إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الإعــلام بيـن الأصـالــة والعمـالــة . . !!

محمد ح. الحاج

نسخة للطباعة 2011-10-31

إقرأ ايضاً


بعد ما تكشف من تأثير الإعلام وخاصة المرئي – المسموع منه على الرأي العام ، المحلي والخارجي ، وأنه أشد فتكاً في بنية المجتمع من الأسلحة على اختلاف أنواعها ، والأشد تأثيراً على الوحدة الوطنية في المجتمعات ذات التعددية بشتى أشكالها ( الإثنية ، الدينية ، وحتى المذهبية ) فإنه من المهم التدقيق في صدقية وسائل الإعلام ومدى الالتزام بشرف ومواثيق المهنة ، خصوصاً في عالمنا العربي .

الإعلام مهنة ، ومعلوم أن لكل مهنة أعرافها وآدابها والكثير منها محكوم بمواثيق شرف أو قسم يؤديه أفراد يمارسون المهنة كما في الطب والمحاماة وغيرها ، ويذهب البعض إلى اعتبار أن مهنة الإعلام رسالة رقابية على سوية سلوك الأفراد والجماعات والحكومات ، وهكذا يقال أن الإعلام هو السلطة الرابعة ، ولكن ، كيف يكون أداة رقابية تناصر الحق ، وتنتقد الممارسات الخاطئة للحكومات أو الجماعات الحزبية أو حتى الأفراد إن لم يكن صادقاً ملتزماً بنقل المعلومة ، ومحايداً في التحليل ، منحازاً إلى الحق ، وليس لغير الحق والحقيقة . . ! فهل إعلام اليوم كذلك .؟.

لا يمكن تصنيف إعلام اليوم على أنه واحد وينتهج طريقاً موحداً في المعالجة ، فالإعلام الرسمي ( الحكومي ) له منهجه وبرامجه وسياسة نشر لا يستطيع الخروج بعيداً عن أطرها ، وهو بطبيعته يلتزم الدفاع عن سياسة الحكومة التي يتبع لها مع هامش بسيط يمارس من خلاله النقد بشكل مقنن وبعد الحصول على ضوء أخضر ، أما الإعلام التابع للتنظيمات السياسية أو غيرها فهو أيضاً إعلام مقيد وموجه من قبل الجماعة أو التنظيم الذي يتبع له وتحكمه ، بل تتحكم بأخباره وتحليلاته سياسة الجماعة إياها ، فيلتزم أدبياتها ومبادئها ، ويمارس نقد الغير لمصلحة الوطن ، فإن كان خارج نطاق التوليفة الحكومية هاجم سياساتها ، وانتقد بعض أعضاءها ، وتصيد الأخطاء الخ ، وهذا أمر طبيعي شرط الالتزام بقوانين العمل الصحفي وشرف المهنة ، وأما ما يسمى إعلام حر ومستقل ، يعتمد العمل الصحفي كرسالة ومهنة يمارس عبرها نقل المعلومة الصحفية كخبر ، والتحليل لمجرد النقد الهادف – البناء - والتوعية والدفاع عن حقوق الأفراد والجماعات ، دون التحامل أو الانحياز . . فإن هذا النوع من الإعلام هو فعلاً إعلام حر ومحايد وهذا ما تفتقر إليه المجتمعات في العالم لأنه نادر جداً ، ومن هذا النوع من وسائل الإعلام من يمكن تسميته إعلام مأجور ، تحت يافطة الحيادية ، خصوصاً منه وسائل الإعلام ذات الخبرة والجذور والتي حازت على شهرة وكسبت تعاطف الجمهور القارئ أو المستمع – المشاهد ، وهذه الوسائل بحد ذاتها هي من يشكل الخطورة القصوى على المجتمعات المستهدفة ، ومثالها كثير في عالمنا العربي ، وقد أثبت بعضها أنه أشد خطورة من أسلحة التدمير الشامل على كثير من المجتمعات أو الدول ، ولا نعدم الأمثلة ، ويبقى أن تدمير العقول وتمزيق الوحدة الاجتماعية لدولة من الدول هو أكثر خطراً من هدم المدن أو المنشآت التي يمكن تعويضها وبناء بديل عنها في حين يكون الأمر شبه مستحيل أو يستغرق زمناً طويلاً لإعادة وحدة المجتمع وبنيته الوطنية التي تعرضت للهدم والتمزيق بفعل التضليل الإعلامي المأجور .

الإعلام في الغرب غطى على حقيقة عملية أيلول في نيويورك ، واتهم سعوديين ، كسب تعاطف العالم فعاقب أفغانستان والعراق ، ونشرت أمريكا المزيد من القواعد في المنطقة ، ورغم افتضاح جوانب كثيرة من أسرار العملية إلا أن الضخ الإعلامي تمكن من الاستمرار وما اتهام العراق بامتلاك أسلحة تدمير شامل وخطورة ذلك على أمن وسلامة العالم ، من ثم احتلاله بعد تدمير مقومات الحضارة فيه إلا مثالاً بسيطاً على فاعلية الإعلام ,على ذلك يمكن القياس ، ولا يمكن القول أن بعض الإعلام العربي لم يساهم في ذلك .

عن طريق التضليل الإعلامي تم تشويه واحتواء الثورتين التونسية والمصرية ، وجاء رد فعل الغرب على ذلك هجوماً استهدف ليبيا لترجيح كفة الميزان لصالحه على ساحة أفريقيا العربية ، وقد استغل هذا الغرب فقدان التوازن المصري ، وانقسام العالم العربي ، واجتذاب جماعة " الاعتدال" إلى جانب المشاريع الغربية من منطلق السيطرة على مجلس " الأمن " ، وهكذا حصلوا على ثروة ليبيا بالكامل وبعض الفتات لمن ساهم معهم ، على أن قطراً عربياً أو أكثر لا يريد سوى الظهور على أنه شريك مهم جداً ، وفاعل على ساحة المنطقة . . !!

الإعلام ، وخاصة العربي منه ، بدأ ومنذ أشهر هجومه على سوريا ، لا لسبب محدد بل خدمة لمشروع أكبر بكثير من وعي أصحاب هذا الإعلام ومالكيه من دول أو أفراد ، المحير في الأمر ، بل المؤسف أن هذا الإعلام كان قد كسب الشارع العربي في مواقف سابقة ، ويبدو أن الأمر كان مقصوداً لدرجة أن البعض أصبح يؤمن بصحة ما تبثه أو تقوله محطات بعينها لدرجة القداسة ، ورغم انكشاف الكثير من جوانب الحقيقة وافتضاح التزييف والتركيب ، فإنه لم تزل شريحة واسعة من أبناء الوطن تعتقد بصحة ما يصدر عن هذه المحطات وأنه هو الحقيقة ، والعربية والجزيرة على رأس هذه المحطات ، وسأكتفي بمثالين بسيطين ، الأول : عندما دخل الوفد الإعلامي الكبير مدينة حماه في الأسبوع الأول من رمضان ، - وكنا معه – لا حظنا سؤال مدير مكتب واحدة من المحطتين عن موقع أحد المساجد وبإلحاح ، وباختصار وصل إلى المكان ، عاينه ، وقابل الإمام الذي أجاب عن أسئلته بالقول : يا ابني الجوامع لم تقصف ولم تحرق وأساساً لم يكن هناك قصف وهذه الأبنية حولك يمكنك الملاحظة والتصوير . . ! ولاحظ مندوب المحطة ذلك ، كما لاحظ أن لا وجود للجيش ، فلا دبابات ولا مدفعية وهذا ما تضمنته رسالته ، لكن المفاجأة أن المحطة تجاوزت تقرير مدير مكتبها فلم تذع منه إلا جزءاً بسيطاً ، بل اعتمدت رسالة شاهد عميان حتى لا تكذب نفسها لأنها قبل أيام أذاعت عن تدمير المساجد واحتراق مسجد بلال بكامله ، وتابعت مدعية أن الجيش ما زال في الشوارع والدبابات تطلق النار عشوائياً والقتلى بالعشرات ، وكان ذلك مثالاً صارخاً عن انعدام المصداقية وهدراً لشرف المهنة . .!! وعذرها أنها مأجورة لمشروع لا تستطيع الانسحاب من تفاصيله ، ومثلها الثانية حيث نسبت كل أعداد القتلى بمن فيهم العسكريين على أنهم ضحايا من المدنيين متجاهلة اعترافات بعض عناصر العصابات بما قاموا به من قتل للمدنيين قصد اتهام الأمن ، وقتل العسكريين متهمين الجيش بالانشقاق و . . . هكذا يستمر مسلسل الكذب .

لم يكن مهماً لهذه المحطات الخبر الصادق أو الواقعة كما هي حتى أنها نشرت مؤخراً تقريراً عن مقتل عائلة مدنية على يد العصابات المسلحة رغم الشهود وبعضهم من نفس العائلة الذين أكدوا أن المسلحين فعلوا ذلك وكانوا يقصدون بعض أفراد الجيش الذين كانوا بجوار بيت العائلة المنكوبة ، أما المحطة صاحبة ميثاق الشرف ، فقد ادعت أن الجيش قصف " الجيش " وتباكت على العائلة الضحية ، وإمعاناً في الفبركة أذاعت صورة وصوت امرأة مفيمة على أنها الأم وهي تدعو الله أن ينتقم من " القتلة " والحقيقة أن الابن الذي أصيب مع أخواته أفاد أن الجنود كانوا بجانبه وأن من أطلق القذيفة كان من العصابات وكان على سطح مدرسة يطلق على قوات الجيش التي تحاول حماية المدنيين واعتقال أفراد العصابة .

ونتساءل : هل سيأتي يوم يحاسب هذا الإعلام المأجور عن نتائج التضليل الذي مارسه والذي أدى إلى سفك الدماء البريئة . . ؟ نأمل ، وننتظر .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024