تحاول واشنطن عبثاً تأخير إعلان هزيمتها التاريخية المدوية امام مشروع المقاومة…! وذلك من خلال تبديل أسماء ميليشياتها، بعد توالي الهزائم عليها في أكثر من عاصمة عربية وإسلامية، ظناً منها انّ تبديل الجلد كفيل بإطالة عمرها الاستعماري.
وكما بدأت غزوها الحديث لبلادنا عبر الحرب بالوكالة من أفغانستان ها هي تحاول الهروب المنظم من أفغانستان…
1 ـ يعود تاريخ العمل السري للمخابرات المركزية الأميركية في أفغانستان الى حقبة الوجود العسكري السوفياتي في هذا البلد، خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي، حيث كانت سي أي آي هي الجهة التي تقدّم الدعم اللوجستي فيما تقدّم السعودية الدعم المالي للمجموعات الجهاهدية الأفغانية آنذاك. وكان أسامة بن لادن هو المنسّق الرسمي لنشاطات المجموعات الأفغانية التي تقاتل القوات السوفياتية.
2 ـ بدأت وكالة المخابرات المركزية الأميركية، بالتعاون مع الاستخبارات العسكرية الباكستانية وبتمويل سعودي أيضاً. بإنشاء ميليشيا مسلحة جديدة، تحت قيادتها وإدارتها المباشرة، وذلك مع بدء انسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان سنة 1989.
تلك الميليشيا التي كانت قد أعدّت مسبقاً، أيّ قبل الانسحاب السوفياتي، في مدارس باكستان الدينية المموّلة من آل سعود، وهي حركة طالبان، التي كانت تدعو لـ الجهاد العالمي مما أدخلها في نزاع مسلح مع المجاهدين الأفغان انتهى باستيلاء حركة طالبان على الحكم في أواسط تسعينيات القرن الماضي.
أيّ انّ الولايات المتحدة، بالتعاون مع آل سعود، قد زرعت بذور الفوضى الشاملة الحروب الأهلية والإرهاب في أفغانستان منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، خاصة أنها أفشلت محاولة دبلوماسية، قامت بها منظمة التحرير الفلسطينية على سبيل المثال، وهدفت الى إقامة حكومة متفق عليها بين الاتحاد السوفياتي والمجاهدين وملك أفغانستان السابق، الملك محمد ظاهر شاه، ورئيسة الوزراء الباكستانية آنذاك، بنظير بوتو.
فالولايات المتحدة، عبر المخابرات المركزية الأميركية، كانت هي من أفشلت هذا الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه بعد اتصالات وجهود مضنية مع الأطراف المعنية وفي ثلاث قارات من قارات العالم.
3 ـ والآن ومع قرب التوصل الى اتفاقية وقف لإطلاق النار، بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، تمهّد لانسحاب القوات الأميركية وقوات حلف الناتو من أفغانستان، فإنّ من الضروري الإضاءة على السياسة الميليشياوية، التي تواصل الولايات المتحدة تنفيذها في هذا البلد، من خلال إنشائها لتنظيمات مسلحة جديدة ميليشيات منذ احتلالها لأفغانستان في شهر تشرين الأول 2001.
4 ـ وأشهر هذه التنظيمات وأكثرها قوة وتسليحاً هو تنظيم: قوات حماية خوست Khost Protection Force والتي تدار عبر غرفة عمليات لها في قاعدة المخابرات المركزية الأميركية التي تسمّى: قاعدة شابمان CIA s Camp Chapman والموجودة في مقاطعة خوست الأفغانية، جنوب شرق العاصمه كابل.
علماً انّ إجمالي تعداد هذه الميليشيات، التي تموَّل وتدار بالكامل من قبل المخابرات الأميركية، قد وصل الى ثلاثة عشر ألف رجل منتشرين في معظم أنحاء أفغانستان.
5 ـ أما عن علاقتهم بالاتفاق، المزمع إعلانه قريباً بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، فهو طرح موضوعهم، من قبل المفاوض الأميركي سلمان خليل زاد، على طاولة البحث مع طالبان، حيث طلب خليل زاد ضمانات من طالبان لأمنهم بعد انسحاب القوات الأميركية. وهو الأمر الذي ترفضه طالبان، حتى الآن، مما يؤخر الإعلان عن الاتفاق، أملاً من الطرف الأميركي في التوصل الى صيغة ما، تحافظ على عنصر التفجير هذا الميليشيات لاستخدامه مستقبلاً، الى جانب فلول داعش، التي نقلتها طائرات سلاح الجو الأميركي من سورية والعراق ونشرتها على حدود أفغانستان مع إيران وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة شمالاً.
6 ـ إذن فالولايات المتحدة الأميركية، وكما يتضح من المشار إليه أعلاه، تقوم بإنشاء تشكيلات مسلحة وزرع بذور الفوضى والحروب قبل ان تنسحب من أيّ مكان. فما يعيق انسحابها من سورية والعراق، هو استكمال تدريب وتسليح القوات العميلة، سواء في شمال شرق سورية أو في مناطق أخرى، والتي يجري تدريبها وإمدادها بالسلاح في قاعدة التنف في سورية وفي قواعد أميركية أخرى في الأردن، كما في قاعدة عين الأسد غرب بغداد وفِي قواعد ميليشيا البرزاني الكردية والتي يشرف على تشغيلها وتحريكها ضباط من الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.
7 ـ وهذا بالضبط هو العامل الذي يحدّد موقف المراوغ الأطلسي، أردوغان، في ما يتعلق بمحافظة إدلب وغيرها من المحافظات السورية المحتلة أميركياً أو تركياً. انه أمر عمليات القيادة المركزية الأميركية للمنطقة الوسطى، ومقرّها قاعدة العيديد في قطر، الذي يقضي بإيجاد الترتيبات الضرورية، للحفاظ على المجموعات المسلحة، في سورية والعراق كقوات احتياط، يمكن للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ان يناوروا بها، في الزمان والمكان الذي يقرّرونه مستقبلاً.
وبكلمات أكثر وضوحاً فإنّ ذلك يعني: الحفاظ على هذه العصابات المسلحة، سواءً في العراق، حيث يقوم الجيش الأميركي بهذا الدور، أو في سورية حيث يتشارك الأميركي والتركي تنفيذ مؤامرة إطالة عمر العدوان على سورية، من خلال تغليف ذلك بغلاف ما يطلقون عليه الحلّ السياسي، أو في العراق من خلال ما يسمّونه استكمال محاربة داعش ومواجهة تعاظم النفوذ الإيراني في هذا البلد.
8 ـ أما ما يغيب عن بال المخططين الاستراتيجيين الأميركيين فهو عامل الانقلاب الذي شهدته موازين القوى، في المنطقة والعالم، والتي لم تعد تسمح لهم بفرض إرادتهم وهيمنتهم على الشعوب كما كان الأمر في العقدين الماضيين. الأمر الذي يجعل تكتيكاتهم تلك، ايّ المناورة بالعصابات الإرهابية المسلحة هنا وهناك، عاجزة عن تحقيق أهدافهم، وبالتالي فإنّ عليهم البحث عن استراتيجيات تنطلق من موازين القوى الدولية المستجدة والاعتراف بهزيمة مشاريعهم وفتح مسار جديد في سياساتهم، بالعودة الى الأسس والقوانين الدوليهة، التي يجب ان تحكم علاقات الدول بين بعضها البعض، ما يخلق الأرضية لعلاقات متوازنة بين الدول ولاستقرار سياسي على الصعيد الدولي سيمثل القاعدة الصلبة لمسار اقتصادي اجتماعي دولي يمنع إشعال الحروب ويبعد الأزمات الاقتصادية والمالية عن دول وشعوب العالم أجمع. كلّ هذا شرطه استخدام واشنطن لعقلها وهو ما بات مشكوكاً فيه كثيراً في عهد إدارة ترامب المتخبّطة في استراتيجيتها والغارقة في التيه الإسرائيلي .
بعدنا طيّبين قولوا الله…
|