" القضية السورية هي قضية قومية قائمة بنفسها ، مستقلة كل الاستقلال عن أية قضية أخرى " .. وهي قضية لا يحق لغير السوريين أن يتدخلوا بها أو أن يقيموا من أنفسهم أوصياء على الشعب السوري ، ولا بد هنا من تعريف السوري على أنه ليس كل من حمل الهوية أو جواز السفر السوري في جيب وفي الجيب الآخر هوية أو جواز سفر دولة أخرى ، وليس السوري من نهب أموال شعبه وغادر ليقيم في مرابع أوروبا أو مدنها السياحية ، وليس السوري من يرتبط بأجهزة استخبارات الدول الأخرى لينفذ مخططاتها الهادفة إلى تمزيق وحدة الأمة وتفتيت المجتمع السوري على قواعد لم يألفها ولا يؤمن بها هذا الشعب .
- هل خرج خطاب الرئيس الأسد في جوهره عن هذا الإطار ..؟. والجواب : أبداً ، فقد جاء الخطاب صريحاً ، واضحاً ، وواثقاً إلى أبعد الحدود ، وقد أوضح الأسباب والمسببات ، وأن المخططات الخارجية ركبت موجة من زبد ، سرعان ما تلاشت لتتكشف من بعدها أبعاد المؤامرة ، لا على السلطة السورية ، بل على الدولة كلها ، شعباً ومؤسسات ، وبنى تحتية ، واقتصاد ، كان تأثيرها كارثياً على حياة ومعيشة معظم أبناء الشعب تحت يافطة زائفة . . حماية الشعب و .." تحريره " ..!
الرئيس الأسد تحدث بلسان حال السوريين ، ولكن ، بدقة ووضوح أكثر ، وبصفته ربان السفينة الواقعة في عين الإعصار ، وهو بالطبع يرفض التخلي عن مسئولياته وهي سمة الربان المؤمن ، وضع خطة للخروج بسلام وحنكة ليصل بها إلى بر الأمان ، وإذ يقول أن الخطة ستلاقي الاعتراض ممن ليست موجهة لهم ، فهو قد حدد المعنيين بالخطة لأنهم أصحاب الحق في القرار والخيار ، وهم أصحاب المصلحة الحقيقية لأنهم بداخل السفينة وليس من يقف على الشاطئ البعيد يترقب غرقها أو تخلي الربان عنها فتتقاذفها الأمواج ، وإن قدر لها الوصول سالمة تلقفها واستولى على ما فيها وأدار دفتها حيث خطط له الآخرون لا حيث يريد ركابها ، الربان المأجور " قرصان " لا يهتم لسلامة السفينة ولا الركاب ، بل بما تحمل من ثروات ومتاع .
الداخل السوري ، صاحب المصلحة في وقف الخراب وعودة الحياة الطبيعية يجمع على الترحيب بخطة الطريق التي طرحها الرئيس السوري وهو يدعمها بالتأكيد ، حتى المعارضات الداخلية تجد أنها الحل الأنجع والأسلم وإن كان لبعضهم تحفظات ،عدا قلة ، ومنهم حسن عبد العظيم الذي يقول أن أوان الحل السياسي قد فات ...! إذاً ما الذي بقي ، وهل رهانه على حل عسكري وهو يفتقر إلى سلطة القرار على عشرة مسلحين أم أن الرهان يبقى على تدخل خارجي مرفوض من الأغلبية ، أم أنه وهو في الموقف الأضعف على الساحة يطالب الرئيس بالتخلي عن شرعيته وتسليمها لأي طامح مدع أنه الممثل الحصري للشعب السوري وهل يحتكم إلى استفتاء أو إحصاء وهمي يخوله الحديث بمثل هكذا منطق .!.
بعض المعارضات من الذين لا رغبة ، ولا قدرة لديهم للاعتراف بالحقيقة ، يشككون على مبدأ وزير الخارجية البريطاني أن الوعود التي وردت في خطة الرئيس " فارغة من المضمون " وهل يقرر وزير خارجية بريطانيا عن السوريين حقاً أم أنه مجرد ناطق بلسان بعض الأتباع ممن ارتبطوا بمشروع يدركون نهاياته ، لكنهم يكابرون ، وبديهي أنه ليس من حق أجنبي أن يقرر مصالح السوريين ويعبر عن إرادتهم في اختيار الطريق ، وأما من السوريين ، فكما أسلفنا في مقالات سابقة ، لا يحق لأحد ممن في الخارج التحدث باسم الشعب ، خاصة وأنهم يدعون تمثيل الجميع ، ولا أن يفرضوا هذا الادعاء على أرض الواقع وهم يفتقرون إلى شرعية حقيقية تقررها صناديق الاقتراع ، وإذ يمكننا القول أنهم لا يمثلون عشرة بالمائة من هذا الشعب ، فليس باستطاعتهم دحض هذا القول إلا عبر الصناديق ليتأكد للعالم كله ، ولهم بالذات ، أنهم فعلاً لا أرضية لهم ، وليس بإمكانهم فرض واقع جديد على من لا يقبلهم إلا بالوسيلة الوحيدة التي يتوسلونها وهي القوة الخارجية ، بالأصل رئيس الجمهورية استبق كل قول وأكد أن المبادرة ليست موجهة لهم ، وأنه قد يتحدث إلى الأسياد وليس لعبيد الخارج الذين لا يملكون حق القرار والرأي .
غريب أن شخصية سعودية وقبل أيام يقول أن مملكته لم تقدم أي دعم عسكري وأنها ترفض تمزيق سوريا وأنها حريصة على الشعب السوري ، رغم كل ما تكشف من مشاركة سعوديين ، ودعم عسكري وأسلحة وأموال ، ولا نبتعد كثيراً ، بل نكتفي بالقول أن وكيلهم الحصري كان ممثل الحريري عقاب صقر ، وأن ضباطهم يشاركون في غرفة العمليات المركزية في تركيا وأن محطات تلفزتهم تعمل تحريضاً على مدار الساعة ويبقى كل قول آخر لا قيمة له ، مع ذلك فإن الرئيس الأسد في خطابه تعالى عن أية إشارة لأحد ، لا مسميات ولا تحديد واكتفى ببيان حقيقة أن ما يجري هو تدخل خارجي كامل بمعونة عربية ومن دول مجاورة ، وترك التفاصيل للصحافة العالمية والإعلام المرئي ، وتجدر الإشارة إلى ما قاله ضابط المخابرات البريطانية قبل ليلة من الخطاب على شاشة روسيا اليوم وفضح تفاصيل المشروع الغربي – الصهيوني بكل أبعاده ، لكن آذان رجال المعارضات الخارجية لا تسمع ، وعيونهم لا ترى .
أكثر ما يثير السخرية من ردود الأفعال لجماعة الخوارج هو وصفهم ثناء الرئيس على جيشه الوطني ، ضباطاً وصف ضباط ، وأفراداً على أدائهم وبسالتهم في الدفاع عن الوطن والمواطنين ، وكانت تحية يستحقونها ، كما حيا جميع أفراد الشعب الذين وقفوا إلى جانب جيشهم وقدموا تضحيات كبيرة ، وقالوا عن ذلك أنه " تملق " من يثني على عمل تم انجازه لا يكون تملقاً ، من يتوسل التضليل والخطاب التحريضي هو من يتملق ، وأغلبهم في هذا الموقع فليراجعوا كل الذي قالوه والنداءات الكاذبة ، والوعود التي أطلقوها ، ليتبين أنهم أساتذة كبار في التملق والمداهنة وقد اكتشف العامة من أبناء الشعب هذه الألاعيب ورفضوها منذ حين .
القضية الفلسطينية ، وهي قضية قومية ، لم تغب أبداً عن رؤية الرئيس الأسد وقد أكد على أنها ستبقى كذلك ، وهي قضية سورية ، وكانت تحيته لمن يستحق ، الذين حفظوا جميل الأمة وما سقطوا في فخ المؤامرة ، كما أنهم لم يعتبروا الوطن مكاناً للراحة والاستجمام ثم ليغادروه كمن يغادر فندقاً ... وكان واضحاً من يعني .
الآمال الكبيرة التي بعثها خطاب الرئيس في نفوس أبناء شعبه ، مشروعة ، وهو من سيعمل لتحقيقها بصبر وأمانة بدعم من شعبه ، سياسياً ، واقتصادياً ، وأما عسكرياً فستبقى اليد على الزناد لمحاربة الإرهاب ومن يدعمه حفاظاً على الدولة أرضاً ومجتمعاً ومؤسسات ، ويبقى الشعار الأبرز : مصلحة سوريا فوق كل مصلحة .
|