إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

أستانة: كي الوعي روسياً

عامر نعيم الياس - البناء

نسخة للطباعة 2017-01-25

إقرأ ايضاً


لم يكن انتصار حلب ليمرّ مرور الكرام، الاستثمار السياسي لهذا الانتصار تجلّى في مؤتمر أستانة، وإنْ جاءت النتائج مخيّبة لآمال من يريد أن يوهم نفسه بأنّ الحل قاب قوسين أو أدنى، وانّ المؤتمر سيؤسّس لخارطة طريق الحلّ النهائي.

هدف المؤتمر المعلن كان تثبيت وقف إطلاق النار في سورية بما لا يشمل داعش والنصرة، وهذا الذي حصل بالضبط بالاتفاق على «إنشاء آلية ثلاثية روسية إيرانية تركية لرصد ومتابعة نظام وقف إطلاق النار ورصد الخروقات»، هنا لا وجود لفرضيات تتحدث عن خلاف روسي تركي مع إيران وحتى خلاف روسي إيراني، فالأوزان هنا متساوية بين ثالوث أستانة.

كما تمّ الاتفاق في بيان أستانة على حيثية «مكافحة الإرهاب» المتمثل «بداعش والنصرة»، وهنا فإنّ للتركيز على تسمية الفصيلين المذكورين أهمية كبيرة، في ظلّ وجود 13 فصيلاً مسلحاً حضروا المؤتمر وتمّت الاستعاضة عن توقيعهم بتوقيع الطرف التركي الذي «يرعى ويدعم المجموعات الإرهابية المسلحة» وفق تعبير الدكتور بشار الجعفري رئيس الوفد السوري التفاوضي إلى أستانة.

كما أكد البيان على «بدء المفاوضات وفق قرار مجلس الأمن 2254» ولم يأتِ نهائياً على ذكر المرجعيات الأخرى الخاصة بسورية وعلى رأسها «مرجعية جنيف 1» والذي تصرّ كافة الأطراف المعارضة على كونه أساس الحلّ في سورية، لكن الواضح اليوم انّ من يقود الحلّ في سورية هي قاطرة فيينا وما تلاها من قرارات أممية وليس ما قبل فيينا.

لقد كرّس المؤتمر المفهوم الروسي للمسار السياسي في سورية، ويبدو أنّ الأساس اليوم في العمل التفاوضي الروسي يقوم على فكرة ابتكرها الغرب ومفكروه واستخباراته تقوم على أساس «كي الوعي» لدى المجموعات المسلحة التي تملك الأرض وتقود الحاضنة الشعبية، وهو ما يفرز ارتدادات كبرى على مستوى «ضرب أو زعزعة العقيدة» لدى القاعدة المكوّنة والمؤيّدة لهذه المجموعات، ويفرز بدوره سيناريوين أمامها، فإما الرضوخ والانعطافة الكاملة وفق ما سمّي في دوائر الإعلام الغربي «تدوير وتبييض المجموعات المتمرّدة في سورية لمحاربة الإرهاب»، وإما تعميق الانقسام في صفوف التشكيلات الإسلامية المتطرفة الموجودة على الأرض السورية وهو ما نشهد فصوله اليوم في ريف حلب الغربي وفي محافظة إدلب عموماً أمام مشهد تحرك النصرة للدفاع عن نفسها في لحظة استفراد روسي بقيادة دفّة التسوية في سورية.

قد يرى البعض في جلوس وفد الجمهورية العربية السورية مع المجموعات «الإرهابية» المسلحة اعترافاً من الدولة السورية بها، وتحوّلاً في الموقف الروسي من هذه الجماعات، لكن القراءة بعيدة المدى لنتائج أستانة ونظام وقف إطلاق النار تؤدّي إلى نتيجة مفادها أنّ «وقف إطلاق النار» والفرز بين «من وقّع» وبين من «لم يوقّع» أصبح المعيار البديل للفصل الجغرافي بين النصرة والمجموعات المقاتلة الأخرى على الأرض السورية، الذي يبدو أنه بحاجة إلى وقت، لكن الأساس يبقى الحفاظ على وقف إطلاق النار وفتح الباب أمام مزيد من الانخراط به على المستوى المنظور ومستقبلاً حتى لو استغرقت العملية أشهراً وربما عاماً.

يمهّد لقاء أستانة لما سيجري في جنيف في الثامن من الشهر المقبل، لكن يضاف إلى جنيف ورقة جديدة عليها أن تضمن دعم «معارضة أستانة» إنْ صحّ التعبير، كمنصة بات لها وزنها في أيّ حلّ مستقبلي في سورية تزيد من الانقسام والارتباك في المشهد المعارض من جهة، ومن جهة أخرى تعمل على تكبيل هذه المعارضة بمزيد من الالتزامات الإقليمية والدولية تجعلها في موقف أضعف وأمام خيارات حاسمة إنْ هي قرّرت، وداعموها، الانقلاب على ما جرى من تفاهمات.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024