نتفق تماماً مع صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، في ما نشرته يوم 22/3/2018، حول أن فريق ترامب للسياسة الخارجية والأمن هو الأكثر تطرفاً في تاريخ الولايات المتحدة الحديث.
ولكننا نضيف إلى ذلك أن هذه الصقور التي تعنيها الصحيفة أصبحت صقوراً بلا مخالب أو ذئاباً بلا أنياب.
وبما أن الشيء بالشيء يُذكر فإن من الضروري التذكير بأن جون بولتون، المعين مستشاراً للأمن القومي الأميركي، ليس ذلك الصقر الذي ينقض على الفريسة ليمزقها إرباً إرباً، بل إنه ليس أكثر من بوم ينعق بالخراب ليس إلا.
حيث إن هذا «الصقر» قد تهرّب من الخدمة في الجيش الأميركي سنة 1969، اَي عندما أصبح في سن الخدمة العسكرية الإلزامية، وذلك من خلال مشاركته بنظام قرعة كان مستخدماً آنذاك في الولايات المتحدة ويُطلق عليه اسم: قرعة حرب فيتنام.
وكان المقترع، حسب ذلك النظام يسحب ورقة من مكان مخصّص لذلك في مكتب التجنيد المعني ليجد عليها رقماً هو اليوم رقم كذا من أيّام السنة. وكان أن تبين بأن الورقة التي سحبها جون بولتون كانت تحمل الرقم ١٨٥. أي أنه كان سيُستدعى للتجنيد بعد ٨٥ يوم من تاريخ القرعة..وبما أن القانون الأميركي كان يسمح لمن هم بانتظار الاستدعاء أن ينضموا الى الحرس الوطني الأميركي، الذي لا يشارك في الحروب، فقد اختار بولتون أن يحتال على قانون الخدمة العسكرية وأن يتملّص منها تفادياً للتجنيد والمشاركة في حرب فيتنام. وبالفعل خدم مدة أربع سنوات في الحرس الوطني ثم أحيل إلى الاحتياط ولَم يشارك أبداً في حرب فيتنام التي قال عنها يوماً، سنة 1969: ليس لديّ اَي مصلحة في الذهاب للموت في إحدى مزارع الأرزّ في آسيا…!
صحيح أنه لا يتوقف عن إطلاق المواقف المتطرفة، بدءاً من موقفه من وجود الأمم المتحدة التي أعلن مراراً عدم اعترافه بوجودها، رغم أنه كان سفير بلاده فيها، مروراً بدعواته المستمرة لضرورة تنفيذ الولايات المتحدة الأميركية لضربات عسكرية استباقية، وذلك بهدف أن تثبت للعالم أنها لا زالت القوة الأعظم في العالم.
كما أن مواقفه، سابقاً وحاضراً.، من كل من الموضوع الكوري والإيراني والسوري لا زال على المنوال نفسه ولَم يشهد أي تغيير أو مواءمة مع المتغيرات الدولية وموازين القوى الجديدة في العالم والتي لم تعُد كما كانت في بدايات تسعينيات القرن الماضي، حينما وجدت الولايات المتحدة نفسها سيدة العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
فلا زال جون بولتون يدعو إلى تنفيذ ضربة عسكرية ضد كوريا الشمالية لوقف تسلحها النووي، كما أنه لا زال يدعو الى إلغاء الاتفاق النووي مع إيران بشكل كامل، وليس تعديله فقط. كما أنه يدعو الى اتخاذ الإجراءات، العسكرية طبعاً، اللازمة لوقف تمدّد النفوذ الإيراني ونفوذ حزب الله في «الشرق الأوسط».
هذا إلى جانب مواصلته ترديد مقولة إنه كان على الولايات المتحدة العمل على إسقاط الدولة السورية والرئيس بشار الأسد منذ زمن بعيد.
وبالنظر إلى هذه الصورة «الصقورية» عن هذا الشخص، فإن من المهم طرح السؤال حول تأثيره المحتمل في سياسات الولايات المتحدة تجاه الأزمات المشار إليها أعلاه، بالإضافة إلى موضوعين استراتيجيين على جانب كبير من الأهمية، ألا وهما علاقة الولايات المتحدة مع كل من الصين وروسيا، خاصة أن جون بولتون لا يُخفي دعواته لضرورة اتباع الولايات المتحدة سياسة أكثر تشدّداً مع الدولتين العظميين.
ولعل السبب بالذات، ورغم الصورة النمطية السائدة في الإعلام عن علاقة الولايات المتحدة مع تلك الدولتين، فإن جوهر علاقة ترامب مع الرئيس الروسي تحديداً ليست كما تصوّرها وسائل الإعلام العالمية. إذ نقلت روسيا اليوم، بتاريخ 22/3/2018، عن الرئيس الأميركي تعليقاً على اتصاله بالرئيس الروسي، لتهنئته بانتخابه مجدداً رئيساً لروسيا، نقلت عنه قوله: لقد اتصلت بالرئيس الروسي لتهنئته بفوزه في الانتخابات…، حيث يمكن لهم الروس المساعدة في حل المشاكل مع كوريا الشمالية وسورية ومشكلة سباق التسلّح…
وهذا يعني أن ترامب قد وضع الخطوط العريضة التي سينطلق منها في تنفيذ سياساته المتعلقة بالملفات المذكورة، مما يعني أن جون بولتون سيكون مضطراً الى عدم الخروج عن هذا الإطار لسياسات رئيسه. وهذا ما أكده بولتون بنفسه يوم أمس، عندما سأله الصحافيون، بعد نبأ تعيينه مستشاراً للأمن القومي، حول إمكانية التوفيق بين مواقفه الصقورية السابقة وبين موقعه الجديد، حيث أجاب: أن الرئيس هو الذي يتخذ القرار في نهاية المطاف، ولا يمكن للمستشار إلا أن يكون مستشاراً.
وهذا يعني بأنه وبصفته الوظيفية سيقوم بتقديم الاستشارات للرئيس والتي لا يجب أن تكون مطابقة لتقديرات الرئيس، مما يجعله يتخذ قرارات لا تتوافق مع الاستشارات المتقدّمة من بولتون في بعض الحالات. ولكن إذا ما حاول بولتون وضع الرئيس في أجواء تفرض عليها اتخاذ قرارات مطابقة لمقترحاته، فإن ذلك سيعني بالضرورة حصول شرخ كبير في العلاقة بينهما. وقد تؤدي الى إطاحة جون بولتون حتى قبل إطاحة وزير الدفاع جيم ماتيس الذي سيتمّ الاستغناء عنه مطلع شهر نيسان المقبل.
أي أن إمكانية أن يلاقي جون بولتون نفس مصير مستشار ترامب الأول للامن القومي، مايكل فلين Michael Flynn، الذي تم تعيينه بتاريخ 22/1/2017 بينما طُرد من المنصب بتاريخ 1/2/2017، اَي بعد أسبوع واحد من تعيينه.
علماً أن مادة الصدام بين ترامب وبولتون كبيرة جداً، وذلك لأسباب عدة أهمها:
أولاً: القمّة المقرّرة بين الرئيس الكوري والرئيس الأميركي في شهر أيار المقبل وإجراءات ترامب العقابية ضد الصين في المجال التجاري والتي ستتسبّب بخسارة خمسين مليار دولار للصين، وما يتبع ذلك من تداعيات يفترض في مستشار الأمن القومي أن يحاول حصرها في الحدود الدنيا من التوتر السياسي بين البلدين.
ثانياً: استحقاق اتخاذ قرار بشأن الاتفاق النووي مع إيران والذي يُفترض أن يتم اتخاذه بتاريخ 12/5/2018. ذلك القرار الذي يفترض في مستشار الأمن القومي أن يعمل على التفاهم مع الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق بشأنه مع عدم الإضرار بعلاقات الولايات المتحدة مع هذه الدول.
فهل سيكون جون بولتون قادرًا على العمل كمستشار للأمن القومي الأميركي أم أنه سيتحوّل الى سيف لـ «الأمن القومي» الإسرائيلي مسلطاً على رقبة الرئيس الأميركي!؟ ولعل من المفيد، في هذا الصدد، التذكير بالمثل العربي القائل: اللهم احمني من أصدقائي وأما أعدائي فإنا كفيل بهم….
لذلك، فإننا ننصح المستشار الجديد بأن لا يسلّم رقبته لصديقه نتن ياهو والآخرين من جوقته، لأنّ ذلك سيقوده الى الهاوية، حيث لن ينفعه غزل الدوائر الإسرائيلية الحاكمة بصداقته لـ«إسرائيل» وبدوره الطليعي في خدمتها.
صديقك الإسرائيلي نتن ياهو يسرع نحو الهاوية فلا تربط حبالك بحبله… وإنْ كنت من النوع الذي لن يسمع النصيحة مثل سيدك بالاستعارة دونالد ترامب… فاعلم أنّ مستقبلكما أنت وترامب أيضاً مسرع نحو الهاوية لا محالة..
إنها نتائج الهجوم الاستراتيجي الذي بدأ في حلب ولن يتوقّف إلا بخروجكم جميعاً من أرض الشام الطاهرة…
واستعدّوا إلى الصعود المزدوج لقوات حلف المقاومة من جبل الشيخ ومن الجليل… إنّكم ترونه بعيداً ونراه قريباً.
بعدنا طيّبين، قولوا الله…
|