إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

لماذا اعتدت "إسرائيل" في الوزاني ؟

العميد د. أمين محمد حطيط - البناء

نسخة للطباعة 2011-08-03

إقرأ ايضاً


منذ ان باتت معادلة القوة الاستراتيجية اللبنانية في مواجهة "إسرائيل" نهائية تقوم على ثالوث شعب وجيش ومقاومة، تجهد "إسرائيل" لتعطيل اركان هذه المعادلة للعودة الى ما كان قائماً قبلها واستعادة الموقع الذي فرضته على المنطقة كياناً قائماً على ثنائية القوة: القوة الميدانية العسكرية التي تفرض الامر الواقع الذي تريد، والقوة السياسية الدبلوماسية التي عبرها تشرّع من خلال قرارات في مجلس الامن ذاك الامر الواقع الذي يكون دائما مخالفا للشرعية القانونية والاخلاقية.

وقد تمكنت "إسرائيل" متكئة على منظومة الدول الغربية ان ترسي عرفا في الذهن الدولي العام بانها فوق القانون تحاسِب ولا تحاسَب، تطالب بباطل ويصغى لها، وتمتنع عن الإصغاء حتى وانها تدين من يطالبها بحق تغتصبه، لهذا فإما ان يكون القرار الدولي كما تريد أو غير قابل للتنفيذ ومع تسليم دولي بهذا. لكن لبنان خاصة بعد العام 2000 ومؤكّداً عليه في العام 2006 كسر هذه الصورة عبر المعادلة التي أرساها والتي تعمل "إسرائيل" على تعطيلها حيث تحاول :

ـ ملاحقة المقاومة التي باتت عصية على العمل العسكري "الإسرائيلي"، ملاحقة من باب الهيئة المسماة زورا بأنها محكمة وهي في الحقيقة لا تتعدى وظيفة فروع المخابرات العاملة للمصلحة "الإسرائيلية" العليا. وتعول "إسرائيل" على إشغال المقاومة ووضعها في موقع المطارَد مستعينة بهذه الهيئة، ما يضيف الى قدراتها قدرات عالمية في مهمة التتبع والمطاردة. وهنا لا بد من التوقف عند عقم هذه المحاولات حتى الآن، كما انه لا يتوقع ان تتغير النتائج، بعد ان نجحت المقاومة والقوى الوطنية والاقليمية الحاضنة لها، في فضح المحكمة المزعومة وأهدافها.

ـ ملاحقة الشعب اللبناني في امنه ووحدته من خلال الضغط والتدخل لإحداث الاضطرابات وزعزعة الاستقرار الداخلي. وفي هذا المضمار فشلت "إسرائيل" حتى الآن في إضرام الفتنة والحرب الاهلية، لكنها حققت إنجازا لا يمكن التغافل عنه في إحداث الانشقاق الداخلي وإعادة إحياء ما كانت تمتلكه قبل العام 1989 بوجود فريق لبناني ينفذ سياستها ويتصدى بشكل علني لكل من يرفع السلاح في وجهها، وتستغل هي اليوم مواقفه السياسية والإعلامية الى الحد الذي احتلت تصريحات بعض اشخاص هذه الفئة ولثلاثة ايام متتالية مساحة واسعة من الإعلام "الإسرائيلي" في معرض تركيز الضوء على الانقسام الللبناني حول وجود المقاومة وسلاحها ودورها في حماية لبنان وثرواته .

ـ ملاحقة الجيش اللبناني لثنيه عن الاستمرار بالتمسك بعقيدته القتالية التي باتت ثابتة من ثوابت العمل العسكري في لبنان ما بعد الطائف والتي تقوم على اعتبار "إسرائيل" عدوا تجب مواجهته بكل الوسائل المتاحة، والتنسيق مع القوى المسلحة اللبنانية التي ينظمها الشعب اللبناني لمقاومة المحتل والدفاع عن الارض والثروة الوطنية. وقد راودت "إسرائيل" الأحلام بأن المتغيرات السياسية التي كان لبنان مسرحا لها منذ العام 2005 يمكن ان تكون قد اثرت في الجيش وفي حمله على التغيير. لكنها صدمت في العام 2006 بأن الجيش لم يوفر وسيلة يمتلكها او فرصة تتاح له الا واستغلها في مواجهة عدوان "إسرائيل" على لبنان حيث وجد نفسه في الخندق ذاته مع المقاومة لمواجهة آلة الحرب "الإسرائيلية". ورغم ضعف الامكانات فقد استمر في المواجهة وقدم الشهداء وتحمل الخسائر المادية من تدمير مراكزه وثكناته وراداراته الخ...

لكن "إسرائيل" على ما يبدو تستمر في محاولة اختبار الجيش وإرادة القتال لديه، وتكرر اليوم التجربة التي قامت بها في العام الماضي وفي التوقيت نفسه تقريبا. لكن محاولات اليوم يبدو ان لها اهدافاً ابعد مما سبق، حيث نرى ان "إسرائيل" تقصد من خلال عدوانها على الوزاني صباح عيد الجيش الى تحقيق ما يلي:

1) التشويش على الوضع اللبناني الذي انطلق مع الحكومة الجديدة بثبات وقوة ممسكا بملف كبير ترغب إسرائيل في منع الحكومة من مقاربته وهو ملف النفط والحدود البحرية، وتمني النفس بأن تتكرر تجربة المياه حيث كانت تلوح بالقوة وتهدد بالحرب اذا قارب لبنان مسألة الليطاني وحاول بناء المشاريع المتعلقة به. ترافق ذلك مع تسريبات غربية صدرت في الاسبوع الماضي في بريطانيا وفرنسا على لسان من يدّعي من الدبلوماسيين اطلاعه، ان "إسرائيل" بصدد القيام في ايلول المقبل بضربة عسكرية خاطفة تدمر فيها البنية التحتية ومواقع عسكرية اساسية لحزب الله والجيش اللبناني.

2) الضغط الاضافي لترويج فكرة المناطق المتحفظ عليها، وهي فكرة تدفع اليها "إسرائيل" وقد حققت الكثير فيها حتى الآن، اذ انه في الوقت الذي نذكر فيه بأن لا نزاع ولا تحفظ على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة الا في مناطق ثلاث هي رميش وعديسة والمطلة، نجد الإعلام "الإسرائيلي" ويتبعه الإعلام اللبناني في معظمه ( لجهل او غباء ) يسارع الى القول إن الحادث حصل في "المنطقة المتحفظ عليها ". وفي تتبعنا لما جرى سابقا واستعمل فيه التعبير في غير محله، نجد ان الامر بات يشمل حتى الآن 5 مناطق، والامر يتوسع ويخشى ان نصل الى وضع تكون كل الحدود متحفظاً عليها ويكون لبنان مضطرا للاستجابة للمطلب "الإسرائيلي" بالتفاوض على الحدود واعادة ترسيمها مع اسقاط الحدود الدولية المرسمة منذ العام 1923. واننا لا نستطيع ان نجد مبررا للإعلام اللبناني كما ولمواقف بعض الرسميين اللبنانيين الذين يروجون للخط الازرق وللمناطق "المتحفظ" عليها متناسين الحدود الدولية التي اعتمدت أيضا في اتفاقية الهدنة الذي جاء هذا الخط مطابقاً لها. واسأل لماذا لا تستعمل مثلا عبارة خط الهدنة او الحدود الدولية بدلا من التمسك بالخط الازرق الذي سقط وانتهت صلاحيته في العام 2000 مباشرة بعد التحقق من الانسحاب "الإسرائيلي".

3) استغلال الميدان اللبناني من اجل حجب مأزق نتنياهو وحكومته داخليا، عبر إحداث ما يحتل العنوان الإعلامي الاول وتذكير "الإسرائيليين" بمخاطر خارجية وتهديدات قد تأتي عبر الحدود الشمالية.

وفي النتائج المحصلة للعدوان نرى ان "إسرائيل" اخفقت في تحقيق الهدف الاول، اذ بعد تأكيد الجيش لموقعه في الدفاع عن لبنان واستعداده للمواجهة الميدانية بالمتاح من الوسائل وبتأكيد استمراره على عقيدته القتالية، بادرت مؤسسات الدولة وبسرعة لافتة للسير قدما في انجاز ما يتعلق بملف الحدود البحرية والتنقيب عن النفط، اما في الثاني فنرى ان الوقوع في المطب "الإسرائيلي" كان محدودا هذه المرة، اذ رغم ان بعض الإعلام استعاد العبارة "الإسرائيلية" "المناطق المتحفظ عليها" فإن موقف الجيش وهو الموقف الرسمي المعول عليه وتبعه معظم الإعلام اللبناني رفض مقولة المنطقة المتحفظ عليها واصر على قول الحقيقة بأن "إسرائيل" انتهكت الحدود اللبنانية (لم تستعمل عبارة الخط الازرق وهذا مهم، يجب التأكيد عليه). ورغم ان الامم المتحدة راوغت كعادتها في تحميل "إسرائيل" مسؤولية الانتهاك للسيادة اللبنانية والاعتداء على الجيش اللبناني الا انها لم تستطع ان تتبنى القول "الإسرائيلي" بالمناطق المتحفظ عليها.

ويبقى ان نلاحظ اخيرا ان الهدف الثالث من الاعتداء تحقق جزئياً، لكن "إسرائيل" اضطرت، وعلى لسان نتنياهو نفسه، ثم بعده باراك، للاعتراف بانها لا تسعى اليوم للتصعيد والحرب، ونحن نعلم طبعاً السبب لانها ليست جاهزة للحرب بعد.

في اختبار عيد الجيش، نجح الجيش في الميدان وقدم للشعب اللبناني هدية العيد ثباتا وعنفوانا وطنيا وتمسكا بالعقيدة القتالية الوطنية... فهنيئاً للبنان بجيشه.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024