بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على الإعلان الأميركي ــــ التركي عن التوصل إلى اتفاق «ممر سلام» شرق سوريا، لإزالة المخاوف التركية على الحدود، ومع غياب تفاصيل واضحة لبنود الاتفاق وآلياته، يدخل الأخير حيز التنفيذ وسط أجواء توحي بانتكاسة قد تصيبه بسبب «تفاصيله» غير الواضحة، ما قد يعيد الطرفين، أنقرة وواشنطن، إلى دائرة الخلافات الأولى
لم يكن إعلان «الإدارة الذاتية» الكردية شمال سوريا وشرقها بدء تطبيق اتفاق «المنطقة الآمنة» إلا إعلاناً لدخول الاتفاق حيز التنفيذ، رغم شحّ المعلومات عن بنوده وآليات تطبيقه. ربّما أرادت واشنطن أن يكون إعلان دخوله حيز التنفيذ عبر «قسد» لإثبات حسن نيّتهم تجاه تطبيق كل البنود، ولإرسال طمأنة إلى أنقرة بجديّة حلفاء الولايات المتحدة في المضيّ في تنفيذ البنود كافة. وجاء إعلان «الإدارة» أول من أمس على لسان رئيس هيئة الدفاع فيها، زيدان العاصي، الذي أكّد أن التحركات والانسحابات للإدارة والقوات التابعة لها تأتي «في إطار التفاهمات الثلاثية». تصريحات العاصي تزامنت مع نشر وسائل إعلام كردية، مقربة من «قسد»، مشاهد تدمير أنفاق وإزالة سواتر ترابية، وتحركات عسكرية قالت إنها لسحب مقاتلين من «الوحدات» الكردية.
في هذا السياق، تكشف مصادر مطلعة، في حديث إلى «الأخبار»، أن المرحلة الأولى دخلت حيز التنفيذ فعلاً، وهي تمتدّ على طول 80 كلم إلى 85 كلم في المنطقة بين تل أبيض ورأس العين في ريفي الرقة والحسكة، مضيفة إن المرحلة الثانية قد تمتدّ من تل أبيض وصولاً إلى عين العرب، والثالثة من رأس العين حتى عين ديوار في أقصى الحدود الشمالية مع الجانب التركي. كما لفتت المصادر إلى إجراءات تنفيذية تم الاتفاق عليها بين أنقرة وواشنطن، «لكن لا توجد تفاصيل دقيقة سوى إبعاد الوحدات الكردية عن الحدود، ومصادرة الأسلحة الثقيلة».
بالتوازي، تكشف مصادر مقرّبة من الفصائل العسكرية المدعومة من تركيا أن اجتماعاً جرى مع قادة هذه المجموعات «من أبناء المحافظات الشرقية» لتوضيح بنود الاتفاق. وتنقل المصادر عن أشخاص حضروا الاجتماع أن الأتراك أوضحوا أن «الاتفاق مرحلي، لترميم العلاقة بين واشنطن وأنقرة، والتمهيد لتغيير الواقع السياسي والعسكري للمنطقة»، مضيفة إن «واشنطن طلبت من أنقرة الموافقة على المنطقة الآمنة بصورة مبدئية لاستيعاب خطر تنظيم داعش الذي لا يزال يشكل تهديداً كبيراً شرق سوريا». وتلفت المصادر نفسها إلى أن «الأميركيين أوضحوا للأتراك أن تهديد قسد بإطلاق مقاتلي داعش وعائلاتهم من السجون والمخيمات جدّي، وسيؤدي إلى كارثة في حال حصول هجوم عشوائي على المنطقة».
*برزت بوادر الخلافات بتناقض التصريحات التركية والأميركية بشأن تفاصيل التطبيق*
في الاجتماع المذكور، أكد الأتراك أن الاتفاق سيمتدّ لمرحلة زمنية قد تطول وتتغير معها المعطيات، ما سيؤدي إلى تغيير سياسي وعسكري تدريجيّ يسمح لتركيا بتنفيذ البنود وفق الشروط التي وضعتها. ولعلّ اللافت في الاتفاق المبهم التفاصيل، التصريحات الصادرة عن واشنطن والأكراد. ويؤكد فيها الطرفان أنه أدّى إلى إيقاف هجوم وشيك على الكرد، وأنه سيضمن أمن المنطقة الشرقية من أي هجمات تركية مستقبلية، وهو ما قوبل بتلميحات من أنقرة إلى أنها ستدخل شرق الفرات دون إطلاق أي رصاصة، الأمر الذي فُسّر على أنه محاولة لإبراز كل طرف أنه الرابح الأكبر.
وجرياً على قاعدة «الشيطان يكمن في التفاصيل»، بدأت بوادر الخلافات بين تركيا والولايات المتحدة بتناقض التصريحات المتعلّقة بتفاصيل التطبيق. فبينما أكد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أن «قوات برية ستدخل شرق الفرات قريباً»، مشيراً أيضاً إلى «استعداد بلاده لتنفيذ خطة بديلة في حال إجبارها على اتباع خطة غير التي تريدها للمنطقة»، شددت مصادر، حضرت اجتماعاً عسكرياً أميركياً مع مجلسَي تل أبيض ورأس العين العسكريين، على أن «الأميركيين أكدوا للحاضرين أن الوجود التركي ضمن المنطقة الآمنة سيكون بصورة دوريات مشتركة مع التحالف دون تثبيت أي نقاط».
في هذه النقطة، يوضح الرئيس المشترك لـ«مجلس سوريا الديموقراطية»، رياض درار، أنه لن يكون هناك «قدم لأي جندي تركي في شرق الفرات»، وأن حضورهم «سيكون حصراً ضمن دوريات مشتركة مع التحالف». درار يضع الاتفاق في إطار «آلية أمنية لحماية حدود البلاد وتحصينها... وكخطوة للتفاهم مع الجانب التركي لإزالة كل المخاوف المتعلّقة بأمن الحدود»، مبدياً تفاؤلاً حيال بنود الاتفاق، إذ إن «المؤشرات توحي بوجود إجماع دولي على قبوله، ما يجعل فرصة تطبيقه كاملاً ممكناً». مع ذلك، يعبّر الرجل، في حديث إلى «الأخبار»، عن توجس «مجلس سوريا الديموقراطية» من أي تحركات تركية «قد تخلق ذرائع لإيقاف الاتفاق وعرقلته»، وخاصة أنه «لم يحدث أي تواصل مع الحكومة السورية حول بنود الاتفاق... (الذي) هو لتحصين البلاد وأبنائها من التهديدات التركية، ولكي يبقى شرق الفرات جزءاً من سوريا المركزية، وعاصمتها دمشق».
بموازاة الجدل حول التطبيق، برز نقاش كردي حول بند عودة المهجّرين إلى الداخل السوري، إذ رآه كثيرون يمسّ بديموغرافية المنطقة في حال كانت العودة عشوائية. وهنا يقول درار إنهم يرحبون بكل العائدين من السكان الأصليين إلى مدن وبلدات شرق وشمال سوريا الخاضعة لسيطرتهم، مشيراً إلى أن غير سكان هذه المناطق سوف يجري استيعابهم ضمن مخيمات داخلية حتى تهيئة ظروف انتقالهم إلى مناطقهم الأصلية، ونافياً في الوقت نفسه «الأحاديث عن تغيّر ديموغرافي للمنطقة».
|