إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

عملية إيلات والخسائر "الإسرائيلية" الاستراتيجية

العميد د. أمين محمد حطيط - البناء

نسخة للطباعة 2011-08-24

إقرأ ايضاً


حاولت "اسرائيل" ان تتجنب الخسائر التي سببها لها سقوط حسني مبارك في مصر، وهو كما كانت تسميه " القلعة الاستراتيجية" التي استندت اليها مدة 30 عاما من اجل تثبيت وجودها في المنطقة، وتوسيع نفوذها وفضائها الحيوي في اكثر من اتجاه، وتحقيق نجاح كاد يقضي على المسألة الفلسطينية وتصفيتها لمصلحة "اسرائيل"، اقول كاد يقضي، لان المانع الوحيد الذي حال دون ذلك هو قيام "منظومة المقاومة" التي منعت ذلك عبر مواجهاتها العسكرية والسياسية، الامر الذي عرَّض المنظومة هذه مجتمعة ومتفرقة لأشرس هجوم غربي ضد مكوناتها الأساسية الأربعة من الأنظمة والتنظيمات، ولكن المنظومة صمدت وأعادت "اسرائيل" الى دائرة القلق على المستقبل والمصير، فضلا عن انتاج الخوف على الأمن الذي ترى "اسرائيل" انه خط احمر لن تمكن أحداً من المس به.

و في معرض سعيها إلى تفادي ما أمكن من الخسارة الاستراتيجية، اتجهت منذ اللحظات الاولى إلى التهويل، لوضع حاجز دون تمدد مفاعيل سقوط مبارك الى العلاقات المباشرة معها، ثم انها منت النفس بالاستفادة من هجومها مع الغرب ضد منظومة المقاومة لتعوِّض الخسارة. وهو هجوم اشتدت الحاجة اليه بعد مبارك، وتعددت وجوهه حيث جرى ابتداع وتلفيق الملفات ضد اطراف المنظومة، (إرهاب وتخريب في سورية ومحكمة تلفيقية دولية في لبنان وملف نووي لإيران وحصار غزة) وهي عناوين شاؤوها محاور للهجوم خاصة بعد العام 2006 -عام هزيمة "اسرائيل" على يد المقاومة في لبنان - وظنت "اسرائيل" ومعها المنظومة الغربية ان هذا الهجوم المركَّب والمتعدد سيؤدي الى إشغال منظومة المقاومة في مرحلة اولى، فيصرفها عن العمل، وفي مرحلة ثانية يمكِّن للغرب التخلص من هذه المقاومات المتعددة الوجوه تباعا فترتاح "اسرائيل". ولهذا كانت الجهود الغربية والصهيونية منصبة في مصر على حصر التغيير بالشأن الداخلي من دون المس بالعلاقات مع "اسرائيل" ومن دون التعرض "للكنز الاستراتيجي لـ"اسرائيل" ـ اتفاقية كامب دايفد" ـ كما يراها باراك، وقد ارتاحت "اسرائيل" في مطلع الحراك المصري إلى عدم تعرض المصريين لسفارتها في القاهرة، كما والى مواقف مصرية وازنة رسمية ونخبوية تتمسك بالاتفاقية المذكورة، مبررة ذلك بأسباب شتى، واعدة بالحد من الخسائر التي تحدثها بتصحيح التفسير والتطبيق الذي أساء اليه حسني مبارك.

لكن المقاومة وفي لحظة قاتلة فرضت واقعا فاجأ الجميع، ووضعهم امام الاختبار القاسي عبر عملية إيلات التي جاءت بدلالاتها الاستراتيجية متجاوزة مفاعيلها الميدانية ـ رغم جسامتها ـ حيث اظهرت :

-ان الأمن "الاسرائيلي" الداخلي حتى من غير اللجوء الى صواريخ تطلق عبر حدود فلسطين المحتلة، هو امن هش مكشوف، وان تخطيطاً مناسباً يمكن من اختراقه اختراقا يؤدي الى انتاج القلق وانهيار الوهم "الاسرائيلي" بالأمن المستتب. واذا عطف على العملية ما استتبع من اطلاق صواريخ فشلت "اسرائيل" في اعتراضها، تكون العملية وتداعياتها الميدانية قد تسببت في افتضاح زيف الإجراءات الحمائية "الاسرائيلية" ومنظومات الدفاع الصاورخي، من قبة فولاذية، الى معطف الريح، الى مقلاع داوود، وأظهرت ان 5 سنوات على حرب تموز لم تغير من حجم الاخطار التي ستواجهها الجبهة الداخلية "الاسرائيلية" في الحرب المقبلة التي تريدها "اسرائيل"، ولكنها عاجزة عن تحمل اعبائها كما يبدو.

-ان مصر ما بعد مبارك ليست ذاتها التي كانت معه، وان الشعب المصري الذي رفض التطبيع خلال 30 عاما، لن يقبل بالاستمرار في سياسة السكوت على جرائم العدو وانتهاكه للسيادة المصرية بعد ان تخلص من اغلال الرئيس - الصديق الاهم استراتيجيا لـ"اسرائيل"، وهذا ما يقلق "اسرائيل" بحيث يمكن القول إن اول خطوة متوقعة الآن من السلطات الرسمية المصرية – حتى لو تأخرت بعض الوقت - وفي مرحلة ما قبل طرح مراجعة الاتفاقية، ان يعاد الى تطبيق الاتفاقية بتفسير موضوعي يحترم السيادة لتي نصت عليها نظرياً وأسقطها مبارك بالممارسة العملية، على ان يلي ذلك، وكما ينتظر مع المتغيرات القائمة، مراجعة للاتفاقية قد لا تؤدي الى إسقاطها في المدى المنظور، لكنها على الاقل قد تتجه نحو إحداث توازن في النص والتطبيق. واذا كان من السابق لأوانه القول بخطورة الجبهة الجنوبية على "اسرائيل"، فإن العملية ستجبر "اسرائيل" على الاهتمام بها وبذل جهد لم يكن مطلوبا سابقا.

-ان " منظومة المقاومة " لن تتراجع عن هدفها الاساس وان مواجهتها للهجوم الغربي العدواني عليها لم ولن تثنيها عن المقاومة،رغم كل ما لُفِّقَ وما نُفِّذَ هنا او هناك ضدها من مكائد ومؤامرات، وانها مستمرة في عملها الرئيسي في ملاحقة العدو وإفهامه بأن اغتصاب الحقوق لن يصاحبه امن أو استقرار.

-ان اختيار إيلات لتكون ميداناً لعملية المقاومة، فيه من الرسائل فوق ما يستطيع العدو احتمال آثاره على اقتصاده وخصوصاً سياحته،اذ بعد ان كان يفاخر بمستوى الأمن هناك ويدعو الاجانب اليها والابتعاد عن شرم الشيخ المصرية التي فقدت امنها بادعائه،و جد امنها ينهار بسرعة قياسية.

-اظهرت حجم القيود التي تغل يد "اسرائيل" عن مهاجمة قطاع غزة، وأظهرت ان القطاع بات على درجة متقدمة من الحصانة الدفاعية.

لقد ادت عملية إيلات الى انهيار آمال "اسرائيلية" كبيرة، وشكلت ردا مقاوما تعدت مفاعيله الشأن العملاني رغم اهميته، لتلحق بـ"اسرائيل" الخسائر الاستراتيجية الاهم، اذ أنها بعد ان فضحت وهن الأمن "الاسرائيلي" بمنظوماتها الصاروخية، اعطت دفعا للوطنيين في مصر لاستكمال التحرك باتجاه التخلص من تركة حسني مبارك الصهيونية، وهي وإن كانت لن تأتي بمصر الآن الى منظومة المقاومة، لكن يكفيها الشأن المعنوي لجهة التسبب بإنزال العلم "الاسرائيلي" عن مبنى في القاهرة اتخذ سفارة لـ"اسرائيل"، ورفعها طلباً من "اسرائيل" الاعتذار، كما خرجت اصوات مطالبة بإلغاء اتفاقية كمب دايفد، وذكّرت من يريد ان ينسى بأن "اسرائيل" الصهيونية هي العدو، وان عداوتها تحجب كل ما يحاول الغرب اختلاقه من عداوات لدى خصومها في ما بينهم.



 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024