إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

لمَ "الهجوم الحريري" على الجيش؟

العميد د. أمين محمد حطيط - البناء

نسخة للطباعة 2011-08-30

إقرأ ايضاً


قد يستغرب البعض خاصة ممن لم يتتبعوا مسيرة تيار الحريري في لبنان مواقف احد النواب الحريريين ضد الجيش اللبناني والدعوة الى التمرد عليه والانشقاق عنه. وقد يستغرب ايضا صمت النيابة العامة التمييزية حتى ومفوضية الحكومة لدى المحكمة العسكرية عن تلك المواقف التي اقل ما يقال فيها هو إنها جرائم تحريض على التمرد والإخلال بالثقة والمعنويات العسكرية والنيل من وحدة المؤسسة العسكرية الوطنية. كما انه من المستغرب ايضا كيف انه منذ اربع سنوات نصب فخ للجيش في نهر البارد من القوى الامنية التي تأتمر بأوامر الحريرية السياسية مباشرة .

اما العارف ببواطن الامور فانه يدرك ان السلوك الحريري ضد الجيش هو مدرسة وعقيدة قامت عليهما الحريرية السياسية في الاصل، واذا كانت لا تستطيع في فترات من الزمن ان تترجم هذه العقيدة بالكلام والتصريحات، فانها مارستها بالسلوك العملي منذ ان وصلت الى السلطة وعلى دفعتين: الاولى عند الامساك بالسلطة المالية والاقتصاد الوطني في العام 1992، والثانية بعد الإمساك بكامل السلطة منذ العام 2005. وفي كلا المرحلتين لم توفر الحريرية السياسية الجيش من "فضائلها" حيث بدأت اولا بالتضييق المالي عليه، وحرمت العسكريين من الكثير من الحقوق المكتسبة التي كانت لهم، وحالت دون انشاء المستشفى العسكري المركزي الذي هو احد الاحلام العسكرية التي لم تنفذ حتى الآن (رغم مجانية الطبابة العسكرية كما ينص القانون، فإن عائلات العسكريين تضطر لتحمل بعض النفقات من اجل استمرار الطبابة العسكرية في الحد المعقول من الخدمات، فضلا عن اضطرارها لشراء جزء كبير من الدواء بسبب عدم توافره في الصيدلية العسكرية)، فضلا عن شح مطبق في الاموال المخصصة للتسليح والتجهيز. والكل يذكر امتناع وزير مال الحريري عن توقيع معاملة صرف اموال السيارات العسكرية في العام 1994 ما اضطر الضابط الذي كان مولجا بالمراجعة الى القيام بالمقتضى الذي ادى الى التوقيع. ثم ولا ننسى محاولات استقطاب قادة الالوية المسلمين أو فرض ضابط في هذا الموقع او ذاك للإمساك بقرار القيادة او التأثير فيه، لكن وطنية هؤلاء ومناقبيتهم اجهضتا المحاولة واستمر الجيش موحدا تحت راية قيادته الوطنية التي استعصت على كل إغراء وترهيب. بقي الجيش متماسكا متمسكا بعقيدته الوطنية التي توحّد عليها مؤكدا انه جيش للوطن كله لا جيش طائفة أو فرد او منطقة.

ولكن بعد ان وضعت الحريرية السياسية يدها على السلطة بكاملها في لبنان اعادت المحاولة وكان احتواء الجيش احد اهدافها عبر تغيير العقيدة العسكرية ثم وضع اليد عليه ولكنها فشلت ولمست استحالة الامر وهو ما اضطرها إلى إنشاء المؤسسات البديلة، (التركيز على قوى الامن الداخلي وانشاء شعبة مخابرات رديفة خارج النص القانوني) وتصعيد التضييق على الجيش على الصعد كلها (حتى ان مستحقات العسكريين من متأخرات تعويضات تعديل سلسلة الرتب والرواتب لم تدفع رغم وجود قانون يفرضها، ثم صدور قانون لاحق يؤكد عليها. وعند محاصرتهم بالامر، قسطوا الدفع واقتطعوا جزءا ما زال معلقا منها لم يدفع) .

وهنا نصل الى السؤال الكبير: لماذا هذه العدائية الحريرية للجيش؟

ومن اجل الإجابة، نعود الى الذهنية الحريرية في ممارسة الشأن العام التي تقوم على فكرة التملك والاستئثار ومنطق ان كل شيء يشرى بالمال. وقد اصطدمت هذه الذهنية بالمناقبية العسكرية للجيش اللبناني واستعصى الجيش على هذا الامر، فكان الموقف المستجيب للفرع الآخر الذي تتعامل به فئات الاستئثار بالسلطة "لنا او للنار". والحريرية السياسية ترى اما ان يكون الجيش اداة لها تستعمله لمصالحها بعد ان تروضه كما روضت قوى الأمن الداخلي وامتلكتها بكل مفاصلها الى الحد الذي باتت فيه جهازها الأمني والاستخباري الخاص، او ان يُهمّش ويُطعن به ويشنع بمواقفه المتوازنة المتخذة من اجل المصلحة الوطنية. والكل يذكر ان احدا من نواب الحريرية تلك لم يوجه كلمة ثناء أو دعم للجيش في مواقفه وقتاله ضد "اسرائيل"، لكنهم احتضنوا وتضامنوا مع نائب منهم انطلق بهجوم افترائي على الجيش ومخابراته لانها القت القبض على مجرم استهدف تجمعا مدنيا في الشمال، وتبين ان المجرم هو مرافق النائب (ويكون النائب بحسب مسؤولية الرئيس عن المرؤوس مسؤولا ايضا عن الجريمة المرتكبة) .

نعم، يريد الحريريون من الجيش ان يكون الاداة القمعية ضد مناوئيهم، يريدون منه ان يستجيب لاوامر اسيادهم في الخارج وان يدخل في حرب ضد المقاومة تؤدي الى تدمير جناحي قوة لبنان، يريدون لبنان الضعيف الذي يأمره السفير الاميركي وينصاع لطلبات "اسرائيل". من اجل ذلك قامت سياستهم على اخضاع الجيش او محاصرته لانهم لا يتقبلون فكرة وجود جيش للوطن وفكرة الوطن القوي بجيشه ومقاومته، وان هجومهم اليوم على الجيش يتكامل مع هجومهم على المقاومة وسلاحها.

واذا كانت هذه ارادتهم، يبقى ان نسأل عن موقف لبنان الرسمي والشعبي خصوصاً الاجهزة الرسمية في الدولة: أين مجلس الوزراء الذي من المفترض انه "غير حريري" وانه تآلف من اكثرية لا حريرية فيها؟ واين مواقف الهيئات القضائية والنيابية في الدولة؟ اليس من واجب المسؤولين ان يهبوا لحماية جيشهم، وفرض المحاسبة؟

المنطق والقانون يفرضان المساءلة، لكن يبدو ان الحسابات والمصالح الضيقة لهذا المسؤول او ذاك ستبقي المعتدي على الجيش خارج دائرة الملاحقة، لان لبنان، وللأسف، بلد ارسي على منطق معكوس، تجد فيه المسؤول او القائد اكبر من وطنه، ولا بأس ان يحترق الوطن من اجل فرد او من اجل فئة او طائفة، لان وطن البعض هو فئته وطائفته، اما الوطن اللبناني فلا يعنيه ولكننا نحن نرى ان هذا الوطن سيبقى مصونا بحراب الجيش وعقيدته، والمقاومة وسلاحها، والمخلصين من شرائح الشعب منتظرا من يدخل اليه بعقيدة وطنية ترذل الطائفية والقائلين والعاملين بها، كما ترذل التسلط والاستئثار .

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024