إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

ما قبل الثامن من تموز(*)

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2016-12-15

إقرأ ايضاً


مقالات عديدة كُتبت في ذكرى الثامن من تموز: عن المؤامرة، على سعاده والحزب التي شارك في تنفيذها حكام مأجورون في كل من لبنان والشام، عن موقف سعاده التاريخي في المحكمة، حديث الاب برباري الذي عرّفه، وعن وقفة العز على رمال بيروت.

اما ما لم يُعرف عنه كثيراً فهو ما اورده الامين جبران جريج في الجزء الرابع من سلسلة "مع انطون سعاده"، وهذا بعض مما رواه:

*

"قرار تاريخي" (الصفحات 87-89)

" بدأ الزعيم يدرس فكرة القيام بانقلاب اقترحها عليه بعض الضباط – الاعضاء – في شعبة السلك التي كنتُ ارأسها، خصوصاً من قبل الرفيق معين حمود(1) الذي كان يلحّ ويلح كثيراً.

ولاعطاء فكرة عن قوة هؤلاء الضباط القوميين الاجتماعيين في شعبة السلك فأني اسمح لنفسي بأن اعلن ان عددهم يتجاوز العشرات من مختلف الرتب، بدءاً من رتبة نفر وعريف صعوداً الى رتبة عقيد. فلا يُستغرب، وهذا هو الوضع العسكري، ان يبدأ الزعيم بدرس فكرة القيام بانقلاب.

" كانت الخطوة الاولى ان امرني الزعيم بدعوة بعض الضباط للتعارف، ففعلت ولكم كانت دهشتهم كبيرة عندما التقوا في دار الزعيم وبينهم رئيس الشعبة الثانية "الحسواني"(2).

" كانت الخطوة الثانية لقاءات ثنائية بينه وبين اكثر من ضابط في احد المنازل، او في احد الامكنة.

" التقى مثلاً بالعقيد غطاس(3) في منزل فيليب كلاب(4) الذي كان احد المعاونين في شعبة السلك، وقد كانت ثمرة هذا اللقاء ادخال احد الضباط في الحزب واشراكه في هذه المحادثات، وذلك بناء على ثقة العقيد فيه. والتقى ايضاً في احدى القرى القريبة من بنت جبيل بأديب الشيشكلي(5) الذي كان على رأس فرقة من المتطوعين للدفاع عن فلسطين ضد اليهود، يعاونه في القيادة شقيقه صلاح(6)، واكرم الحوراني(7). كذلك ارسل في طلب ابو طقه(8)، للاستشارة.

" كان قد ارسل بواسطتي في طلب اديب الشيشكلي الا انه اعتذر، فذهب إليه، كما ان الضابط نبهان(9) والضابط حمود دخلا في المشاورات.

" كانت الخطوة الثالثة استشارات وجس نبض فاستدعى الحسواني، على سبيل المثال، وسأله بصراحة كلية وثقة تامة فيه: "ماذا يكون موقف قائد الجيش في حال القيام بانقلاب ونجاحه؟"، فكان الجواب "يؤدي التحية ويطيع الشرعية الجديدة".

" هذه مقتطفات للخطوات التي اخذتُ علماً بها، وقد تكون هنالك خطوات اخرى لم تصل الى مسمعي، فلا شك ان ثمة اتصالات وعمليات سبر غور كثيرة، كما اني لست هنا في صدد اعطاء تفاصيل بهذا الشأن، فقد تكون هذه التفاصيل ضمن مواد ستنشر في مكانها في تاريخ الحزب(10).

" اما على الصعيد المدني، فسامي الصلح كان المرشح لتأليف حكومة الانقلاب ومعه بعض الشخصيات السياسية الاخرى التي لم اطلع على اسمائها، ولكن اذكر ان ثمة استشارة مدنية جرت مع المطران بولس الخوري، الصديق، بشأن استلام الحكم فكان جوابه بما معناه: "يقول المسيح، قبل ان يعلن ملك حرباً على ملك آخر يجب ان يحصي قوته وقوة عدوه حتى اذا رأى انه الاقوى، عندئذ يبت بأمر الحرب ويعلنها".

" يبدو ان كل شيء كان قد استكمَل دراسته عندما دعاني وابلغني اني مصادَر الى اجل غير مسمى فيجب ان اكون تحت تصرفه طيلة النهار والليل. لا شك، اني لبيتُ غير مستغرب الامر وانا المطلع، وان جزئياً على هذا المشروع.

" دام استنفاري هذا مدة ثلاثة ايام. استدعاني في نهايتها الى مكتبه وقال لي: "يمكنك ان تعود الى حياتك العادية فقد قررتُ صرف النظر عن المشروع"، ولما لاحظ امارات التساؤل على محياي، اردف قائلاً: " قلّبت الموضوع من كل جوانبه وبقطع النظر عن امكانات النجاح او الفشل، توصلتُ الى قناعة اخيرة انه لا يجوز ان يسجل التاريخ ان الحزب السوري القومي الاجتماعي طعن الجيش اللبناني الرابض عل الحدود لمحاربة العدو اليهودي طعنة في الظهر". ثم اضاف: "عند لقائي بأديب الشيشكلي على الحدود، وهو يضع فرقته تحت امرة الحزب قلت له: قد يكون المانع من تنفيذ هذه الخطة وجود الجيش اللبناني على الحدود متأهباً لقتال اليهود".

" رجحت عنده هذه الفكرة فاتخذ هذا القرار النابع من الوجدان القومي العميق والذي فيه بُعد نظر للمستقبل القريب او البعيد. قلت بيني وبين نفسي حقاً، انه لقرار تاريخي".

ويورد في الصفحة 88، " وتأييداً لما أوردته جاءتني الزهرة سورية الحاج بهذا الكلام عن لسان العقيد في الجيش اللبناني غطاس لبكي الذي كان عضواً سرياً، عن رفض الزعيم للانقلاب عام 1948 "

*

وفي الصفحة 89 يوضح الامين جريج ان سعاده ناقش الضباط القوميين الذين حاولوا اقناعه بان يوافق على الانقلاب، كون لبنان خالياً من كل سلطة والجيش يواجه العدو على الحدود، " فكان يجابههم بالرفض والحجج العسكرية والروح القومية، واخيراً امهلهم قائلاً سأعطيكم الجواب النهائي غداً بعد ان ادرس الموضوع من كل نواحيه العسكرية والسياسية والقومية.

وفي اليوم الثاني حضروا في الموعد المضروب وكان اعتقاد الضباط انهم تمكنوا من اقناع الزعيم باحداث انقلاب ولكنه واجههم بما عرف عنه من تضحية في سبيل امته والذود عن جيش بلاده فقال لهم: " انني لا اود ان يسجل التاريخ عليّ انني طعنت الجيش اللبناني في ظهره عندما كان يواجه العدو. نحن القوميون الاجتماعيون مع الجيش اللبناني في مواجهة العدو".

*

9 حزيران في الجميزة (الصفحات 163-164)

" حضرتُ اجتماع مديرية ساقية الجنزير وتوجهت الى منزل الرفيق جورج ربيز في المزرعة حيث كنت مدعواً لتناول طعام العشاء. كان الاجتماع ناجحاً نجاحاً منقطع النظير، فقد كان الحضور بنسبة 98 بالمئة. كنت فرحاً، ولكن ما كدتُ اجلس الى المائدة وأمدّ يدي الى الزاد حتى فاجأني دخول احد الرفقاء ليقول لي، بعد تأدية التحية وبلهجة تدلّ على قلق ظاهر: "يا حضرة المنفذ العام، يدعوك الزعيم إليه حالاً. لقد وقع حادث اعتداء على المطبعة وهناك عدد مصاب بجراح".

" نهضت فوراً ألبّي الطلب وعلى الطريق أخذ الرفيق يحدثني عما سمعه عن الاعتداء: "كان الزعيم في المطبعة يحرر مقالة للجريدة وكان ينتظره وفد حزبي من دمشق، وإذ يأتي بعض الرفقاء يبلغونه بأن الفلانج (حزب الكتائب) يعقدون اجتماعاً في مقهى يقع عند زاوية الطريق المؤدية الى المطبعة وان الاهتياج يسودهم.. وان الزعيم، بناء على اقتراح الوفد الحزبي باستحسان اجراء اللقاء معه في غير هذه الاجواء، غادر المطبعة".

"هنا برزت ظاهرة الهيبة التي كان يفرضها الزعيم في كل مكان، فقد تقدم الزعيم، بعد استعراضه الجموع، ليستقل السيارة، على مهل وسط تأدية الرفقاء التحية والهتاف بحياته. اما الشباب الكتائبي المحتشد فاذهله ظهور الزعيم ومظاهر التحية والجد والنظام التي صاحبت مغادرته فتجمّد وراقب المشهد دون حراك.

" وصلت السيارة الى دار الزعيم (المجاور لمستشفى الدكتور خالدي – رأس بيروت) دون اي حادث واجتمع بالوفد الحزبي ولكن لم يطل به الوقت حتى تلفن إليه رفقاء جهاز التحرير في "الجيل الجديد"(11) يعطون انباء الهجوم الغوغائي الطائفي الذي ضمّ عدداً لا يقل عن مئة وخمسين او مئتي عنصر وقد جرح ثلاثة رفقاء واستطاع رفيق واحد فقط من الافلات هو الوكيل وديع الاشقر(12)".

" استقبلني الزعيم على الفور واطلعني على الاعتداء باختصار وكلّفني بضرورة اتخاذ تدابير استطلاعية لمعرفة ما يجري، ان في المطبعة او حول المطبعة او في المخفر القريب جداً من مكان الحادث، الذي لم يحرك ساكناً.

*

ويورد الامين جبران تحت عنوان "المهمة الثانية" (ص166) ما يلي:

" طلب الزعيم على الاثر ان يتم الاتصال بمن يلزم والقيام بعملية رد فعل فوري لاعتقاده الثابت ان الاعتقال مهزلة من المهازل نظراً للارتباط القائم بين الموقوفين والمحققين. كان الرفيقان المغواران محيي الدين كريدية واحمد حكيم (من الرفقاء الاشداء في بيروت) موجودين في بيت الزعيم وكذلك كان احد خريجي مدرسة الضباط الحزبية البارزين (لم يورد الامين جريج اسمه) فاجتمعتُ بهم وعرضت عليهم فكرة الرد فلقيت قبولاً لديهم.

" وضعوا خطة للتنفيذ. وامتطوا السيارة التي قادها الضابط المذكور متجهين الى مخفر الجميزة للاستطلاع.

عرجوا على مكتب الحزب في شارع المعرض لسحب بعض الاوراق الحزبية، واكملوا سيرهم الى المخفر ليجدوه فارغاً، مطفأ الانوار. كان التحقيق الصوري قد انتهى – على ما يبدو – في هذه الفترة الوجيزة .

كل ما فعلوه انهم قاموا بجولة او جولتين حول البازنافال(13)، ولكن دون جدوى فعادوا الى بيت الزعيم واطلعوه على ما جرى ".

*

المهمة الثالثة (ص167- 168)

" استأذنتُ الزعيم بالاتصال بالرفيق حسواني، رئيس الشعبة الثانية العسكرية، علّه مطلع على خطة المؤامرة التي تنفذ بكل دقة فسمح على ان لا اغيب طويلاً، لان الوقت ضيق.

ذهبتُ بمفردي وقمت بالاتصال فوجدته يفتش عن وسيلة للاتصال بي، فلديه معلومات هامة: لقد دعي الى القصر الجمهوري الذي كان يشهد انعقاد مجلس الوزراء، فرأى رياض الصلح يعربد ويحرّض. هو المحور لكل شيء. وزير الداخلية جبرائيل المرّ، اصفر الوجه، يقاوم ولكن بضعف متناه. يأمر رئيس الوزراء فيعارض بالروح فيما الامر يذهب في مجراه التنفيذي. رئيس الجمهورية شاهد زور، موافقته صامتة.

" قال لي: "جئتَ في وقتك. سيداهمون منزل الزعيم والاوامر في طريقها الى قيادة بيروت العسكرية لتطويق منطقة رأس بيروت. بالله عليك، اذهب، لا وقت للانتظار".

" كان الليل قد انتصف وبينما انا عائد الى بيت الزعيم خطر لي ان امرّ بالرفيق محيي الدين كبي، الموظف في "بنك سورية ولبنان" المركزي. انه يمضي ليله فيه. في لمح البصر كنت ارنّ الجرس واذ به يحضر الى الباب المقفل بعدة اقفال. فتح لي، تلفنت، سألت ليطمئنني(14) عن الوضع الذي اقلقني. وقال لي مخاطبي بالحرف على لسان نافذ من الكتائبيين "ان هؤلاء القوميين يجب تربيتهم واذا الحكومة ما بتربّيهم نحنا وحدنا نتكفل فيهم. على كل حال ستسمع اخبار تعجبك، كل شيء مرتب ومدروس".

" حملت معي هذه الاخبار الفاضحة خطة التآمر، الى الزعيم الذي اقتنع بأنه لا بد من مغادرة المنزل قبل فوات الاوان. كان ينوي ان يعود الجرحى في المستشفى، فوقف بعض الرفقاء من مسؤولين وسواهم يحولون دون هذه الرغبة. ان سلامة القضية هي في سلامته. يجب تأمينها كيفما كان قبل ان نندم، ولات ساعة الندم.

" في عجلة فائقة افرغ جوارير المكاتب من الاوراق الحزبية ووضبها في شنطة وسلمها لاحدهم وتمنطق بمسدسه كمن ينوي المقاومة. في هذه الاثناء حضر الرفيق فؤاد نجار(15) الذي كان على اتصال بالشيخ اسعد طوبيا الذي كان ضابط اتصال بين الزعيم وبين رئيس الجمهورية. حضر وهو يحمل اسف رئيس الجمهورية الذي يناشده بالمحافظة على اعصابه وعدم الاقدام على اي رد ويعِده بالاقتصاص من الفاعلين وبمشاركة الدولة للحزب في استنكارها لهذا الاعتداء وعزمها على معاقبة المعتدين.

" كان اللقاء في مدخل البناية المجاورة في جنح الظلام. اخذ علماً بالنصيحة وغادرنا الى جهة مجهولة بعد ان أجاب على سؤال الامين قبرصي عن كيفية الاتصال: :سأتصل انا بكم وبقدر ما تمدونني بالمعلومات امدكم بالتعليمات". وانصرف وكان ذلك اللقاء آخر لقاء بيني وبينه.

(*) نسخة ثانية مصححة ومعدّلة عن تلك المعممة في 06/07/2015

هوامش:

(1) معين حمود: مراجعة ما نشرناه عنه في قسم "من تاريخنا" على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

(2) الحسواني: لا يورد الامين جبران الاسم الاول. لذا سألت الامين شوقي خيرالله فأفاد ان الاسم هو الياس الحسواني .

(3) غطاس: كذلك لا يورد الاسم كاملاً، وان كنا نرّجح انه العقيد غطاس لبكي.

(4) فيليب كلاب: من منطقة بلاد جبيل. انتمى في سنوات العمل السري، والتقى والدته الرفيقة ادال باسيل كلاب في احد الاجتماعات الحزبية (نرجّح انه اجتماع اول حزيران 1934) ولم يكن يعرف احدهما عن انتماء الآخر.

(5) اديب الشيشكلي: كان قومياً اجتماعياً وتسلّم الحكم في الشام اثر انقلاب ناجح.

(6) صلاح الشيشكلي: شقيق الرفيق اديب. كان من اوائل الذين ساهموا في عملية تدريب القوميين الاجتماعيين. ذكرته اكثر من مرة في نبذات سابقة.

(7) اكرم الحوراني: الوزير، والقائد البعثي المعروف. كان انتمى الى الحزب وتولى مسؤولية منفذ عام حماه.

(8) ابو طقه: هو النقيب مخايل ابو طقة، وقد ذكره الامين شوقي خيرالله كثيراً في مذكراته، منها في الصفحة 170.

(9) النقيب جوزف نبهان: من الضباط القوميين الاجتماعيين الذين ساهموا في تدريب صف الضباط.

(10) ليس في علمنا انه تمّ نشرها لاحقاً في اي مكان.

(11) "الجيل الجديد": جريدة الحزب التي كانت تُطبع في "مطابع فضول" في "الجميزة".

(12) وديع الاشقر: مراجعة النبذة المعممة عنه على الموقع المشار إليه آنفاً.

(13) "البازنافال": تعني "القاعدة البحرية" التي سلّمتها القوات الفرنسية عند انسحابها، الى "حزب الكتائب" ليتخذ منها مركزاً له، هو القائم حالياً في منطقة الصيفي.

(14) لم يوضح الامين جريج من هو الشخص الذي اتصل به هاتفياً.

(15) فؤاد نجار: للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول الى الموقع المذكور آنفاً



 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024