إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

دربُ الحياة

يوسف المسمار

نسخة للطباعة 2015-09-25

إقرأ ايضاً


قالَ المنظـّرُ: بالتنظيرِ يُعتصمُ

إنْ أطبقَ الويلُ في شعبٍ ويُحتكمُ

والقولُ يغدو شعاعاً لا تعادلُهُ

في زحمةِ الليلِ أنوارٌ ولا نـُجُمُ

في حاسمِ القولِ لا في الصمتِ عاصفة ٌ

إنْ مسَّت الظلمَ دنيا الظلمِ تنهدمُ

من قالَ حقاً فقولُ الحقِ ينصرُهُ

والقائلُ الحقِّ دون الخلقِ مُحترمُ.

***

فاستنكرَ العقلُ هذا القولَ في عَجَبٍ:

أيُّ انتصارٍ بغيرِ الفعلِ يُحترمُ ؟!

ما قيمةُ القولِ في شعبٍ يُمزِّقُهُ

الجهلُ والحمقُ والأوهامُ والصَمَمُ ؟!

***

إنَّ الكلامَ هَراءٌ حين ينقصُهُ

في القائلِ الفعلُ والإقدامُ والشممُ

فالنطقُ للنطقِ تحقيرٌ لموهبةٍ

والقولُ للقولِ في حُكمِ الهُدى وَرَمُ

لا تُصلحُ الشعبَ أقوالٌ منمَّقمةٌ

بالصرفِ والنحوِ والتنظيرِ تلتزمُ

بل يُصلحُ الشعبَ أفعالٌ مشرِّفةٌ

بالصدقِ والعدلِ والأخلاقِ تتسمُ

إنَّ الأقاويلَ داءٌ لا شـفاءَ لهُ

إلاَّ بفعلٍ بهِ الأرزاءُ تنحسمُ

والفعلُ يبقى عطاءً لا حدود لهُ

إن أظلمَ الهولُ تستهدي به الأممُ

لا يصنعُ المجدَ أقزامٌ مُبـوّقةٌ

بل يصنعُ المجدَ أبطالٌ وإنْ هُزموا

هيهاتِ بالقولِ يُبنى عزُّ مجتمع ٍ

فالعزُّ بالعزمِ والأفعالِ يَرتسمُ

***

والفكرُ والعلمُ في الدنيا ممارسةٌ

والعقلُ أيضاً ، كذا الأخلاقُ والقيمُ

منْ مارسَ الوعيَّ اخلاصاً لأمتهِ

واستعذبَ الموتَ في تاريخها عَلَمُ

تنأى المسافاتُ والأجيالُ تحملهُ

سيفاً من النورِ تستقوي به الهِمَمُ

إنَّ البطولاتِ والأمجادَ يُنشئُها

فعلُ البطولاتِ لا التهريجُ والكَلِمُ

يستيقظُ الشعبُ بالأعمالِ منتصراً

بالعقلِ والعزمِ لا التنظير يقتحمُ

دربُ السماواتِ والآفاقِ يملؤها

بالحبِّ والسلمِ ، في ثوراته الحِكَمُ

المجدُ للشعبِ كلّ الشعبِ لا سلمتْ

أنفاسُ من راحَ ضُعفَ الشعبِ يغتنمُ

يا قـومُ إنَّـا حَملـنا هـمَّ أمتـنا

في الحربِ والسلمِ ، نحنُ الجندُ والخَدَمُ

***

إنسانُنا الفذُّ لم تُطفأ مشاعِلُهُ

في عزمهِ الحتمُ والأقدارُ تلتئمُ

أبناؤه العزُّ في تصميمهم قَدَرٌ

إنْ عاندتهم رياحُ الكونِ تنهزمُ

شاؤوا النهاياتِ إكراماً لأمتهمْ

واستطيَبوا الموتَ حتى يَرتقي الكَرَمُ

الموتُ بالنفسِ لا بالجسمِ أفدحُهُ

والخطبُ بالشعبِ لا الأفرادِ إنْ عُدموا

والعجزُ في العينِ لا في النورِ مصدرُهُ

فليسلم السمعُ حتى يَصلُحَ النَغَمُ

لا مجد للفـردِ الا مجـدُ أمتـهِ

في ذلِّها الموتُ للأفرادِ والعَدَمُ

إن سوَّروها بأرواحٍ وأفـئـدةٍ

سارتْ الى النصرْ واختالتْ بها القِمَمُ

للأمةِ الفوزُ مرهونٌ بنهضتها

إن فاتها العزُّ لا مجدٌ ولا عِظَمُ

***

ما كانَ تموزُ* الا فعل تضحيةٍ

يستنهضُ الشعبَ حتى تـُحفظَ الذِمَمُ

لو كانَ قولاً وتنظيراً لما بقيتْ

أجيالُ تموز* بالتحريرِ تلتزمُ

لم ترهب الموتَ في تاريخها أبداً

إن كانَ بالموتِ دربُ العز يُرتسمُ

يستطيبُ العبدُ عيشَ الذلِّ في نَهَمٍ

والحرُ بالشكرِ حُكمَ الموتِ يستلمُ

فليعلم الناسُ كلُّ الناسِ أنهمُ

ما أكـَّدَ العلمُ في تصنيفهم أممُ

والحرُ من عاشَ جندياً لأمتهِ

إن شابها الويلُ هولَ الموتِ يقتحمُ

دربُ الحياةِ حرامٌ أنْ يُدنِّسها

أنذالُ شعبٍ سفالى قولُهمْ وخمُ

يا سوريا العهدُ في أعناقنا قَسَمٌ

لبيكِ لبيكِ لم يخمدْ بنا القسَمُ

***

لو مزّقونا ولم يسلمْ سوى قبس ٍ

من روحكِ السمحِ يبقى النصرُ يبتسمُ

منكِ الدماءُ التي فينا ونبذلُها

إن شئتِ بالطوعِ كالأمواجِ تلتطمُ

لا يَسلمُ الحقُ إلا بالفدى أبداً

والجهدِ حتى يزولَ الظلمُ والظُلُمُ

***

*- تموز: ذكرى استشهاد العالم الاجتماعي والفيلسوف السوري انطون سعاده في الثامن من تموز سنة 1949


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024