيرات فهل يعقل أن يقوم «داعش» بها في هذا التوقيت بالذات ويفتح جبهة عداء علني مع الدولة التركية. وعلى فرض أنه من المحتمل أن يقوم «داعش» بذلك، لماذا لم يتبنَّ التنظيم العملية في الداخل التركي وهو مَن لا يفوّت أي فرصة تخدم دعاية التنظيم الخارق العابر للحدود.

أما اتهام الأكراد وحزب العمال فهو لا يخلو من السذاجة أيضاً، فزعيم الحزب المعتقل في جزيرة ايمرلي، عبد الله أوجلان، أعلن عن وقف لإطلاق النار من جانب واحد في تركيا، قبل يومين من التظاهرة التي استُهدفت بالتفجير، فهل يعقل أن ينقض هذا البيان ويستهدف الأكراد وسط العاصمة أنقرة؟

المنطق يقول إن حكومة العدالة والتنمية ونتيجة إرباكها من انقلاب الطاولة في سورية، وخوفها من التداعيات المباشرة للتقدم الميداني السوري بغطاء جوي روسي في المنطقة الحدودية السورية التركية، هي التي قامت بتدبير هذا التفجير مع اقتراب موعد الانتخابات المصيرية بالنسبة إلى أردوغان، أو على الأقل سهّلت تنفيذه، عملاً بقاعدة عمل قديمة لدى الإسلاميين تخيّر بينهم وبين الإرهاب والفوضى. هذا الإرهاب الذي خلق من رحم الإخوان لتبرير حكمهم واعتدالهم ووسطيتهم المزعومة أمام رأيهم العام وأمام الرأي العام الدولي.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024