إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

القرار الاتهامي..والتخلف عن تحقيق الأهداف

العميد د. أمين محمد حطيط - البناء

نسخة للطباعة 2011-07-01

إقرأ ايضاً


في الحروب تلجأ الجيوش عادة الى ما يتاح لها من أسلحة، تستعملها وفقا لما تملكه من امكانات وخبرات ولما تتيحه البيئة التي تتحرك فيها من ظروف، وتنسحب هذه القاعدة على المواجهة القائمة بين المشروع الغربي الاحتلالي والمشروع الاقليمي السيادي الذي انتظمت فيه دول وتنظيمات اعتمدت المقاومة والممانعة اساسا في مواجهة اصحاب المشروع الاول الذي اعتمد من الوسائل كل ما تهيأ له من اسلحة نارية وغير نارية خاض بها الحروب، وتدابير اقتصادية حاصر بها الشعوب، واعتمد اخيرا بعد الحروب النفسية والاعلامية على سلاح رآه سهل التقليب ومأمون الفاعلية، ومنخفض الكلفة برأيه وهو ما سُمِّي «العدالة الدولية» او القضاء الدولي المتعدد التسميات والهيئات: من المحكمة الجنائية الدولية التي تلاحق كل من لا ينصاع للاوامر الاميركية بعد ابتكار الفعل – الجريمة التي تلصق به ثم يلاحق بها الى المحاكم الجنائية الخاصة كما كانت الحال في يوغوسلافيا، واخيرا المحكمة الخاصة بلبنان التي ادُّعِيَ بأنها أقيمت لإحقاق العدالة ومعاقبة من قتل رفيق الحريري النائب اللبناني الذي كان رئيسا سابقا للحكومة. هذه المحكمة التي بدت منذ بذرتها الاولى المسماة لجنة تقصي الحقائق وحتى صيغتها الراهنة، اداة انتقام سياسي وملاحقة تعقبية لنظام أو تنظيم مقاوم رفض الخضوع لـ»إسرائيل» ونظّم مقاومة هزمتها واخرجتها من لبنان.

في البدء، لا بد من التذكير باننا ندين القتل ونطالب بملاحقة الجاني أياً كان ولكننا نذكر ايضا بان لا صلاحية لمجلس الامن الدولي في التدخل في شأن لبناني داخلي يتعلق بجريمة وقعت على ارض لبنان، وأودت بحياة لبنانيين، لان الصلاحية هنا هي حصرا للحكومة اللبنانية، ولا يجوز لها ان تتنازل عن شأن سيادي خاصة من غير الرجوع الى مجلس النواب وبتجاوز رئيس الجمهورية (و مع هذا فعلت). والنتيجة وفي حكم القانون تعتبر المحكمة الخاصة بلبنان محكمة مفروضة عليه من خارج ميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي هي غير شرعية.

و في مجريات التحقيق وما رافقها من تسريبات، نذكر بأنه لم توجد قضية جنائية نالت من التدخل السياسي والانحراف والتحريف عن المسار القانوني الجنائي مقدار ما لحق بهذه المحكمة وتحقيقاتها من التوقيف التعسفي الى التسريب الاعلامي الى التهديد بالقرار الاتهامي وتوقيت صدوره الى الارتكاز على الشهود الزور ثم الامتناع عن محاكمتهم وصولا الى منحهم الحماية التي لا يقرها نظام قانوني او اخلاقي في العالم، وبالنتيجة نرى انه لا يوجد رجل قانون عاقل وموضوعي يستطيع ان يمنح هذه المحكمة وتحقيقها ثقة ما او يؤمن بمصداقيتها، بل على العكس فإن كل ما تعلق بهذه المحكمة يقطع بانها ليست اداة قانون وقضاء جنائي، بل اداة حرب وانتقام سياسي. ولانها كذلك وبعد ان اثبت الفريق المستهدف بالمحكمة طبيعتها غير القانونية وغير القضائية تلك اعلن تبرؤه منها واخرجها من دائرة اهتماماته وانشغالاته. خاصة وانه رأى ان المفاعيل محدودة بالنسبة إليه بعد ان صاغ الامور وتحكم بالبيئة بشكل يدفع الخطر.

ففي الاستعمال الاساسي الذي رمى اليه الممسك بزمام المحكمة – الدائرة الحربية السياسية تلك، نجد أنه كان مبنيا على خطة تبدأ باتهام مترافق مع عملية تحريض ضد المقاومة وجمهورها، ثم يتطور الامر الى فتنة توقع بين اللبنانيين المحتضنين للمقاومة واللبنانيين الذين يغرر بهم طائفيا ضدها، وبعد صراع ينهك المقاومة تأتي «إسرائيل» وتنتقم وتصفي حسابتها معها، ولكن الواقع سفه القصد لان الفتنة اليوم متعذرة واحتمالها ضعيف، ورغم ما تقوم به وسائل الاعلام المحلية والاجنبية المرتبطة بالمشروع الغربي من تحريض فإننا نجد الاستجابة شبه معدومة له، واذا سقط بعض المغشي على ابصارهم في الامر فإننا نعتقد بان القوى المسلحة الرسمية وقدرات الفريق المستهدف قادرة على خنق الفتنة في المهد.

، اما عن «إسرائيل» فاننا نرى وبعد فشلها المدوي في مناورة «تحول 5» فانها لن تجازف في حرب غير مستعدة لها بفعالية وامان، خاصة ان مئات الصواريخ جاهزة لتتساقط عليها يوميا دون ان تكون قادرة على الاحتماء منها. لهذا نقول ان الهدف الاساسي من اعلان القرار الاتهامي اليوم لن يتحقق.

اما الهدف الثاني وهو ملاحقة المقاومة وحزبها وتسطير مذكرات التوقيف بحقهما وطلب جلبهما الى اقواس «العدالة الاميركية والصهيونية «، فإنه امر ليس جديداً، ومن سينسى ان «إسرائيل» اصدرت الاحكام بالاعدام ومن غير محاكمة بحق قادة المقاومة أو من سينسى ان اميركا تعاقب بالحبس من يضبط متلبسا بالاستماع الى قناة المنار. اذن فإن مذكرة توقيف اضافية او اتهاماً جديداً لن يبدلا من صورة وطبيعة المواجهة بين المقاومة واصحاب المشروع الصهيوني الاستعماري في القيادة الاميركية، ومن اجل ذلك قال الامين العام لحزب الله ان المحكمة التي ثبت قطعياً لديه انها سلاح تقبض عليه اميركا في وجه المقاومة،هي خارج اهتمامات الحزب من حيث الاهمية والصدقية، ويبقى للحزب ان يتخذ من التدابير الدفاعية ما يمنع خطر هذا السلاح من النيل منه، مع الاشارة الى ان الدولة اللبنانية لن تكون باجهزتها في خدمة اميركا وادواتها القضائية رغم كل ما قيل ويقال عن اكذوبة الشرعية الدولية.

وعليه نرى ان المحكمة التي ارادت اميركا ان تتخذها سيفا لقطع راس المقاومة والتأثير في جبهة المقاومة والممانعة، انقلبت في يد من شحذها عصا نخرها السوس لا يقوى من رفعها على ان يهوي بها على احد خشية ان تنكسر في يده، وقد يكون القرار الاتهامي قبل الافصاح عنه اهم منه بعد الاعلان عنه وهنا يطرح السؤال: اذا كانت هذه المحكمة من الوهن والضعف ومحدودية الفاعلية على مثل ما ذكرنا، فلماذا إشهار سيف القرار الاتهامي الذي أصدرته؟

برأينا ان هناك اكثر من احتمال في هذا الشأن:

التشويش على حكومة لبنان الجديدة، التي ستنطلق بعد اسبوع إلى العمل الجدي بعد نيل الثقة وتسدل الستارة على «الحريرية السياسية» التي لن تعود الى لبنان وتحيله مشيخة، وتكون اميركا التي تسببت بإخراج سعد الحريري من الحكم، قد اعطته هذه الورقة كجائزة ترضية لا تسمن ولا تغني من جوع في حقيقتها ولكنها ترضي البسطاء وضعاف النفوس النزاعين الى الكيد والانتقام.

التشويش على نجاح سورية في افشال المؤامرة التي استهدفتها، حيث بدأت اليوم السير في مرحلة التعافي ومعالجة الندوب التي تركها التآمر الخارجي في الجسم السوري.

وقد يقصد منه الآن الضغط على لبنان في مرحلة حكم جديدة، حتى لا يذهب بعيدا في العلاقة مع سورية والتنكر للمشروع الغربي، ولبعض العرب الملحقين به.

ولا نغيّب الاحتمال الرابع الذي ننظر اليه بجدية ايضا رغم انه يعاكس الحال الظاهرة، وفيه القول انه قد يكون آن الاوان لطي هذه القضية الاجرامية بعد ان استنفد امرها.

لكل ذلك لا نرى للقرار الاتهامي الذي اعلن - ولم يكن في ما اعلن جديد يفاجئ المتابعين -، لا نرى انه سيغير شيئاً من الواقع اللبناني فلا فتنة ولا نيل من المقاومة ولا محاصرة للبنان، بل جل ما في الامر أنه قد يكون ترضية لمن خسر، ويبقى قولنا السابق انه لا فتنة ولا حرب قول صالح في الظرف المتكوِّن بعد اعلان هذا القرار.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024