إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

من العنصرية الصهونية.. إلى العنصرية الطائفية والتمرد!؟

العميد د. أمين محمد حطيط - البناء

نسخة للطباعة 2011-05-31

إقرأ ايضاً


عندما اقرت الحركة الصهيونية برنامجها لاقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، كان المستهدف الاول المباشر هو صاحب الحق الشرعي بالارض تلك: الشعب الفلسطيني وعبره الامة العربية والاسلامية، باعتبار ان هذا الشعب جزء من امة، وكان الطرح الصهيوني صورة من صور التمييز العنصري الذي يقرن الحقوق ويكرس المصالح على اساس الانتماء العرقي والديني بصرف النظر عن طبيعة الحق وجوهره وحقيقته. وفي التطبيق، تسببت اقامة «اسرائيل» تنفيذا لذاك القرار بمأساة شعب بريء حيث اهدرت حقوقه في ارضه وكيانه السياسي لا لشيء الا لانه من دين آخر رغم ان الاصل واحد (العرب واليهود ساميون). لكن الحركة الصهيونية وهي حركة سياسية تتقنع بالدين اتخذت من الانتماء الديني ستارا واقتلعت المسلمين والمسيحيين ورمتهم خارجها بحجة اقامة «الوطن االقومي اليهودي».

والنتيجة كانت ان النزعة العنصرية تسببت بهدر حقوق جماعة، واكساب جماعة أخرى مصالح ومكاسب ليست لها ولا يحق لها اصلا ان تمتلكها، انما كان التملك مستندا الى قوة لم تواجه بما يعادلها ليعطلها فاغتصبت الحقوق ولا زالت.

وتستمر «اسرائيل» في عملية الاغتصاب تطبيقاً للنفس العنصري نفسه، وتتوالى المآسي التي ينتظر ان تضاف اليها مآساة جديدة في حال الاقرار الرسمي الدولي بيهودية «دولة «اسرائيل»» حيث سيكون للتنفيذ مفعولان مباشران أساسيان: الاول اسقاط حق الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم التي طردوا منها في العام 1948 والثاني طرد مليون ونصف مليون مسلم ومسيحي يقيمون في بيوتهم في فلسطين المغتصبة حيث تقوم «اسرائيل» الآن. كل ذلك لا لشيء الا لانهم ليسواً يهوداً.

وهنا يطرح السؤال امام وهم ما يسمى «المجتمع الدولي» ومنظمة الامم المتحدة التي اعتمدت شرعة حقوق الانسان وكرست فيها للانسان اي انسان الحق بالحياة وبالوطن والمسكن والمعتقد والحرية في هذا الوطن، ولا يكون لأحد ان يمنعه من ممارسة هذا الحق، ولا يجوز التمييز بين الناس على اساس عرقي او طائفي او ديني او اي معيار آخر، لأن في التمييز هدراً مباشراً لحقوق فئة وإفناءً لفئة على حساب الفئة التي هدرت حقوقها. ومن اجل ذلك عد التمييز العنصري جريمة لان فيه امتهاناً للإنسان وهدراً لحقوقه.

ومن الحالة الصهيونية المقيتة القائمة كما ذكرنا على التمييز العنصري والتي كان خطأ كبيراً الغاءُ تصنيفها بأنها حركة عنصرية واسقاطُ القرار 3339 الصادر عن الامم المتحدة بهذا الخصوص، نأتي الى لبنان حيث ان التمييز فيه قائم بين المواطنين على اساس ديني ومذهبي وصل احيانا الى درجة اقتلاع الناس من ارضهم كما هو الحال مع الممارسة الصهيونية في فلسطين، وتسبب بهدر حقوق فئات من المواطنين لتغتني بها فئات اخرى من غير سبب مشروع. وقد ادى هذا التمييز في بداية عهد الاستقلال اللبناني الى خلق حالة عدم الاستقرار نتيجة الاحساس بالغبن لدى من لم تكن الامتيازات في صالحه، غبن عولج بوثيقة الاتفاق الوطني التي تبين انها اكبر خديعة ترتكب بحق لبنان الدولة واللبنانيين المواطنين، وثيقة ترجمت دستورا نقل الامتيازات من طائفة الى طائفة، واضافت عليها بما جعل من ممثل الطائفة المميزة هذه مالكا للسلطة في لبنان يستطيع بالاستناد الى النص الدستوري والقانوني القائم، مضافاً اليه اعراف فرضها من غير قدرة لاحد على مواجهتها او تعطيلها، يستطيع ان يقول كما قال لويس الرابع عشر: «انا الدولة والدولة انا l’état c’est moi»، او كما يقول القذافي الآن: «انا ليبيا»، ويقول الحريري: «انا لبنان» وكل شيء يسمى باسمي، وبعد ذلك ينشئ من الهيئات والاجهزة ما يركز السلطة بيده، ويعين من الموظفين من يكون ولاؤهم له لا للدولة، الى الحد الذي صعق المواطن بلوحة رسمت فيها 3 موظفين سنّة حريريين في مواجهة 3 سياسيين مسيحيين فيهم رئيس الجمهورية ووزيران، ولا ينصاع الموظف للوزير ولا للرئيس، وما كان هذا ليحصل لو لم تكن الجمهورية اللبنانية انتهت نصا مع نصوص وثيقة الطائف وتأخرت مراسم دفنها الى ان خرجت سورية من لبنان، فأحكمت قبضة «الحريرية السياسية» عليها وجعلتها مشيخة، وانقلب الانتماء الوظيفي الى «تابعية « على غرار ما هو قائم في المملكة العربية السعودية حيث لا جنسية ولا مواطنية بل تابعية للعائلة المالكة، فمن دخل في التابعية الحريرية، يكون امره هو الامر وقراره هو القرار، ولا اهمية للرتبة او الوظيفة، ولا قيمة لامر رئيس الجمهورية او قرار وزير في مواجهة قرار «مدير عام حريري»، او»ضابط حريري»، فالتبعية والمصلحة الحريريتان هما اللتان تحددان فعالية القرار ونفاذه وليست الصلاحيات الدستورية هي التي تحسم. وبهذا نفهم ونفسر كيف ان مدير عام قوى الامن الداخلي رفض تنفيذ قرار رئيسه المباشر وزير الداخلية واستخف بطلب رئيس الجمهورية رئيسه الدستوري الذي حضه فيه على الاستجابة لقرار الوزير، فالمدير العام «الحريري» تمرد لانه استند الى الواقع الذي عبر عنه نائب «حريري» ايضا حيث قال: «هذا لبنان»، ودعوا النصوص جانباً واقبلوا الامر الواقع حيث التمييز العنصري الطائفي السياسي على الاسس الحريرية، ومن شاء القوة ونفاذ القرار فليلتحق بنا والا «فليشرب ماء الدستور والقانون» ويبرد فيه حماسه، فالحريرية كافية لتأمين الحماية على اساسي عنصري، ويضحكنا من يقول بعد ذلك اننا نحمي المخالف المتمرد على رئيس الجمهورية على اساس وطني.

ان هذا التمييز على اساس التبعية والانتماء هو ما يهدر الحقوق والصلاحيات ويكاد يدفع بالوطن والدولة الى التهلكة وانه العلة الاساس، ويكون تمرد المدير العام تفصيلاً بسيطاً في المأساة، وعلينا ان نعترف بالمرض ونعالجه من اساسه، اما التوقف عند الأعراض فقط، فان فيه هدراً للوقت والجهد. طبعا هذا لا يعني غض الطرف عن عصيان المدير العام الذي حصنه ايضا رأي «قاض حريري» آخر رفض تحريك الدعوة العامة الا بطلب او استدعاء، والكل يعرف ان النيابة العامة هي سيدة في تحريك الدعوى العامة والعصيان جريمة يعاقب عليها القانون الجزائي. وجل ما في الامر يكون للنائب العام التمييزي او لمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية ان يستأذن الوزير بالملاحقة كما تفرض القوانين، اما انتظار الادعاء فهو سلوك حمائي يدخل في السياق ذاته.

وهنا نخلص الى القول ان تطهير الدولة والمجتمع من عنصرية تهدر الحقوق والصلاحيات وتهدم دولة المؤسسات لاقامة المشيخة، امر لا بد منه، وفي التخلص من هذه العنصرية خطوة على طريق التصدي للعنصرية الصهيونية... لان المنطق يفرض نفسه، فاما ان نكون مع الحق والعدل في كل ميدان ومجال، او نرضى بالاخلال بالمساواة والاغتصاب عملاً بقواعد التمييز العنصري ذاته، لان التمييز يؤدي الى النتائج ذاتها: اغتصاب حق واثراء بغير سبب مشروع، ويكون التمييز العنصري الصهيوني او التمييز الطائفي او السياسي تسميات لجوهر واحد هو الظلم والاغتصاب المستوجب المواجهة.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024