ينساق البعض من اللبنانيين وراء ادعاءات الإسرائيليين، فيصدقون ما تروجه اسرائيل بأن ليس لها مطامع في أرض لبنان ولا في مياهه وأن مشكلتها معه هي مشكلة أمنية بحتة سببها تهديد المقاومة للمستوطنات الشمالية، وإن حل هذه المشكلة يكمن في تجريد المقاومة من سلاحها وإبعادها الى ما وراء جنوب الليطاني وأن مشكلة شبعا ستحل بمجرد أن تقبل سوريا بترسيم الحدود مع لبنان فإذا ظهر أن هذه المزارع لبنانية فإن اسرائيل ستنسحب منها وإذا ظهر أنها سورية فإنها ستخضع لموجبات القرار 242، مع العلم ان الحدود اللبنانية السورية مرسمة بشكل دقيق وواضح بموجب وثيقة موقع عليها بين البلدين تعود الى 27 نيسان 1946 تظهر فيها بوضوح لبنانية مزارع شبعا.
ويصدق هذا البعض أنه بعد ذلك يمكن إقامة علاقات طبيعية مع كيان العدو كأي علاقة تنشأ بين دولتين من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من الخطأ الجسيم طرح المشكلة بين لبنان وكيان العدو على هذا النحو والتغاضي عن البحث في جذور المشكلة والتي لها أبعاد تاريخية واجتماعية واقتصادية تتجاوز بكثير مسألة مزارع شبعا ومسألة أمن المستوطنات الشمالية. إن هذه المشكلة تعود في أساسها الى طبيعة نشوء إسرائيل وطبيعة تكوين شعبها وكيفية مقاربته لشكل العلاقات التي يجب أن تسود بينه وبين أبناء الأمة من جهة وبينه وبين شعوب العالم من جهة أخرى، فالشعب الإسرائيلي المكون من طائفة اليهود شعب لا يؤمن بالعلاقات التفاعلية بينه وبين شعوب العالم، لأنه شعب ما زال يحتفظ بعصبيات خاصة وهو خليط متنافر له عقائد غريبة وجامدة. وأهدافه تتضارب مع حقيقة الأمة وحقوقها وسيادتها ومثلها العليا تضارباً جوهرياً، وهو حيث يتواجد في مجتمعات العالم يعيش كالفطريات في قلب الهيئات الاجتماعية فهو يأخذ دون أن يعطي، إنهم يؤمنون بمنطق الاستحواذ والسيطرة على كل شيء.
حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح فإن اجابتك الى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك، للتسخير ويستعبد لك (التوراة سفر التثنية).
ولعل ما كتب سيادة المطران جورج خضر في عدد النهار 4 أيار 1996 أبلغ دليل على صحة ما نقول: يقول المطران خضر: «إن المشكلة في الفلسفة الصهيونية لأنها تجعل اليهودي لا يؤمن بالآخر فلسفياً ولا يرى نفسه نداً لآخر. إنه في مفهومه قلب العالم وكاهن الله العلي بحيث تمثل الإنسانية به. أن إسرائيل تجهل حقوق الإنسان من حيث أنه إنسان فإنه هو أو إلهه يحدد حقوق اليهودي وتالياً ما تبقى للأمم من حدود إجلال يهوه خلال إسرائيل.. بسب هذا اللاهوت. فهذه السياسة، لبنان ليس عندهم موجوداً.. إن الدولة العبرية غير قادرة فلسفياً على الانفتاح وأن التطبيع الذي تدعو هي إليه إذاً هو علاقات عيش مؤقت ولا يعني ترحاباً بالآخر ولكنه يعني «مجيء الأمم إلى أورشليم». ولنأخذ مثلاً آخر على طبيعة هذا الخليط المتنافر والخطر والذي يؤكد على ما قاله سيادة المطران. جاء في كتاب بأم عيني للكاتبة اليهودية فيسليا لانفر ما يلي:
«عندما دخلت المدرسة الإبتدائية كان هناك من قرر بعد إثنتي عشرة سنة سيكون جندياً.. ولكن لكي تحسن استعمال السلاح ولكي لا ترتجف يداك وهي تضغط على الزناد، كان عليك أن تكره هؤلاء الذين أعدوك لمحاربتهم ـ العرب ـ وكان يجب أن تحتقرهم بأقسى ما تستطيع. نحن ـ وسوانا صفر لنا كل البلاد ومن سوانا لا وجود له ما أتفه العرب هكذا بدوا في عينيك بالقياس الى كل هذا المجد، السلام يأتي فقط بعد أن تنتصر على العرب في الحرب أو ليسوا لا يفهمون إلا لغة القوة».
جاء في سفر يشوع: «من البرية ولبنان إلى النهر الكبير نهر الفرات يكون تخمكم»
جاء في العهد القديم انه عندما دخل العبرانيون (اليهود لاحقاً الى جزء من اراضي كنعان (فلسطين اليوم) بواسطة يشوع لانون خليفة موسى في العام 1220 قبل الميلاد كان هناك أراض واسعة لم يستول عليها في فلسطين ومع ذلك تمّ توزيعها بين أسباط اليهود الإثني عشر بالقرعة وكانت حصة حدود لبنان الحالية مع فلسطين وسوريا من نصيب سبط آشر وسبط نفتالي وسبط دان وسبط منسى وفي التدقيق في الخرائط اليهودية حول حدود هؤلاء الأسباط يتبين أن 95% تقريباً من مزارع شبعا وكامل مرتفعات كفرشوبا والجزء اللبناني من جبل الشيخ هي حدود سبط منسى.
أما الجزء الجنوبي الغربي الصغير من مزارع شبعا فاتبع إلى سبط دان وأراضي سبط دان تبدأ من الجنوب الشرقي من مستعمرة دان الحالية (بلدة الشوكة التحتا سابقاً) في سهل الحولة صعوداً نحو جزء من مغر شبعا والنخيلة وحدود مزرعة خلة غزالة ومعها مزرعة القرن إلى شمال بلدة المجيدية، وبلاط والمحمودية لتنزل حدود هذا السبط إلى جسر الليطاني ليضم كامل بلدتي كفركلا والعديسة نزولاً الى الشرق من بلدة ميس الجبل لتلتقي بخط من شرق ميس الجبل الى جنوب مستعمرة دان أي أن بلدات بلاط دبين ومرجعيون وابل السقي والماري وفشكول والقرن والقليعة والعديسة والخيام إضافة الى الجزء السوري من بلدة العباسية والغجر هم داخل حدود هذا السبط، كما تشمل البلدات التالية في سهل الحولة، المطلة، طلحا، إبل القمح، تلة حبة، الزوق الفوقاني، الشوكة التحتا، تل دفنة، خان الدوير، السنبرية، المنشية، الخصاص، هونين، المنصورة، الخالصة، المنارة، لزازة، الناعمة، البويزية.
أما حدود سبط منسى الشمالية في لبنان فتشمل بلدة كوكبا والشمال في بلدة ميمس والكفير وعين عطا والجزء اللبناني من جبل الشيخ ويشمل الجزء السوري من هذا الجبل والجزء الأكبر من الجولان. ويرى أيضاً أن الجزء اللبناني من جبل الشيخ وأغلب مزارع شبعا اللبنانية وكامل مرتفعات كفرشوبا أي جزء من وادي التيم و90% من العرقوب داخل حدود هذا السبط. وان الحدود الشمالية لسبط آشر تشمل بلدة ابو الاسود على الشاطئ الجنوبي في لبنان وجنوب بلدة عدلون حتى غرب مدينة النبطية ومن غرب النبطية نزولا الى ميفدون والقصير وتولين وغرب صفد البطيخ، وحداثة وغرب بلدتي دبل ورميش وحتى الحدود الفلسطينية، اليوم لتنتهي حدود هذا السبط في شمال مدينة حيفا.
اما الحدود الشمالية لسبط نفتالي فتبدأ من غرب النبطية، وحتى بلدة المحمودية نزولا من هذه البلدة وحتى غرب بلدة ميس الجبل ومن غرب مدينة النبطية ومن غرب بلدة رميش لتنتهي في فلسطين، في نهاية غرب بحيرة طبريا ليشمل معها جزءاً كبيرا من سهل وكامل غرب بحيرة الحولة.
اننا نعارض اندماج اليهود في المجتمعات غير اليهودية (بنيامين نتنياهو 21/حزيران/1996)
وكترجمة عملية لهذه الافكار جاء اليهودي الفرنسي، شارل نطر الى فلسطين في 5 نيسان 1870 لتشييد مزرعة زراعية قرب يافا هدفها تدريب المهاجرين اليهود على العمل الزراعي في فلسطين وذلك بدعم وتمويل من اليهودي الفرنسي ادمون روتشيلد، وفي عام 1871 قدمت بعثة يهودية اوروبية بطلب من شارل نطر الى فلسطين. وقامت بزيارة جبل الشيخ وخرجت باقتناع انه اذا ضم نهر الليطاني وجبل الشيخ بما فيهما مزارع شبعا الى فلسطين بالامكان اسكان خمسة عشر مليون يهودي في فلسطين (الدولة اليهودية القادمة) واذا لم تتمكن من ضم هذه المناطق الى الدولة اليهودية فليس بالامكان اسكان سوى ثلاثة ملايين يهودي.
اذا من هنا نستطيع ان نستخلص مدى الاهمية الاستراتيجية التي توليها اسرائيل لمنطقة مزاع شبعا اضافة الى اهميتها الدينية في الفكر الاسرائيلي، ان هدف اسرائيل من السيطرة على الموارد المائية في المنطقة له بعد آخر الا وهو تنمية الموارد الاقتصادية التي تؤمن لاسرائيل استقدام المزيد من المستوطنين للسيطرة على ارضنا وذلك تطبيقاً لنظرية شعب بلا ارض لارض بلا شعب. وفي عام 1907 قام حاييم وايزمان رئيس المؤتمر الصهيوني بجولة في لبنان، وبعد انقضاء اسبوعين على رحلته عاد الى حيفا ساعياً للحصول على دعم من اجل صناعات صغيرة اراد ان ينشئها في صيدا ولا سيما معمل لمعالجة الصابون وآخر لمعالجة الليمون ومصنع لزيت الزيتون والهدف من هذه المعامل حسب ما يقول وايزمان السيطرة على صناعة الزيت في المنطقة. ولاحظ وايزمان في اقتراحه بان صيدا مكان صالح من جميع النواحي فالموارد الاولية متوافرة، وهناك مرفأ مناسب وهي قادرة على النمو، وهي تضم سكانا من اليهود وهذا هو الاساس، واجتذبت ايضا العقارات المعروضة للبيع حول صيدا انتباه الصهاينة.
وفي عام 1908 اثار اهتمام حركة هيبات تسيون (احباء صهيون) وهي شبكة لنواد قومية يهودية ظهرت في روسيا وكان لها فرع في بيروت: وجود مزرعة للبيع في صيدا في منطقة النبطية، التي كانوا يعتبرونها حدود اسرائيل الشمالية الغربية. ولقد وصف مكتب احباء صهيون في بيروت هذا العقار بحماسة. واعتبروه جوهرة ثمينة ذات امكانيات هائلة زراعية وسياسية واستراتيجية ومن شأنه ان يعطي الصهاينة موطئ قدم راسخا في ذلك الجزء من ارض اسرائيل الواقع ضمن لبنان ونقطة انطلاق لانشاء سلسلة من المستوطنات اليهودية تربطها بذلك الجزء من ارض اسرائيل الواقع في الجنوب. وقد كتب احد عملاء حركة احباء صهيون يقول لكل امرئ ساعته الفاصلة والساعة الآن هي الساعة الفاصلة للاستيلاء على الارض وسوف تكون خطيئة اذا فوتنا هذه الساعة. هذه الجوهرة يمكنها ان تكون مفتاحا الى موقع قوي في اعالي لبنان عزيز علينا الى هذا الحد.
وفي عام 1908 سنّ العثمانيون قوانين تجعل من الصعب على اليهود وحتى على الرعايا العثمانيين شراء الاراضي في فلسطين. وقد تذرع زعيم احباء صهيون مناحيم اوسيشكين بحجة ان هذا الامر يجعل شراء الاراضي في لبنان اكثر اهمية خصوصا ان هذه المزرعة تقع على ما يبدو ضمن حدود ولاية لبنان الذي يتمتع بحكم ذاتي ويقلل من احتمال التدخل العثماني في البرامج الصهيونية، ولم يلاق وصف اوسيشكين هذا لصيدا بالمستعمرة الاولى في ارض اسرائيل اي اعتراض من قبل يهود صيدا. وقد شارك يهود صيدا في انتخابات اول جمعية منتخبة في ارض اسرائيل، وعندما واجهت هذه الطائفة احوالا عسيرة خسرت مدرستها العبرية بعث زعماؤها برسالة مشوبة بالعاطفة معرفين عن انفسهم كمقيمي صيدا في ارض اسرائيل واستخدموا مصادر توراتية للاثبات بان جنوب لبنان جزء من ارض اسرائيل او من فلسطين التوراتية. وقد استدل هؤلاء بان قبيلة نفتالي العبرية كانت تعيش على طول نهر الليطاني وان قبيلة آشر كانت مستقرة في صيدا، وبعد اتفاقية سايكس - بيكو طالب الصهاينة البريطانيون الذين التزموا انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين بتعديل خط الحدود المنشأ في العام 1918 تحت ذريعة ان وطنهم الموعود محروم من الموارد المائية الكافية ومن حدود قابلة للدفاع مقترحين ان يكون الليطاني حدوداً طبيعة لهم وكان آرون ارنسن وهو عالم زراعي يهودي قد اجرى مسحاً للامتدادات الشمالية لفلسطين واستنتج ان نهر الليطاني اساسي للزراعة والري في الجليل، واكدت تحليلاته هذه شركة فوكس والشركة الهندسية المستقلة التي كلفت من المنظمة الصهيونية اجراء مسح لقدرات فلسطين الاقتصادية الكاملة فكررت في تقريرها بان حدود فلسطين الشمالية يجب ان تشمل الليطاني، واضافت بان الليطاني الذي سيكون في المستقبل ذا فائدة كبيرة لفلسطين نهر لا قيمة له للاراضي الواقعة الى الشمال، لكن الادعاءات الصهيونية تحطمت على صخور التنافس البريطاني الفرنسي كما تقول لورا ايزنبرغ في كتاب عدو عدوي، فالفرنسيون رفضوا التخلي للبريطانيين عن جنوب لبنان لان اصدقاءهم الموارنة والكلام لايزبنرغ آنذك عبروا عن اهتمامهم بلبنان اكبر.
لقد رفض البريطانيون فرض مكاشفة حول مسألة الحدود ولان الحدود القائمة ان لم تكن تخدم الاهداف الصهيونية فانها بالفعل كانت تخدم الاهداف البريطانية، وقد كان البريطانيون يريدون فلسطين كمنطقة عازلة تحبط قدرة الفرنسيين على الوصول الى قناة السويس. وقد اعتبر الصهاينة الموقف الفرنسي من جهة والتطنيش البريطاني من جهة اخرى الذي لم يراع قدرة اليهود في الوصول الى موارد الجليل المائية الموجودة الآن في لبنان بصورة دائمة بمثابة خيبة امل مريرة لهم.
يتبع
|