لم تختلف نتائج استطلاع رأي كرسي السادات الأمريكي بشأن قبول الرئيس باراك أوباما ضمن مجموعة دول عربية محددة ( التي تدور أنظمتها في الفلك الأمريكي ) كثيراً عن نتائج قبول هؤلاء لسابقه بوش ، فالجهد الإعلامي ، وما تنفقه آلة الإعلام الأمريكية ، ومساعداتها في هذه الدول – الموجهة من قبل الأنظمة إياها ، كفيل بتحصيل مثل هذه النتائج على الأقل ، خصوصاً بوجود خطاب ، ظاهره جديد ، يدغدغ أحلام المنتظرين ، ويدفع بعيداً بأفكار العامة في عملية تضليل جديدة تستهلك عدداً جديداً من السنوات .
تريثنا قليلاً في التعليق على نتائج استطلاع الرأي لمركز في جامعة ميريلاند ، يديره آل الزغبي ويشارك فيه الأستاذ الكبير شبلي تلحمي ، ومع احترامنا للشخصيات إياها ، والأخذ بعين الاعتبار حسن نواياهم ، فهم بالتأكيد أكثر منا معرفة واطلاعاً على خفايا السياسة الأمريكية المضمرة بشأن المنطقة ، وبما أننا لا نستطيع أن نطالبهم بأكثر من كشف الحقيقة أمام شعوب المنطقة ، وليس حكامها ، فإن تريثنا جاء بانتظار خطاب الرئيس وتحليله ومطابقته على أرض الواقع ، سلوكاً عملياً .
نتائج الاستطلاع التي جاءت متقاربة مع بعض الاختلاف ما بين أوباما وسابقه بوش ، من حيث القبول في أوساط عربية لم يتجاوز عدد المشاركين في إعلانها أكثر من أربعة آلاف بقليل ، لا بد أن يؤخذ بالاعتبار نوعية المشاركين ، والوسط الذي تنشط فيه عمليات الاستطلاع ، إذ لا بد يكون مختاراً بدقة وعناية فائقتين ، لا يمكن أن تعبر عن الواقع وحقيقة مشاعر الملايين ، بل مئات الملايين ، وربما لو تجاوز الاستطلاع الدول المذكورة ، أي لو أجري في دول أخرى . . مثلاً ليبيا والجزائر وحتى سوريا ، وفي أوساط مختارة بنفس العناية ، لما اختلفت النتائج كثيراً ، وعلى هذا الأساس يمكن التقرير أن اعتمادها هو مجرد خداع للنفس وعملية دعائية ليست أكثر .
الشعوب في عالمنا العربي ما عادت تؤخذ بالكلام ، فحتى أصغر المحللين أو المواطنين العاديين بدءوا ومنذ زمن يرقبون الأفعال ، من هنا يقول بعض القادة الفلسطينيين أن الكلام وحده لا يكفي ، فلا استهجان ، ولا استنكار ، ولا شجب عمليات الاستيطان التي لم تتوقف أفرزت نتائج عملية لصالح ما بقي من أراضي الضفة وخصوصاً القدس ، طالما لم تقترن بأي فعل على أرض الواقع كفرض عقوبات مثلاً ، أو على الأقل وقف الدعم المادي الذي يتم تجييره لصالح عمليات إقامة المستوطنات وتمويل المستوطنين وفوق ذلك محاولة تجريد الفلسطينيين من أظافرهم كسلاح ، مقابل إغداق كل أنواع الأسلحة وأحدثها لصالح الصهاينة حتى أصبحت أرض فلسطين أشبه بحاملة عملاقة للطيران ومجموعة قواعد متلاصقة لإطلاق الصواريخ . . خطاب أوباما الذي انتظروه بكل هذا الشوق لا يمكنه أن يتعدى الواقع القائم ، أي أنه مجرد كلام للتخدير ، وخفض حدة الاحتقان ضد زعيمة العالم .
إن نسبة أكثر من خمسين بالمائة الذين يأملون في تغيير السياسة الخارجية الأمريكية في عهد أوباما تجاه المنطقة يراهنون بطريقة تنم عن عدم معرفتهم بدهاليز السياسة الأمريكية ، يراهنون على نوايا الرئيس المعلنة معتقدين أن هذا الرئيس قد يشبه إلى حد القيادات في بلدانهم ، القيادات التي تستطيع فرض رؤية شخصية على نهج نظام سياسي كامل ، ولا يدركون أن النظام الرئاسي الأمريكي هو آخر من يستطيع القرار بالنسبة لسياسة بلاده الخارجية تجاه العالم بأسره ، سياسة تحكمها أهواء ومصالح تديرها الاحتكارات ، وتتحكم بها أقلية ليس من الضروري تكرار تسميتها على أنهم المحافظون الجدد ، فقد أصبحوا ، بل هم حقيقة أقدم من التاريخ الحديث .
هل جديد الرئيس أوباما رغبته في إقامة علاقات جديدة ومتوازنة مع العالم الإسلامي .؟. ومتى كانت هذه العلاقات غير جيدة .؟. سواء مع السعودية أو ماليزيا واندونيسيا وتركيا ، كأنظمة بمجملها وحتى كشعوب في غالبيتها ، أم أن العدوان على أفغانستان والعراق والموقف العدائي لإيران هو ما يعنيه ولو كان الأمر كذلك فهل يكفي إعلان الرغبة أم لا بد من إجراء مراجعة شاملة لوجود بلاده العسكري ووقف العدوان على الدول الإسلامية وغير الإسلامية لتحسين الصورة واستعادة تقدير ومحبة الشعوب التي لا تبحث عن أكثر من العدالة والتوازن في العلاقات .
الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للعدوان والظلم منذ ستة عقود هل هو مسلم فقط ، أم أن هناك مسيحيون ويتعرضون للعسف والظلم والتهجير كغيرهم .؟. حبذا لو أن خطاب الرئيس أوباما أقترب من الحقيقة أكثر فقال إنه يبحث عن علاقات جديدة مع الشعوب المضطهدة التي تعرضت ولم تزل تتعرض للعدوان والاستغلال ليس فقط من الولايات المتحدة الأمريكية ، بل ومن كل الدول التي لا زالت تعيش ماضيها الاستعماري ، أو البعض الذي دخل في فلك المدار الأمريكي على قاعدة اقتسام الغنائم ، الولايات المتحدة بحاجة لتهدئة اللعبة قليلاً كي تلتقط الأنفاس بعد أن أنهكها بوش بسياسة الجري خلف انتصار مستحيل على الطريقة الأمريكية – الصهيونية – أي الحسم العسكري وبالضربة القاضية – لقد ولى زمن الانتصارات الحاسمة خلال أيام كما اعتقد بوش أنه فعل في العراق ، وكما ترسخ في أذهان الصهاينة وكأنهم ( يجسدون الله ) حيث يرتاحون في اليوم السابع . . اليوم ربما وصلوا إلى قناعة أن حربهم لو استمرت أكثر من ثلاث وثلاثين لانقلبت إلى هزيمة النهاية عام 2006 . . مع ذلك جربوا على خصم اعتقدوا أنه أضعف من أن يحتمل الصمود لأسبوع يستعيدون بعده مظهر القوة الرادعة فجاءت النتائج أكثر خيبة مع خصم لا يملك الأدوات ، فقط الإرادة ، وهكذا سقطت نهائياً أسطورة النصر الحاسم ليحل مكانها وبالمطلق شبه قناعة أن البحث عن طرق أخرى هو الأجدى ، الأسلوب الجديد يتمثل في خطاب الرئيس أوباما ، طلب السلام والمصالحة على قاعدة " الاحترام المتبادل " – خطاب دراماتيكي مؤثر . ! ولكن على من تقرأ مزاميرك يا " دافيد "
محلل سياسي وكاتب سوري أخذه التفاؤل كغيره في دنيا العرب قرر في محاضرة له : أنه في الولايات المتحدة لم يتغير شخص الرئيس فقط ، بل تغيرت الإدارة ككل . . .!!! ويبدو أنه أبعد ما يكون عن فهم المعادلة الأمريكية ،.. - أجل تغيرت الإدارة كأشخاص ، فحل باراك محل جورج ، ورام بدلاً من بول ، وهيلاري بدلاً من كوندي ، وذئب بدلاً من ديك وهكذا . . . تغيرت الوجوه ، وبقيت النوايا ، والغايات ، تغيرت الوسائل ، لترسيخ وتحقيق الأهداف ، وأكرر كما في كل مقال ، وحده الزمن مطلوب للاستهلاك ، ويكفيكم أيها المتفائلون قول الرئيس بكل صراحة أن العلاقة مع الكيان الصهيوني راسخة وغير قابلة للتغيير أو الاهتزاز ، فكيف يكون التوازن في العلاقة مع الآخرين ، وكيف تتحقق الحقوق ؟ بالشجب ، أو الاستهجان أو الاستنكار، أو التعبير عن عدم الرضا ، وفي أي البنوك والمجتمعات تصرف هذه الوثائق .؟.
تمنيت لو أن قيادياً فلسطينياً واحداً عبر عن التفاؤل بما قدمه رئيس أمريكا – حامل لواء التغيير – وحده وزير الخارجية المصري يعمل على التسويق الذي هو من اختصاصه بالتأكيد ، فقد تنبأ بكل أو مجمل ما قيل وأعلن ، وكأنه من وضع جدول الأعمال والمحاضر الختامية للمباحثات ، ويطالبون بتجميد الاستيطان وكأنه أصبح الغاية والقضية ، وماذا بعد ؟ - هل تجرأ أحدهم ليتحدث عن إزالة المستوطنات ، أو بقاء الأبنية لإسكان بعضاً من الفلسطينيين الذين هدمت منازلهم ، أو شردوا خارج ديارهم فاستولى عليها الصهاينة ، حتى هذا الذي نرفضه نحن ، ولا نرى فيه ما يسد رمق العدالة ، لم يطلبوه ، يقولون بتجميد الاستيطان ، ويمكن وضعه في الثلاجة ليكون جاهزاً عند الحاجة ، ألا يخجل المطالبون بذلك من أنفسهم أمام مرآة لو نظروا فيها ، أم أنهم يتضاحكون على سذاجة يفترضونها في شعبهم ، وخصوصاً الشعب الفلسطيني الذي هجر السذاجة منذ زمن بعيد ، وحدهم العملاء استمروا على اعتقادهم وهم الأكثر سذاجة ولكن مع كثير من السقوط .
ها بشارة أوباما جاءتكم إلى ما بين ظهرانيكم ، أصرّ على إطلاقها من عاصمة المعز وكأنها عاصمة الإسلام ، وليست جدة أو الرياض على اعتبار أن مكة لا يدخلها " المشركون " ، - الأمر مقصود ، ففي القاهرة من يمكنه قرع الأجراس عالياً وحتى إطلاق التكبير من المآذن ، حيث لا أجراس في الرياض ، وحيث ملوك السعودية غير معنيين بالصلح ، فلا عداء ولا أعداء ...!.
|