لم يتحوّل بعد حملاً وديعاً وهو الذي يُخفي الكثير من أوراقه في ظهر الغيب الأميركي..!
لكنه يبقى صاحب رقصة الهيلاهوب الشهيرة منذ انقلاب المشهدين الإقليمي والدولي على مشروعه الحلم
بإعادة إنتاج عثمانية جديدة..!
وحتى يكتب الله له أمراً كان مفعولاً فإنّ خطوط سياسته الخارجية العريضة هي التالية:
أولاً: كما كان هدف السياسة الخارجية التركية، عند بداية مرحلة الفوضى الصهيوأميركية في المنطقة العربية، يتمثل في مشروعهم القاضي إلى تحويل تركيا دولة اقليمية ذات تأثير استراتيجي في السياسات الدولية، فإنّ الهدف لا يزال هو نفسه ولم يطرأ عليه أيّ تغيير جوهري وما تغيّر هو الوسائل والأدوات، التي يعتقد الساسة الأتراك وعلى رأسهم الثعلب المراوغ أردوغان أنها تحقق لهم أهدافهم بشكل أفضل.
أيّ انّ جوهر السياسة التركية لا يزال على حاله.
ثانياً: أما السبب الرئيس في ما نشهده من تحوّلات اضطرارية في السياسة الخارجية التركية، إنما يعود الى قناعة أردوغان بوصول مشروع سيده الأميركي، في المنطقة العربية بشكل عام وفي سورية بشكل خاص، ليس فقط الى طريق مسدود وإنما الى الانهيار الشامل نتيجة لإنجازات محور المقاومة البطولية في مواجهته.
ثالثاً: توصل أردوغان وحزبه الى قناعة مفادها انّ الاستمرار في سياسة المواجهة المفتوحة مع محور المقاومة المنتصر تكتيكياً واستراتيجياً لن تقود الى أية نتيجة ولا تحمل أيّ فرص لتكريس دور تركيا كدولة محورية في خدمة مصالح الدول الاستعمارية وحلفها العدواني المسمّى بالناتو، خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني والانتصارات الواسعة التي حققتها قوات الحلف على مدار العامين الماضيين.
رابعاً: ومن بين الأسباب التي أدّت الى ما نشهده في المتغيّرات المتلاحقة في سياسة تركيا الخارجية هي الهزائم المتلاحقة والسريعة التي يشهدها داعش في الميدان العراقي والسوري بشكل لافت، وشروع الدوائر الصهيوأميركية في تنفيذ مشروعها الجديد لاستنزاف محور المقاومة ومعه روسيا، وذلك من خلال نقل المعركة مع الظهير القوي للحلف، أيّ إلى حدود الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وذلك من خلال إقامة كيان معادٍ لحلف المقاومة وصديق للعدو الصهيوني في كردستان العراق وشبه دولة في شمال سورية ما سيشكل عملياً تهديداً وجودياً للدولة التركية.
خامساً: كما أنّ من بين الأسباب، التي قادت الساسة الأتراك إلى إحداث المتغيّرات التي نلاحظها في سياسة تركيا الخارجية، الخلافات التي تشهد تصاعداً مستمراً بين الاتحاد الأوروبي وتركيا واستحالة حصول أيّ تقدّم في موضوع انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي وكذلك الموقف الأميركي الداعم لأكراد الشمال السوري حتى وإنْ اعلن خلاف ذلك.
أيّ خشية تركيا من تحوّل شمال العراق وسورية الى قاعدة تدريب وإمداد وتزويد لقوات حزب العمال الكردستاني التي تقاتل الجيش التركي منذ عقود وتعتبرها أنقرة التحدي الأكبر.
سادساً: وفي ظلّ العوامل المشار اليها أعلاه، وفي ظلّ التعاظم المستمرّ للدور الإيراني في المنطقة والعالم، ذلك الدور، الذي يعتبره أردوغان ثاني أكبر منافس لدور تركيا بعد الدور الروسي، وغير ذلك من العوامل فقد اتجهت السياسات التركية إلى البحث عن سبل لفك العزلة التي بدأت تعاني منها، خاصة في السنتين الحاليّة والماضية. إذ قام الرئيس التركي بإعادة ربط ما قطعه من علاقات مع روسيا وأرسل رئيس وزرائه الى بغداد وأبدى مرونة كبيرة في التعامل مع موضوع الوجود العسكري التركي في شمال العراق، كما بدأ التنسيق مع كلّ من روسيا وإيران في الموضوع السوري باتجاه الموافقه على السيناريوات الروسية الإيرانية المتعلقة بالحلّ في سورية، رغم كونها متطابقة مع توجهات الدولة السورية ورئيسها الذي بقي صامداً بوجه كلّ مشاريع الحرب العالمية المتوحشة ضدّ محور المقاومة منذ العام 2011.
سابعاً: وضمن محاولات الرئيس التركي الرامية الى إيجاد دور سياسي إضافي لتركيا في التعامل مع أزمات المنطقة أقدم على خطوة لتعزيز الانطباع لدى الجهات المعنية، الروسية والإيرانية والأميركية والأوروبية، بأنّ تركيا تتخذ خطوات ذات بعد استراتيجي ستقودها إلى الانفكاك من عبوديتها لحلف الناتو من خلال التوجه شرقاً سياسياً وعسكرياً.
من هنا كانت خطوة قيامها بتوقيع اتفاقية شراء عدد من بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات من طراز أس 400، كما حاولت الحصول على امتياز لإنتاج هذا السلاح في تركيا غير أنّ الحكومة الروسية رفضت هذا الاقتراح لأسباب عديدة.
ثامناً: في هذه الأثناء فإنّ متابعين جدّيين يعتقدون بأنّ الظروف الموضوعية والذاتية لأردوغان ولتركيا كدولة لا تساعد على حدوث تغييرات جذرية في الاستراتيجية التركية. وذلك لأنّ الوضعين السياسي والاقتصادي للدولة التركية لا يسمحان لأردوغان بفكّ ارتباطه بالغرب والتوجه شرقاً بشكل قاطع وفاضح. وهذا ما يعرفه الرئيس التركي جيداً.
وعليه فإننا نرى في صفقة أس 400 ليس أكثر من مناورة نجح أردوغان من خلالها في الحصول على سلاح روسي متطوّر لن يستعمل قطعاً في إسقاط الطائرات الأميركية او «الإسرائيلية»، وإنما في إسقاط الطائرات الإيرانية او منعها من إحداث تفوّق نوعي عليه في حال حدوث أيّ نزاع مسلح مع جارته اللدودة في المستقبل. آخذين بعين الاعتبار بأنّ تركيا ترى في إيران منافساً خطراً في المنطقة العربية على الرغم من حالة الاستقطاب والعداء التي تفتعلها الأنظمة العربية العميلة ضدّ إيران.
وما يؤكد هذه المعلومات هو قرار أردوغان بعدم دمج منظومات أس 400 في أنظمة الدفاع الجوي التابعة لحلف الناتو في تركيا. أيّ الاحتفاظ بحق استخدام هذه الأنظمة للدولة التركية فقط. ما يعني أنّ هذه الخطوة ليست إلا جزءاً من الاستعدادات الأردوغانية لأيّ مواجهة مع إيران.
تاسعاً: لذلك فإننا نقول إنّ التوجهات الجديدة في سياسات أردوغان تجاه الازمة السورية، والتي من بينها توافقه مع الجانب الروسي والإيراني على إيجاد صيغة مناسبة لحلّ مشكلة إدلب، وإخراج القوات التركية من الشمال السوري، عند نقطة ما في مسار معالجة الأزمة السورية، وتسليم مناطق الشمال كافة للجيش السوري، ليست سوى إجراءات اضطر للموافقة عليها لإبعاد خطر ارتدادات هزيمة داعش على الداخل التركي. وبالتالي هي ليست نتيجة تغيّر استراتيجي في الأهداف التركية.
سيستمرّ أردوغان في المناورة حتى يتأكد من مدى عمق التغيّر في السياسة الخارجية الاميركية، وفيما إذا كانت هجرة المغامر الأميركي الى بحر الصين ماضية قدماً، وانّ الاهتمام الاميركي بـ «الشرق الأوسط «سيتراجع بالفعل مما يعزز الدور الروسي في هذا الجزء من العالم ام لا؟
فإذا ما تأكدت حقيقة الرحيل الأميركي شرقاً، فإنّ سياسات أردوغان قد تشهد إعادة تقييم استراتيجي بهدف وضع الأسس لتعميق شراكة تركيا مع دول الحلف المعادي للاستعمار من خلال منظمة شنغهاي للتعاون، ومن خلال تعميق التنسيق العسكري مع روسيا في محطات عدة.
وعندها سنرى ما إذا كان سيد البيت الأبيض سيتحمّل أردوغان أو سيقرّر التخلص منه واستبداله بمن هو أقدر على صيانة الأمانة – الناتو.
بعدنا طيّبين، قولوا الله…
|