النظام السياسي العربي هل هو سبب المأزق الحضاري الذي يعيشه العالم العربي وما هي الجذور العميقة لهذا المأزق؟
اعتقد ان المأزق الحضاري العربي متأتٍ اصلا من الاحتلال التركي الطويل. طوال اربعماية عام من الاحتلال التركي خنقت هذه المنطقة. ولولا اعادة احياء اللغة العربية من خلال المستشرقين ومن خلال رجال الدين المسيحيين تحديدا وبعض التلامذة من المدارس الخاصة المسيحية, التي هدفت الى عدم الوقوع في التتريك, وانضاج الهوية العربية العربية التي تشمل الاسلام والمسيحية معاً, لكان المأزق اكثر عمقاً. من ناحية ثانية هناك عملية تقسيم المنطقة من خلال اتفاقية «سايكس بيكو», حيث ان كل البلاد التي وقعت تحت الاحتلال البريطاني تحديدا لم تأخذ فيها بريطانيا بعين الاعتبار, اقامة اي معاهد تربوية او اي عملية نضج ثقافي او غير ثقاقي. كانت تهمها فقط مصالحها الاقتصادية, ولذلك عندما بنت خط الحديد للتجارة مع الهند كان همها الحصول على منتوجات المنطقة العربية ووضع اليد مبكرا على السوق السعودية. اما فرنسا فكانت تريد ان تستعمر الناس على المدى البعيد ولذلك اقامت مؤسسات تربوية وبعض البرامج التنموية مثل المياه والكهرباء وغيرها من اجل ان تعتبر ان المواطنين اذا ما وجدوا ان لفرنسا فضلاً عليهم فسيكونون تابعين لها على المدى الطويل. ان اختلاف السياستين انتجت خلافاً في عملية التوجه السياسي والاقتصادي على امتداد المنطقة العربية, اضافة الى نقطة ثالثة اضافت عنصراً آخر الى المأزق الحضاري للمنطقة, وهو اعادة انتاج السلفية السلبية. السلفية الايجابية قد تكون عاملاً ايجابياً في بناء المجتمعات انما انتاج السلفية كردة فعل على عملية الاستعمار وعلى الوجه المسيحي للاستعمار أفرز سلفية اسلامية سلبية اثرت في كل الانظمة العربية ولا تزال.
€ الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين هو أحد اسباب هذا المأزق أم أنه أحد أعراضه؟
لا شك في ان الزرع السرطاني للكيان الصهيوني في فلسطين انهك وأتعب الجسم العربي كثيرا واستنفر النخوة العربية للدفاع عن فلسطين واسترجاع الحقوق الفلسطينية. لكن هذه النخوة وهذه الحماسة لم تواكبها عملية البناء العسكري الحقيقي والاقتصادي الحقيقي والتقني الحقيقي لمواجهة دولة عصرية مثل الدولة الصهيونية. لذلك فإن خسارة العرب الحرب عامي 48 19 و1967اضعف قواهم كثيراً وخلق حالة عدم ثقة بين الحكام والشعب, وهكذا يكون هذا الصراع احد اسباب! هذا التراجع.
€ أين العرب من مفهوم الحداثة؟ وهل هناك اختلاف بين مفهومي الحداثة والمدنية؟
الحداثة معناها الخروج عن العادي والمألوف للدخول في عالم التقنيات والرؤيا الثلاثية الابعاد. هذه النظرة دخل فيها قسم من المثقفين العرب والعلماء العرب لكنهم ما زالوا يعيشون الذهنية الاخلاقية والاجتماعية التقليدية, اي انه اصبح هناك نوع من الازدواجية بين جسم يعيش في الاطار التقليدي ورأس يدخل في عملية الحداثة. ولذلك نرى أن تأثير هذه الجماعة لم يصل الى عملية التغيير الاجتماعي بل بقي في العملية التقنية والعلمية. مثلا أنت تجلس مع مجموعة من العلماء والمفكرين العرب فتراهم بارعين في كل المجالات العلمية والفكرية, لكن على مستوى العلاقات الأسرية تراهم تقليديين, بل اقل من تقليديين في هذا الموضوع. بمعنى آخر, لم يحدث انسجام في التكوين النسيجي العربي الاجتماعي في عملية الحداثة. ومن ناحية ثانية لا يمكن الحديث حتى اليوم عن اي نظام عربي على انه نظام مدني, او بمعنى آخر انه النظام المبني على غير الدين والطائفة. حتى الآن ليس عندنا هذا المفهوم, وقد حاولت بعض القوى التعامل مع الفكر القومي ولكن سرعان ما وقع الفكر القومي في مأزق الاناء الطائفي. نحن اخرجنا مادة لزجة اسمها الفكر القومي الذي يمكن ان يكون ذات مساحة واسعة في عملية الانتماء, وسرعان ما وضعناها في اناء معين فحجمناه في اطار طائفي. العرب على المستوى العلمي والثقافي دخلوا عصر الحداثة, مستوى العلاقات الانسانية ومستوى الانتماء المواطني لم يدخل العرب بعد عصر الحداثة.
€ قضايانا القومية هل أصبحت في طور الذاكرة الميتة؟ واذا كان ذلك صحيحا فما هو السبب؟
عندما الفكر القومي تشكل في اوروبا في نهاية القرن السادس عشر, كانت الغاية الاساسية منه ايجاد ارض صلبة لانتماء يخرج من اطار الدين. كان الصراع في اوروبا بين البروتستانت والكاثوليك, وهناك دولتان كانتا معنيتين بهذا الصراع هما المانيا وفرنسا. ولذلك بدأ التشكل القومي في فرنسا والمانيا في الوقت نفسه على يد مفكرين كبار في المانيا. بدأ هيغل وريتش بوضع بذور التشكل القومي لبناء الدولة وروح الامة. اما في فرنسا فإن الدعوات الى القومية اثرت في قيام الثورة الفرنسية. هذا الشعور القومي وهذه الفلسفة القومية وهذا البناء القومي سواء في فرنسا وفي المانيا ساعدت عملياً في الخروج من مأزق السيطرة الدينية. ليس هناك وجود للمؤسسات الدينية الاسلامية في المنطقة ا! لعربية. في المنطقة هناك شعوب وهناك داعيات وهناك ناس يسمعون. لذلك الثورة الحديثة في الاسلام والتي يمكن ان تكون تحديثية هي في مشكلة وفي مأزق, الى ان تتوجه في تحديثها الى المؤسسات والمؤسسات غير موجودة. لذلك ستكون من الداخل على مستوى النصوص والفقه وعلى مستوى التفسير, وهذا خطير جدا. مثلاً بن لادن يعطي تفسيراً للنصوص, هذا التفسير اوقعنا في السلبية وشوه الدين. في المسيحية تشوهت المؤسسات وبقي الايمان, أما في الاسلام فيشوهون الاسلام في حد ذاته.
€ البنى الفكرية السابقة التي لفت العالم العربي وتحديدا تلك التي ظهرت قبل العام 1967, هل سقطت كل معطياتها الايديولوجية والعقائدية وحتى السياسية؟
قبل العام 1967 كان هناك بلاد عربية لم تستقل والتي استقلت منها كانت ما زالت خارجة من اطار الانقلابات العسكرية كمصر وسوريا والاردن وغيرها. كنا في عملية بداية تكوين البلدان العربية. البنى الفكرية في ذلك الوقت لم تكن لتخرج من اطر بناء الدولة نفسها, وكانت تعيش قضية اسمها القضية الفلسطينية, التي كان على رأسها ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية. عند حدوث حرب 1967 كان هناك سقوط لهذه القضية. شعر العرب انهم لم يخسروا الحقوق الفلسطينية, خسروا القضية التي يناضلون من اجلها, وخسروا بناء دولتهم المبنية بفعل هذه القضية. لذلك اصبح هناك انكفاء وأصبح هناك تراجع. كل واحد انكفأ لذاته ولنفسه بعد هزيمة 1967 وأصبح هناك اختلاف على خريطة التحالفات العربية وتمايز في مواضيع القوى. واعتقد انه بعد هزيمة 67 وبداية العام 68 شعرت كل دولة عربية انها اضاعت فترة طويلة من حياتها في وهم, وبدأ هناك تفكير جدي في لملمة المشاريع الداخلية, وصارت منطقة الخليج تهتم في عملية انماء داخلي... قبل ذلك لم تكن تهتم.
€ المجتمع السياسي العربي هل يعيش الآن انهزاماً؟
لنقل انه يعيش تفتتا, وطبعاً العرب كان عندهم مشكلة الخوف من الصهيونية, واليوم اصبح عندهم شيء جديد اسمه المنطق الاسلامي الاسلامي, اي السني والشيعي, اي قيام الدولة الشيعية في ايران, وهذا ما يجعل البلاد العربية تخاف لأن المصالحة التاريخية السنية الشيعية لم تحدث ليس على المستوى السياسي بل على مستوى الثقافة الدينية. لذلك من اجل ترميم البيت العربي يجب اولاً قيام هذه المصالحة التاريخية. هناك سبب آخر وهو يتمثل في اتخاذ القرار. هل إن العداء لاسرائيل هو عداء مطلق كونها شراً مطلقاً وكونها دولة شريرة للعالم ك! له, ام فقط لانها تسلب حقوق الفلسطينيين في العودة الى ارضهم؟ هذا الامر يجب ان يكون أحد مقررات مؤتمر عربي حقيقي بإسم القضية الفلسطينية, لأنه اذا كان سبب العداوة هو فقط احتلالها الارض, وانها على استعداد لاعادة قسم من الارض وقسم من السكان, فهذا يعني ان العرب مستعدون للمصالحة مع اسرائيل, وهذا ما تطمح اليه اسرائيل وانتهى الموضوع. في حين انه عندما بدأ الصراع مع اسرائيل بدأ مع سرطان شرير في المنطقة ويجب ان يعمل العرب على جعل كل العالم طرفاً معهم ضد اسرائيل.
€ ازمة الكيان اللبناني هل هي في جهل اللبنانيين حقيقة هذا الكيان؟
الكيان اللبناني كلمة فلسفية اكثر منها كلمة سياسية. كلمة الكيان تعني ان هناك متحداً خاصاً للبنان تاريخي وواقعي. في لبنان لم يكن هذا موجوداً في يوم من الايام. لبنان على المستوى التاريخي مر بثلاثة تشكلات كبيرة ومعاصرة وهي جبل لبنان اولاً, ثم لبنان الكبير, ثم لبنان بشكله الحالي. التشكل التاريخي يعني اضافة وانقاص عناصر بشرية موجودة في هذا الكيان. اضافة الى ذلك ان هذا الكيان يحتاج الى ان يعبر عن ذاته, كيف؟ منذ نشأته عبر عن ذاته بشكل الدولتين المارونية والدرزية عندما قام في المرحلة الاولى. ثم عبر عن ذاته كملحق للدولة الفرنسية عند قيام الانتداب الفرنسي. ثم عبر عن ذاته عندما اصبح عضواً في جامعة الدول العربية. اذاً هذا التشكل اصبح ضمن خطوات سياسية وخطوات جغرافية واكبت الخطوات السياسية. وهنا اريد ان اضيف شيئا مهماً, وهو اننا في ايام عبد الناصر وايام عفلق اعطينا مفهوما معينا, وهو ان هذه البلاد هي بلاد عربية انطلاقا من مفاهيم الوحدة العربية التي كانت سائدة في ذلك بالمفهوم السياسي, واصبحنا نصدق تماما ان هذا هو الجوهر, والخروج عن الجوهر جريمة. انا اريد ان اسأل: هل يمكن لمصر مثلاً ان تنسى ثلاثة او اربعة آلاف سنة من الحضارة المصرية؟ وهل ينسى العراق الحضارات البابلية والآشورية والأكادية والسومرية؟ وهل تنسى سوريا الحضارات الاكادية والآرامية والكنعانية؟ وهل ينسى لبنان الفينيقية ولقد وصلنا الى مرحلة انه عندما تحدث البعض في لبنان عن الفينيقية اعتبر انعزالياً وضد العروبة؟ انا اعتقد انه يجب تسليط الضوء الحقيقي على الحضارات. المعنى الحقيقي للعرب هو في حضارتهم العميقة التي كانت قبل العرب. وانا هنا ضد استعمال كلمة فتح عربي, العرب لم يفتحوا بلادا متوحشة وبلادا مغلقة. كان هناك ديانات وكان هناك حضارات اعطت العالم بشكل ك ب! ير. القول ان الانتماء العربي بدأ مع الاسلام والمسلمين فيه ظلم كبير للحضارة وللمسلمين والاسلام. يجب القول ان الانتماء العربي هو لأصوله قبل الاسلام. عندما تحدث طه حسين عن مرحلة الجاهلية واعطاها هذا الدور قامت القيامة عليه, ايام الجاهلية لم يكونوا حتى جاهلين لله. النبي محمد ألم تكن زوجته الاولى مسيحية, اذاً اين الجاهلية في ذلك؟
€ الهوية الوطنية عندما لا تتمكن من التبلور في بنى ومؤسسات قادرة على استيعابها يمكن ان تصب في اطر وقنوات أخرى؟
طبيعي. اعطيك مثلا على ذلك ميشال شيحا. عندما وجد ان لبنان لا يمكن ان يقبل بهويته الخاصة اعتبر نفسه ينتمي الى الغرب, وان لبنان لا ينتمي الى محيطه العربي. جريمة في حق لبنان ان تقول ان لبنان لا ينتمي الى محيطه العربي او الى محيطه الشامي القديم. ومن هنا انطلقت تسمية لبنان سويسرا الشرق, ولكن في الوقت نفسه لا يحق للآخرين ان يكفروا كل من يريد البحث عن هوية. وحتى الامس كان هناك بعض السياسيين يقولون ان ازمة لبنان هي ازمة هوية. فإذا كان هناك بعض السياسيين يطرحون ان هناك اشكالية حول الهوية حتى الآن, اذا نستطيع القول اننا مدعوون فعلاً للبحث في هذا الموضوع, وعدم تكفير من يبحث فيها. عندما ذهب شارل مالك الى الامم المتحدة ليتحدث بالامة اللبنانية, كان هناك مشكلة كبيرة في هذا الموضوع, وعندما اراد لبنان ان يدخل في الجامعة العربية دار نقاش حول اذا كان لبنان عربياً او ذا وجه عربي. هذه المشكلة اذا كانت تبحث في لبنان فليس لانها لبنانية فقط انها مشكلة في كل الاقطار العربية, لكن لان لبنان عنده فسحة من الحرية تطرح المشكلة بصوت عال.
€ هذا التمويل المستمر للازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والذي يولد كل هذا الاحتقان المذهبي والطائفي, ألا يستدعي فك هياكل النظام السياسي في لبنان واعادة بنائه على أسس وقواعد جديدة؟
لبنان هو البلد العربي الوحيد الذي يعيش نظاماً ديمقراطياً حسب المفهوم الغربي, وهو اليوم يتعرض لعملية اسقاط هذا النظام الديمقراطي الغربي باعتبار ان ميثاق1943 هو الميثاق الحقيقي, وخروج الديمقراطية من الديمقراطية الغربية الى الديمقراطية التوافقية هو ما تم التوافق عليه في مؤتمر الطائف الذي أنتج دستوراً جديداً قائماً على الميثاق وليس على الدستور. بمعنى آخر, أتى الطائف ليؤكد ان الميثاق هو الدستور والقاعدة, مع الأخذ بعين الاعتبار أنه من أجل الخروج والتطوير يمكننا ان نخرج من الميثاق. ! لذلك اعطى حرية للخروج من النظام الطائفي على مراحل. كيف يمكننا ان نتصور ان يخرج لبنان من اطره الطائفية والمنطقة كلها متطيفة في اكثر الاوقات حرجاً وصعوبة؟ لم تكن يوماً متطيفة اكثر مما هي الآن, والصراع الذي نشأ بعد الستينيات وهو الصراع الاسلاميالاسلامي واعادة الشحن الى عملية الصراع السني الشيعي, يظهر بأقصى صوره اليوم على الساحة اللبنانية. اليوم لا أعتقد ان هناك مشكلة في الهوية عند الاطراف المسيحية. التوجه شيء والحديث عن الكيان شيء آخر, ولكن في الطرف الاسلامي نحن نواجه مشكلة. النظرة السنية الى قيام الدولة العربية شيء والنظرة الشيعية الى اقامة هذه الدولة شيء آخر. الصراع الحقيقي الخارجي هو الذي قتل اي عملية تفكير في الانتقال من الطائف الى تحسين الطائف, لقد اعدنا الى ما قبل الطائف.
€ تمسك القوى السياسية بالطائف هل ان هذا التمسك مسألة تكتيكية لانه وفر لها الحصص والمغانم؟
انا اعتقد أن التمسك بالطائف ناتج من قضية اساسية وهي عدم العودة عن الصلاحيات التي اعطيت لمجلس الوزراء. لو اتانا رئيس شرس بالمعنى السياسي يمكنه ان يحكم البلد بشكل متفرد نظراً للصلاحيات الواسعة التي كان يتمتع بها, ولكن اليوم دفعنا ثمن هذا التحجيم عندما اصبح الصراع السنيالشيعي قائماً. ولكن اذا ارادوا الرجوع الى ما قبل الطائف فإن عليهم الرجوع الى الميثاق أو الرجوع الى الدستور. اليوم بما ان الطائفة المسيحية لم تعد هي الاكبر لم يعد يناسبها الدستور لان الدستور يلائم الاكثرية الشعبية وهي الطائفة الشيعية. اما التمسك بالميثاق فهو ضرورة مسيحية وليس ضرورة اسلامية, ولكن لان الصراع اسلامياسلامي فإن الطرفين السني والشيعي يناسبهما ان يكون الاطار المسيحي قائماً.
€ كيف تقرأ الواقع المسيحي اليوم؟
المسيحيون اليوم هم اكثر الناس ضياعاً في لبنان لان السنة يستندون الى بحر سني والشيعة يستندون الى منظومة سياسية شيعية, اما المسيحيون فليس عندهم احد. كانت خاصرتهم محمية من فرنسا لكن هذه الحماية سقطت بسقوط مصالح الفرنسيين والفاتيكان, الطرف الآخر الذين كانوا يتكلون عليه. هذا الطرف يعيش أزمة مع ذاته اليوم وحالة اغترابية مع العالم المسيحي كله. والمسيحيون اليوم في حاجة الى دعم من المسلمين المتنورين.
€ هل ان لبنان في بداية مرحلة جديدة ام في نهاية مرحلة ام انها النهاية فحسب؟
لبنان لم يعد له وجود على المستوى السياسي. لبنان اصبح محطة من ! محطات الصراع العربيالعربي. هو لا يقوم بذاته, وهو لا يستطيع ان ينجو بذاته. فكرة ان تضامننا في الداخل يمنع القوى الخارجية من الاستقواء علينا فكرة غير صحيحة. بكل بساطة الخارج لن يشن هجوما علينا. ليس صحيحا ان النظام في سوريا له اطماع في لبنان, وليس صحيحا ان النظام السعودي له اطماع في لبنان او الايراني كذلك. الموضوع هو ان كل فئة من هذه الفئات تجد ان لها في لبنان عناصر تنتمي اليها. الكل يريد بقاء لبنان كما هو ولكن الكل يريد نفوذا اكثر.
€ هل ان أزمة المارونية السياسية في أنها تبرر وجودها دائما امام محيطها؟
المارونية السياسية لم تكن اصلا في نشأة لبنان الحديث. الارثوذوكس هم الذين حكموا لبنان في البداية, وكان هناك محاولة للحكم الاسلامي بواسطة الشيخ الجسر مثلا الذي ترشح لرئاسة الجمهورية بإرادة مسيحية. انا لا اعتقد ان الموارنة هم لبنان, ولبنان هو الموارنة. هذه مقولة فيها اهانة للجميع. عندما أتى الموارنة الى جبل لبنان من منطقة افاميا ومنطقة قورش لم يكن لبنان متوحشا. من هذا المنطلق اعتقد ان المارونية بدأت تفكر في الاساس خطأ. كل الرؤساء الموارنة الاقوياء لم يحكموا بقوتهم. الرئيس شمعون مثلا اعتمد على الانكليز واميركا, الرئيس شهاب اعتمد على عبد الناصر, ولبنان كان الابن المدلل لفرنسا, وقد حاول بعض العقلاء من المسيحيين السياسيين الانتباه الى ان تبقى علاقة الموارنة بالعرب في حالة جيدة. واشير هنا الى ان بشير الجميل عندما ذهب في علاقاته بعيدا مع اسرائيل حذره والده قائلا: اياك ان تفكر بربح ثلاثة ملايين لكي تخسر مئة مليون عربي, لان القضية في هذا الموضوع هي قضية مصلحة. ان لبنان لن يقوم على فكرة المارونية السياسية والدرزية والشيعية او السنية.
€ المشروع العلماني هل هو مشروع قابل للحياة في لبنان؟
العلمانية لم تستطع حتى الآن ان تبلور مشروع سياسياً خاصاً بها. حاولت بعض الاحزاب العلمانية مثل السوري القومي او الشيوعي ان تطرح برامجها لكنها سقطت في زواريب السياسة, ولم تجعل السياسة في خدمة العقيدة بل الذي حدث هو العكس. اليوم الرؤية العلمانية موجودة عند شريحة واسعة من اللبنانيين. العلمانية لا تستطيع ان ترى النور في لبنان الا بقرار هدم القوى الطائفية وهذا ليس قراراً لبنانياً. نضال العلمانيين باق لكنه سيظـل محدودا.
|