إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

تهديدات المعسكر الأميركي لن تفرض الإذعان على المعارضة

زاهر العريضي

نسخة للطباعة 2008-01-21

إقرأ ايضاً


ليست المرة الأولى التي تحمل فيها الأحداث هجمة دولية وعربية لتهديد المعارضة اللبنانية وفرض الإذعان عليها، والأجواء التي تحيط بالوضع اللبناني اليوم تذكر تماما بالمناخ السياسي العربي والدولي الذي شرع يتشكل في آذار 2006 عند بدء التحضير لعدوان تموز من العام نفسه وفقا لما كشفه رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت في شهادته أمام لجنة فينو غراد وهي القرينة التي لم ينفع في طمسها إنكار شركاء واشنطن في خطة العدوان من اللبنانيين والعرب.

هذه المرة لا يملك هذا الحشد الذي يقوده بوش القدرة على خوض حرب جديدة ضد لبنان بعدما تكسرت أسنان إسرائيل وأظافرها في الحرب الأخيرة والرئيس الأميركي الفاشل لا يملك قدرة على التعويض الميداني عن ذلك الفشل الإسرائيلي بعد انتصار المقاومة اللبنانية واتساع الحضن اللبناني لهذه المقاومة.

بهذه الصورة يلخص مصدر قيادي معارض رؤيته الإجمالية للتطورات المتسارعة في الأيام القليلة الماضية ويخلص إلى سرد النقاط الآتية:

أولا: التدويل الذي يطرح هذه المرة يقيسه المهولون به بما حصل في مسار المحكمة الدولية عندما تكفلت حكومة السنيورة بتغطية حلول مجلس الأمن الدولي محل المؤسسات الدستورية اللبنانية التي كان رئيس الحكومة المبادر إلى تخطيها برسالة مكتومة أمر بها الأميركيون وجهها إلى أمين عام الأمم المتحدة متخطيا فرصة الحوار مع المعارضة لتحقيق إجماع وطني حول ملف بهذه الأهمية ضاربا عرض الحائط صلاحيات رئيس الجمهورية المفوض الوحيد في الدستور بإجراء المفاوضات حول المعاهدات وبإبرامها وإجازة عرضها على مجلس النواب لإقرارها أو رفضها.

- هذه المرة ماذا يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يقرر في موضوع فرض انتخاب رئيس خارج التفاهم الوطني على مضمون السلة السياسية التوافقية التي احتواها بيان وزراء الخارجية العرب وكانت هي ما خلصت إليه المساعي الفرنسية وبالأصل لم تكن هناك مساع أميركية إلا في خانة تحريض اللبنانيين ضد بعضهم وهذه إشارة ضرورية لإنعاش ذاكرة الرئيس المصري حسني مبارك.

ثانيا: ماذا يمكن ان يطلب الأميركيون من حليفهم ساركوزي التقدم به إلى مجلس الأمن حول الاستحقاق الرئاسي، هل سيقررون طلب انتداب دولي على لبنان ويعين مجلس الأمن رئيسا لبنانيا، وهل يتوهمون أن قائد الجيش اللبناني العماد ميشال سليمان يمكن ان يقبل بنفس خطوة من هذا القبيل تضعه في مرتبة مفوضي الانتداب الأجنبي الذين كان يعينهم الفرنسيون أو الولاة الذين كان يعينهم العثمانيون.

- وهل يتوهمون ان الشعب اللبناني وقوى السيادة والاستقلال يمكن ان يقبلوا أي وصاية أجنبية كانت وأي رئيس كان تفرضه إرادة أجنبية مهما كان اسمه أو اسمها أو صفتها، وما هي القيمة التنفيذية لأي قرار يتخذ في أي مكان من العالم طالما يرفضه نصف الشعب اللبناني على الأقل وطالما في لبنان مقاومة انتصرت في حرب عالمية وترتعد فرائص الإسرائيليين وأسيادهم من قدرتها ومن إمكاناتها وهي هذه المرة إذا تمكن الإمبراطور الفاشل جورج بوش من جر الكائن الهجين المسمى مجتمعا دوليا إلى قرار وصاية أو انتداب ستكون مقاومة شاملة يشارك فيها الجيش اللبناني ويشارك فيها مناضلون من كل المناطق والطوائف اللبنانية التي كانت في موقع المساندة خلال حرب تموز وهي ستكون في موقع الفعل في مواجهة أي انتداب أو غزو وأول الطريق سيكون الإطاحة الكاملة بجميع أدوات الانتداب فماذا يريدون إذا غير دفع لبنان في متاهة تصادم كبير لن ينته لمصلحتهم وليراجعوا تقرير الجنرال فالون الذي أوفده بوش بعد استقباله الحريري في البيت الأبيض قبل أشهر.

ثالثا: المسار الذي ستتخذه محاولات الضغط معروف في أي تحليل واقعي وعلمي للمعادلات فالعجز والفشل الأميركي والغربي عموما بات حقيقة تفرض نفسها في المشهد الدولي وهم يعرفون في العواصم الكبرى أنهم لا يملكون القدرة على إملاء ما أملوه في السابق داخل مجلس الأمن وقد جرب ساركوزي حظه بمشروع قرار تحول بيانا رئاسيا هذبه النقاش الذي جرى حول المسودة الوقحة التي تناولت الوضع اللبناني واتهمت سوريا بالتدخل فخرج البيان الرئاسي مؤدبا ومقص التهذيب في المعادلة الدولية وتوازناتها سيلاقي أي حماقة جديدة من هذا القبيل لأن لدى المعارضة القدرة على إفهام العالم عدالة قضيتها وموقفها الداعم للتسوية في وجه الانقلاب الذي تقوده واشنطن وجوقتها العربية لنسف المبادرة العربية ومحاولة فرض الإذعان على المعارضة اللبنانية بغطاء ترضية شكلية على طريقة "الضحك على اللحى" وبخفة الجهلاء من المسؤولين العرب الذي يطالبون سوريا بالتدخل لكسر المعارضة اللبنانية فلا سوريا تقبل ان تخون مبادئها ولا المعارضة قابلة للانكسار.

رابعا: لو كان ما يردده بوش وساركوزي من حرص على ديمقراطية النظام اللبناني سابقا لقبلا بالأصل فكرة أن يكون انتخاب الرئيس التوافقي مقدمة لحكومة انتخابات نيابية مبكرة خلال ستة أشهر بعد سن قانون جديد للانتخاب فور تشكيل الحكومة الانتقالية والانتخابات هي جوهر الديمقراطية التي يكذب بوش وساركوزي بشأنها ليل نهار.

- المطلوب من الإمبراطور الفاشل جورج بوش هو بالتحديد فرض صياغة مشهد في لبنان يمكنه أن يقدمه إنجازا معنويا لإدارته الفاشلة التي تقف عاجزة مشلولة في العراق وفي المسار السياسي الفلسطيني وأمام الملف الإيراني السلمي وكذلك في مجابهة صمود سوريا.

خامسا: مصر والسعودية تقودان انقلابا على المبادرة العربية بتكرار لفظة الانتخاب الفوري للرئيس وإسقاط البندين الوفاقيين حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب وهذا الانقلاب ناتج عن إيعاز أميركي هو نفسه الإيعاز الذي أسقط المساعي الفرنسية.

- ويبدو أن هذا الموقف إذا استمر سيعيد تظهير كل من القاهرة والرياض في مكانة الطرف المنحاز إلى جهة لبنانية ضد جهة أخرى كما كانت الأمور عليه منذ اندلاع الأزمة السياسية وبالتحديد في بداية الحرب الإسرائيلية على لبنان وبيانات "المغامرة غير المحسوبة" التي تطلب محو آثارها لاسترجاع فرضية الحياد السعودي والمصري في لبنان أشهرا من العلاقات العامة والاتصالات فهل كانوا يخادعون؟!

سادسا: سوريا قدمت كل دعمها للمساعي الفرنسية باعتراف أمين عام الرئاسة كلود غيان في الرسائل التي خطها بيده، وهي شاركت بفاعلية في إعداد بيان وزراء الخارجية في القاهرة واتخذت موقفا داعما لمساعي عمرو موسى الذي يزورها غدا فما هو المطلوب من سوريا ان تقول للرئيس نبيه بري وللسيد حسن نصر الله وللرئيس عمر كرامي والوزير فرنجية والوزير ارسلان وجميع أصدقائها من التيار العروبي في لبنان اذهبوا وانتخبوا الرئيس التوافقي من غير تفاهم سياسي واقبلوا الانكسار السافر أمام الموالاة لعيون بوش ومجموعة شرم الشيخ العربية؟

- طبعا هم يبنون طلباتهم من سوريا على قاعدة تقديرهم الصحيح لمبدئية هذه القوى التي إذا عرضت عليها اعتبارات مبدئية وقومية تدعوها إلى تقديم التنازلات فهي لن تقصر في التجاوب، ولكن التجاوب هذه المرة غير ممكن أولا بالنسبة إلى سوريا لأنه يعني خيانة مبادئها القومية بالطلب إلى التيار العروبي في لبنان أن يخون حليفه العماد عون وأن يذعن للفريق الذي يعبر عن الوصاية الأميركية وعن المشروع الأميركي بكل ما يحمله من أولويات إسرائيلية بات في مقدمتها لبنانيا بالإضافة إلى المقاومة وسلاحها مخطط التوطين وإسقاط حق العودة.

- وهو ثانيا دعوة إلى المعارضة أن تشق ذاتها وأن تنسف مصداقيتها وأن تقبل فرضية أن المسيحيين في لبنان هم قوة ينبغي تهميشها وإرغامها على الاصطفاف في خانة النفوذ الغربي، فخيانة العماد عون لا تعني إلا الانتحار السياسي والأخلاقي بالنسبة للمقاومة وللمعارضة.

يطلبون المستحيل ويهولون بضغوط للتأثير على الحالة المعنوية لمعارضة سياسية وشعبية لا تريد إلا التسوية وتقبل بقاعدة لا غالب ولا مغلوب، إنه اختبار إرادات خطير وتاريخي تستعد المعارضة لملاقاته بكامل الحزم والتصميم اللذين قهرت بهما الحرب العالمية التي قادها بوش وهي تبني موقفها على أولويات وطنية لبنانية خالصة مطمأنة وواثقة إلى أن هذه الهجمة الجديدة مخلوعة الأسنان مهشمة الأظافر والتهويل لن يبدل شيئا في الإصرار على تسوية تحفظ وحدة البلد وتسقط المشروع الأميركي وتعبيراته اللبنانية في كل مكان.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024