إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الموالاة والانقلاب على الميثاق

زاهر العريضي

نسخة للطباعة 2007-12-27

إقرأ ايضاً


تكرر أطراف الموالاة لازمة سياسية اعتمدتها منذ إعلانها قبول ترشيح العماد سليمان مفادها أنها قدمت تنازلا كبيرا بهذا الموقف الذي كشف وزير الخارجية الإيطالي أنه جاء نتيجة طلب الترويكا الأوروبية والذي لم يكن في الواقع بعيدا عن الموقف الأميركي العام الذي تبلور منذ أشهر بعد حساب الكلفة المترتبة على التصادم.

والأوصاف التي يطلقها الموالون على موقف المعارضة الداعي إلى إنجاز تفاهم سياسي وطني تتدرج بين استرجاع معزوفة التعطيل وصولا إلى اعتبارها تعجيزا ودعوة إلى الاستسلام وهذه الموجة السياسية والإعلامية استخدمت بإتقان لتكون تغطية جاهزة للخطوات التي تعدها حكومة الرئيس السنيورة في مجال وضع اليد على صلاحيات الرئاسة وفي المسعى المكشوف لبث مناخ من الشكوك داخل المؤسسة العسكرية وقيادتها اتجاه المعارضة التي يصل بعض الموالين حد اتهامها باعتراض طريق قائد الجيش إلى بعبدا.

قيادي معارض يعرض النقاط الآتية في مناقشة هذا المنطق:

أولا: خلال المهلة الدستورية وحتى اليوم الأخير من ولاية الرئيس إميل لحود كانت المعارضة تسعى بقوة من خلال مبادرة الرئيس نبيه بري إلى تحقيق التوافق على رئيس للجمهورية وكان آخر الشوط هو رفض الموالاة للمرشح التوافقي الوزير السابق ميشال إدة بعدما انتهت إليه جوجلة لائحة البطريرك، وفي هذه المداولات يذكر اللبنانيون أن اسم العماد سليمان كان مرفوضا بقوة من جانب الموالاة وزعيمها سعد الحريري، وذلك مرة بالقول أنه مرشح سوريا كما أورد ديفيد شينكر الكاتب الأميركي الذي نظم زيارة النائب وليد جنبلاط إلى واشنطن ونسق له معظم لقاءاته هناك، ومرة أخرى بذريعة التعديل الدستوري.

ثانيا: في المفاوضات التي جرت بعد وقوع الفراغ الرئاسي طرحت المعارضة ضرورة أن يجري التفاهم على حكومة العهد الأولى وقانون الانتخاب بالتحديد لأن العماد سليمان هو مرشحها التوافقي الذي لن تسمح بإغراق ولايته الرئاسية من بدايتها في متاهة الأزمة المستعصية والمعارضة كانت تعرف جيدا ما يجري من تحريض ولعب على الحبال بهدف التأثير على المناخ في المؤسسة العسكرية.

الجيش اللبناني مؤسسة وطنية جامعة للبنانيين من جميع المشارب وما رددته الموالاة ومجموعات الضغط المتصهينة المرتبطة بها في الولايات المتحدة في مطلع العام عن علاقة الجيش وضباطه بالمعارضة هو توصيف لحالة نتجت أصلا من المواقف المبدئية للمعارضة وتلاقيها بثقافة الجيش الوطنية وعقيدته القتالية وليس نتيجة ارتباط أفراد من الضباط والقادة بتيارات سياسية في المعارضة، وفكرة الدولة المركزية القوية هي أبرز عناوين النهج السياسي للمعارضة بجميع أطرافها.

الجيش كل الجيش مع فكرة الدولة المركزية المجسدة للوطنية اللبنانية وهو لذلك ضد التقسيميين وضد الميليشيويين وضد جميع مصنفات التفتيت والفدرلة وهذا أمر لن تبدل فيه أو تعدل منه حذلقات وفذلكات لغوية والجيش المشبع بروحية السيادة الوطنية والدفاع الوطني ضد العدو الإسرائيلي هو شريك المقاومة التاريخي بالدماء والتضحيات وسهر الليالي على الثغور منذ الثمانينات وطوال فترة ما بعد الطائف وكل قصور سبق ذلك كان نتيجة موقف النظام السياسي ولم يكن تقصيرا من العسكريين مؤسسة وأفرادا.

والجيش المبني على روح الأخوة العربية مع سوريا يعرف أيضا الجهة الوحيدة التي قدمت للمؤسسة الدعم عندما أشهر نظام المحاصصة رفضه لتقويتها وعندما حمل إليه الأميركيون ذخائر فاسدة في حرب البارد الاخيرة لن يكون بمستطاع الكلام المعسول أن يؤثر على خياراته.

ثالثا: كل ما تطرحه المعارضة هو ضمن نطاق المفهوم الضيق للتسوية و لا يخرج عنها قيد أنملة فالمعارضة لا تطلب غير الشراكة في حكومة تكون فيها الغالبية للموالاة وهذا أضعف الإيمان والمعارضة لا تطلب غير التفاهم الوطني على مضمون التقسيمات الانتخابية والعودة إلى القواعد الميثاقية.

الانقلاب هو في تصرف الموالاة بوضع اليد على صلاحيات الرئاسة وبمواصلة التمسك بحكومة مناقضة لميثاق العيش المشترك وفاقدة لأي معنى تمثيلي جامع تغيب عنها مكونات طائفتين رئيسيتين من الطوائف الثلاث الكبرى وتيارات وازنة من باقي الطوائف اللبنانية، وبعد إقصاء الشريك الشيعي يكتمل الانقلاب بتحدي الشريك الماروني وبتبني سياسة عزل واضحة مؤخرا إزاء القوة السياسية المسيحية الأوسع تمثيلا عبر الرفض الصريح للحوار مع العماد ميشال عون الذي يعني رفض الحوار معه خرقا سافرا لأبسط أدبيات الشراكة الوطنية ويكفي بذاته لتوصيف سلوك الموالاة بالتفجيري وبالتقسيمي وبالانقلابي.

رابعا: إن التسوية قدر لا مفر منه في لبنان ولكن ما ينبغي على الموالاة أن تضعه في حساباتها من خبرة التجارب السابقة أن التسوية التي ترفض اليوم قد لا تبقى صالحة في الغد والكلفة التي ستحملها البلاد من وطأة مغامرة مضمونة الخسارة لا بد أن تدفعها الموالاة من رصيدها عند العودة إلى التفاوض من جديد وسيكون من الخبل أن يبالغ الموالون في ابتزاز حكمة المعارضة التي تصر على ممارسة نضال سياسي سلمي هادئ لأن المعارضة ستجد في نطاق هذه المنهجية السلمية ما يناسب من أدوات التحرك لبلورة شروط التسوية وتنضيج ظروف نجاحها.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024