إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الانقسام الأوروبي: بعد الشرق والغرب يأتي دور الشمال

عامر نعيم الياس - البناء

نسخة للطباعة 2016-01-23

إقرأ ايضاً


يوماً بعد يوم، يُدقّ مسمار جديد في نعش معاهدة شنغن التي تضمن حرية الحركة والتنقل بين دول الاتحاد الأوروبي. ويوماً بعد يوم تتوسّع الهوة الفاصلة في مواقف الدول الأوروبية من أزمة اللاجئين التي تستمر في احتلال رأس سلّم أولويات دول الاتحاد عام 2016. فمع نهايات العام 2015 وتحديداً في 17 كانون الأول صوّت البرلمان السويدي بشبه إجماع على قرار تشديد الرقابة الأمنية على المنافذ الحدودية السويدية مع الدول الأوروبية، وهو ما يضع حدّاً لسياسة مغايرة تماماً انتهجتها مملكة السويد طوال السنوات الستين المنصرمة. وفي الرابع من الشهر الجاري سارت الدنمارك على طريق جارتها الاسكندنافية وشدّدت من رقابتها على الحدود التي تجمعها وألمانيا.

ما سبق يُدخل شمال القارة الأوروبية على خطى تقييد حرية الحركة بين دول الاتحاد الأوروبي، كما حصل في بولندا التي تُتهم حكومتها اليوم بالفاشية، وألمانيا التي أوقفت فجأةً استقبال اللاجئين وبدأت تطالب الدول الأوروبية باستقبالهم، بعدما نالت حصة الأسد من السوريين والأفغان واللبنانيين والعراقيين بمليون لاجئ وهارب من ويلات الحروب وفق الإحصاءات الألمانية. فيما لم تستقبل السويد سوى 160 ألف لاجئ، والدنمارك 15 ألفاً منهم.

إن القرارات الأوروبية الأخيرة، خصوصاً تلك الصادرة عن الدول الاسكندنافية، تجعلنا نشير إلى جملة من التحوّلات في الاتحاد الأوروبي أهمها:

ـ استمرار عجز الاتحاد الأوروبي في مواجهة ملف اللجوء والهجرة، وعدم وجود سياسة أوروبية موحدة في هذا الخصوص، وهذا أمر سيتفاقم في المدى المنظور، أولاً بسبب استمرار موجات النزوح إلى أوروبا بسبب الحروب في الشرق التي تساهم فيها الحكومات الأوروبية، وثانياً، وهو الأهم، أن أوروبا ليست دولة واحدة كي تستطيع اتخاذ قرار موحّد في هذا الشأن، فالدول الأوروبية ـ وإن انضوت في إطار الاتحاد الأوروبي ـ إلا أنها تعتبر أن مسائل السيطرة الحدودية تندرج في سياق الحق في الحفاظ على السيادة.

ـ الشرخ بين أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية يتوسّع ليشمل أوروبا الشمالية، والدول الاسكندنافية تحديداً المعروفة بسياساتها المرحبة باللاجئين والمهاجرين على مدى العقود المنصرمة، وهذا مردّه بالدرجة الأولى إلى تغيّر توجهات الرأي العام والنخب في الدول الأوروبية بشكل عام على إثر أزمة اللجوء، وهو ما أدّى إلى زيادة ثقل الأحزاب اليمينية المعادية للتعدّدية الثقافية والقومية في كافة دول الاتحاد الأوروبي، ودول شمال القارة منها.

ـ التحوّل في بنية المجتمعات الأوروبية نتيجة طبيعية للتحوّل في نوعية المهاجرين، الذين لا يحملون من الهجرة سوى اسمها، فنحن اليوم أمام حالات فرار جماعي وخيارات محدودة قوامها اختيار المنفى القسري القادر على تحمّل اعباء اللجوء المادية، إضافةً إلى العامل الديني الذي له دورٌ إضافي في الحالة الراهنة والذي غيّر وجهته التقليدية، التي سادت أيام الاحتلال العثماني، من أوروبا الوسطى والبلقان، إلى أوروبا الشمالية.

الانقسام الأوروبي يتوسّع، ومسألة شنغن باتت من الماضي، فيما بقاء الوضع الراهن يطرح تساؤلاً حول قدرة أوروبا على الاستمرار في تقييد الحركة على حدودها الخارجية، في ضوء عدم التوصّل إلى قرار ينظّم مسألة اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024