إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

دلالات استراتيجية لتشكيل حكومة لا «حريرية»

العميد د. أمين محمد حطيط - البناء

نسخة للطباعة 2011-06-17

إقرأ ايضاً


دون الخوض في أسباب تأخر تشكيل الحكومة في لبنان لنيف وأربعة أشهر، وقد اصبح الامر وراءنا، فان التوقف عند الصدمة التي احدثها التشكيل ومفاعيله يكون هو الاهم حيث نسجل ما يلي:

1 ـ لم تستطع اميركا ان تحقق ما تريد وما ابتغته سابقا من منع التشكيل للتسبب بالفراغ القاتل. وبعد ان كانت لازمة القول: «لا تشكيل و لا اعتذار بل استمرار في الانتظار»، حشر الفريق الوطني الآخرين مقدما كل التسهيلات الممكنة حتى والتي لا يمكن اعتبارها غير ممكنة في الاحوال العادية عبر القفز عن أعراف دستورية وميثاقية وتنازل عن حقوق، وقال لأميركا نحن قادرون على تشكيل الحكومة كما رأيت قدرتنا على إسقاط من يأتمر بامرك حتى ولو كان داخل البيت الابيض. وان في التشكيل وبصرف النظر عن الاسماء والحصص، نصر استراتيجي يحجب اي خسارة جزئية او شخصية. لانه في المعارك الوطنية يكون السؤال من انتصر وليس كم خسر، فالخسارة التكتية مع الانتصار الاستراتيجي تُعَوَّض والربح الفردي مع الخسارة العامة لا تكون له قيمة. وهنا قد يظهر بعض مكونات الاكثرية النيابية بانهم لم يحققوا طموحهم في التشكيل، ويكون السؤال الجدي الموجه لهم هل انتم في السلطة لمصلحة عامة ونفع عام وخدمة لمشروع استراتيجي واحد ام ترون السلطة وسيلة لتحقيق النفع الخاص؟ واعتقد ان الاجابة ستكون بان المصلحة العامة اولا. وبالتالي طالما ان الفريق الوطني هو الممسك بالقرار فان امر هذا المقعد الوزاري او ذاك يبقى تفصيلا، في مسيرة تحقيق الاهداف الاستراتيجية.

2 ـ لقد اخرج التشكيل وبهذه االصيغة الفريق الحريري الممثل للمشروع الوهابي من الحكم وأظهر ان لبنان قادر على انتاج سلطة تحكمه حتى ولو لم يشارك فيها هذا الفريق الذي وضع يده على الدولة لنيف وعشرين عاما (جزئيا احيانا وكليا في السنوات الست الماضية)، وتسبب في تحويل لبنان الى «مشيخة حريرية» وانشأ الادارة الرديفة التي عطلت المؤسسات الرسمية او حجبتها او صادرت قرارها، وقبل ذلك عطل الدستور وتخطى الميثاق وأهدر المال العام (11 مليار دولار لا يعرف كيف انفقت) وحكم بدون موازنة منذ ان قبض على السلطة في ربيع الـ 2005 وحتى اليوم.

3 ـ لقد استكمل التشكيل وبهذه الصيغة ما بدأ في 7 ايار 2008 من تدابير دفاعية تحمي الوطن ومقاومته. ومع حكومة كهذه باتت عقيمة الاملاءات الغربية للنيل من المقاومة سواء في الداخل أم عبر ما يلفق لها من اتهامات في المحكمة الكرتونية المسماة «محكمة خاصة بلبنان» تدعي انها تبحث عن قاتل رفيق الحريري وتعمل حقيقة على ملاحقة من يعادي «إسرائيل». وهنا سيكون على الدولة التي لها سلطة تنفيذية تمارسها الحكومة المشكلة سيكون مطلوباً منها ان تتصرف بما يحمي الشعب ويظهر الحقيقة ويسقط الافتراءات، فترتاح المقاومة وتصرف الجهد المخصص للدفاع عن الذات في الداخل، تصرفه في مواجهة العدو، وهنا لا بد من التذكير بأن رئيس الحكومة لم يقر الا بالتزام واحد هو حماية المقاومة.

4 ـ لقد وضع التشكيل حدا لاستعمال لبنان وقراره الرسمي منصة ضد سورية او اتخاذ لبنان قاعدة ينطلق منها الارهابيون لزعزعة الامن والاستقرار السوريين، وبحكومة كالتي شكلت لن يبقى مبرر لأي تقاعس في ملاحقة من يعكر صفو العلاقات اللبنانية السورية، وفي هذا تبدل استراتيجي نوعي للوضع في المنطقة يستفيد منه لبنان وسورية وعبرهما الموقف السيادي الاقليمي الرافض للتبعية الغربية.

5 ـ اعاد التشكيل هذا للمسيحيين وجودهم الفعلي في السلطة بعد تهميش تام او جزئي لعقدين من الزمن، وسيكون لهذه العودة اثر في طمأنتهم الى مواجهة مشروع تهجيرهم من المنطقة، وفقا لما خُطّط له وبُدئ بتنفيذه في العراق، عبر تهميشهم في السلطة وتخويفهم في الشارع. وان الوجود المسيحي الفاعل في الحكومة كما هو الآن يكون من شأنه إعادة دورهم وإبعاد الخطر عنهم.

6 ـ أعطى التشكيل في الصورة التي تمت فرصة لمحاسبة ومعالجة الجرائم والفظائع التي ارتكبتها المشيخة الحريرية خلال اغتصابها للحكم في لبنان، وفي ذلك بارقة امل بان نكبح الفساد ونجري الاصلاح بحد معقول.

لقد وضع تشكيل الحكومة لبنان في موقعه الصحيح لجهة العلاقة المميزة مع سورية وتمسكه بالمقاومة والعنفوان الوطني، دون ان يستفز احداً او يستدعي عداء احد الا من كان يريد استعمار لبنان او الاستئثار بحكمه، ولان لهذا التشكيل من المفاعيل ما ذكرنا ومعظمها ذات طبيعة استراتيجية لم نفاجأ بردة الفعل الغربية والاميركية فضلا عن الحريرية، حيث جاء تصرفهم من اجل حماية الانحراف القائم في الدولة عبر الهيئات والدوائر الخارجة في وجودها او ممارستها عن الدستور والقانون، فشنوا هجوما وقائياً لمنع التصحيح والاصلاح، من اجل ابقاء الادارة الحريرية المغروسة في الدولة من غير مس. وهذا سيكون التحدي الذي على الحكومة ان تنجح فيه، ونرى ان نجاحها سهل، اذ يكفي ان تمتلك الارادة وتطبق الدستور والقانون وتبادر للعمل متسلحة بتأييد ثلاثة ارباع الشعب اللبناني على الاقل. اما التردد و الخوف والسقوط فريسة التهويل والحرب النفسية فانها ستشكل كارثة تحيق بالاكثرية الوطنية كلها، او لن ينجو احد من مكوناتها من الخسارة.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024