إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الرفيق الفنان هنيبعل سروجي اللبناني والكندي الجنسية والمقيم في باريس

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2025-07-27

إقرأ ايضاً


عرفت الرفيق شارل سروجي رفيقاً مناضلاً في منفذية صيدا قبل ان يرحل الى مونتريال فتابعته وعرفت الجيد عن ابنه الفنان هنيبعل سروجي.

يستحق الرفيق الفنان هنيبعل ان نكتب عنه الكثير المفيد خاصة بعد انتقاله الى لبنان واهتمامه بنشر اكثر من معرض له.

ننقل ادناه ما كان نشره الناقد المعروف نزيه خاطر في جريدة "النهار" تاريخ 7 كانون الثاني 1997 تحت عنوان:

هنيبعل سروجي اللبناني والكندي الجنسية والمقيم في باريس:

انا مغرم بالطبيعة وارى اختزالها الى اقصى حدود التقشف

معرض هنيبعل سروجي وبحكم رتب نصه التشكيلي، لكل التأويلات النقدية.

واليقين والشك في آن واحد، وواثق وحذر كمن عنده جواب ويبحث عن جواب في المكان الآخر.

وهنا تجريدي كأنه يقول منظراً طبيعياً يخفي سرّه. وببساطة من يكتب عمله بلغة مختزلة، بمفردات تبدو واضحة حتى السذاجة، يبني نصاً كأنه لا يرغب الوصول الى مكان، وكأنه بعد التأمل فيه يبني بمعرفة مكاناً، ويؤكد بشطارة منظراً، ويوحي أنه في سره يشير الى زمن آخر.

أي كأنه يؤلف في فضاءات مجهولة ما يشبه القاعدة الصلبة والثابتة والمقبوض عليها بحرفة ظاهرها كالمسودة وباطنها من اسمنت.

ولا هو بالثرثارة ولا هو بالمقل وان هو يمارس احياناً شيئاً من بلاغة تقول وتقول، وان هو يقع احياناً ايضاً في مثل صمت يحمل بعض الكلام هنا، وبعض الإشارات هناك، وبعض الايماءات هنالك، وكأن ليس عنده ما يقوله بعدما قال كل شيء من زمن بعيد.

في بيروت أخيرا هنيبعل سروجي، في معرض في غاليري جانين ربيز، بأعمال تميل ببساطة قصوى الى غنائية متقشفة على حافة ان لا تعلن طبيعتها، وان هادئة فبخبث وكأنها تخفي فورانها في خبايا صياغاتها، وكثيفة ومضغوطة وانما كمن لا يرغب في تخطي الضروري المفيد من القال والقيل، أي باعمال معقودة على تجريد مبسط سهل قريب من العين وعلى صلات حية بعالم العواطف البريئة التي تؤلف على ما يبدو عالم الفنان العائد الينا من مجرة طويلة تعدت الربع القرن.

*

ذاكرة -حقل 3- اكريليك ع قماش، 1994

- هنيبعل سروجي: الواني لا كندية كما قيل لي في فرنسا، ولا متوسطية كما قيل لي في كندا، ولكنها التعبير عن

الوقت الذي اشتغل فيه، عن أفكار موجودة في مكان انا موجود فيه.

• نزيه خاطر: في انبوبه اللون مادة، وعلى اللوحة لغة.

- هنيبعل سروجي: واللوحة هي الضوء، ضوء يلعب.

• نزيه خاطر: والضوء يتشكل اما بالنسبة الى مرجعية طبيعية (التيارات الواقعية التقليدية مثلا) واما الى مرجعية

في الرأس (الواقعية الجديدة مثلا).

- يقع عملي في مكان آخر وان للمرجعيتين دورا في تركيز نصي التشكيلي، فانا مغرم بتطرف بالطبيعة وارى الى اختزالها الى اقصى التقشف عند الصياغات،

• ما معنى ان عملك يقع في مكان آخر؟

- جوابي سيكون على مستويين، المستوى الأول، بعد ان نزلت الى باريس وبدأت أشارك في "صالون الرياليتيه نوفيل / أي في معرض الواقعيات الجديدة" حيث التقيت اعمالاً لفنانين لبنانيين وعرب، توضح لي المعنى النسبي لكل الكلام عن الوان كندية هنا والوان متوسطية هناك .

• والى اين اوصلتك هذه المقارنة بين اعمالك المشغولة في كندا ومن ثم في مدينة نيم الفرنسية، واعمال اللبنانيين والعرب؟

- رأيت ان الواني مثلا وانا القادم من كندا..

• انت تعرف على نفسك بانك من اصل لبناني، وكندي الجنسية، وتعيش وتعمل في باريس منذ 1989...

- رأيت ان الواني انضر وأكثر ضوءاً، أي اكثر تفجراً من الألوان في نصوص لفنانين هم اكثر التصاقاً مني بالمتوسط.

واعترف هنا باني لم اشعر ابدا بخبراتي قد ازدادت بعد هذا الامر.

• يتبع مستوى ثانٍ؟

- نعم وهو الذي ترك اثره فيّ بعدما نبّهني الى ان معظم اللوحات العربية في "صالون الرياليتيه.." كالزخرفة على مسطح..

• هل تشير هنا الى الصفة الزخرفية كعنصر الفاء للصفة التشكيلية؟

- ادل فقط على انجذابي الى لوحة بنت غريبة عن عيني، خارج المعاني الاليفة، قريبة لأن تشبه السجادة على جدار، ما حرّضني فكرياً ومن ثم عملياً على احداث تعديل جوهري في تعاملي مع سطح اللوحة.

• كأنك تقول ان للوحة العربية صفات تميّزها بالمطلق انطلاقاً من إعلانها "سجادة على جدار" ومن ثم في شكل اعرض "زخرفة على مسطح"

- الكلام على اللوحة العربية مدخل الى الكلام على لوحتي، وبالفعل انا تأثرت مباشرة بالطريقة هذه أي المبسّطة التي يشتغل به معظم الفنانين العرب.

• شعوري بأنك كفنان لا تختصر ولا تختزل، كيف تفهم التصوير؟

- التصوير عملية اختراق وانا وراء ما اعتبر انه جوهري. عندما ارسم اتصرف دوما كأن النقطة هي ركيزة الكلام وكأنها أصلا اهم من الزيح

• قلت انك مغرم بالطبيعة

- انا لا اهتم بالشجرة وانما بخلايا الشجرة وبالتفاصيل المعقودة على هذه الخلايا.

• تعود دوما الى التجريد صراحة او ايحاء وكما لو ان التجريد السؤال وجوابه؟

- تقول التجريد، طيّب، ربما انا حملته معي من لبنان، وربما دون ان اعرف يومئذ السبب، كجواب خفي على أسئلة صاخبة حول الحرب عندنا.

والحرب مشكلة مشكلاتي، وكنت يوم مغادرتي الى كندا راغباً في التخصص بعلم النفس لمعرفة "شو عم يصير فينا هونيك"، لماذا هذا الويل يعني.

• من علم النفس الى التصوير...

- هل تظن انها الطريق المستحيلة، التصوير جعلني اكتشف اكثر من جواب عن كمية من الأسئلة لا يزال بعضها مطروحا فيّ الى اليوم.

ووصلت الى التجريد كجواب حيوي عن معادلة بسيطة ان الفهم الشفاف لعالمنا الجوّاني يمر حتما بالتركيز على ما هو أساسي، وان التعبير السليم عما هو أساسي لا يتم جيدا سوى بالشكل المجرّد أي بالصياغة التجريدية، لان ليس له شكل معين او حس معين.

• بقايا الحرب اللبنانية في هنيبعل سروجي؟

- لون واحد معين يهاجم بقية الألوان، يقتلها كأنه نعم في حرب، وفي النهاية يصل باللوحة الى خلاصة تختصرها حركة بسيطة جداً قد تجد معناها في رقصة او في بيت شعر يمشي.

• وبيروت، أي بيروت في مشاريع هنيبعل سروجي

- ما عاد الفنان، أي فنان يقرر العيش على حجم نهاية العشرين وبحسب القواعد القائمة اليوم في المجتمعات التشكيلية الحيّة، ما عاد بامكانه ان يرتبط بمدينة، ان يقول مثلا انه موجود في باريس وحسب، او في نيويورك، او في طوكيو او ريو او روما او بيروت، وان اكتفي بمدينة كأنه اختار سجناً، والغد سيكون اكثر انفتاحا واشرس توزعا واعنف عدوانية، وقد تتحول بعض المدن الى شراك من الأفضل تجنبها.

*

ذاكرة -حقل 1-اكريليك ع قماش، 1994

وبتاريخ 5 تشرين الأول عام 1991 نشر الصحافي اسعد عرابي في جريدة "الحياة"، وتحت عنوان "هنيبعل في معرض باريسي"، التالي:

" أفتتح في الحادي عشر من أيلول داخل حديقة من حدائق غابات بولونيا الفرنسية معرض ثلاثي، ضم أعمال نحت وسيراميك لسيمون كوبدرك وجان هرتزبرغ، الى جانب اللوحات التجريدية للفنان اللبناني الكندي هنيبعل سروجي، وسيستمر المعرض حتى السادس من تشرين الثاني 1991.

" توزعت لوحات هنيبعل الاثنتي عشرة داخل جدران قاعات المعرض الثلاث المتصلة ببعضها، وطغت الوانه المشرقة على منحوتات وجداريات زميلتيه بسبب غلبة اللون الأحادي القاتم عليها. وهكذا جرى الامر بعكس ما هدفت إليه مسؤولة المعرض السيدة اوديل غولان غريزي، التي جاورت اعمال الثلاثة على أساس تكامل طبيعتها، فلوحات هنيبعل يتعشقها الهواء والماء وتغلب المادة الترابية والارضية الحجرية والآجرية والخشبية على اعمال النجت والسيراميك، في محاولة حوار بين عناصر الطبيعة.

" تعرفنا الى هنيبعل اعماله في باريس للمرة الأولى هذا العام اثناء المعرض الذي أقامه الفنانون اللبنانيون ضمن "تظاهرة كسر الصمت" في معهد العالم العربي، فإقامته في فرنسا حديثة العهد نسبياً بعد سنوات طويلة قضاها في مونتريال في كندا، حيث اتم تحصيله الفني في معاهدها.

يفتخر باسمه الكنعاني هاني بعل (كما يحب ان يفصله) فقد اقترن هذا الاسم بالقائد القرطاجي الفنيقي الذي وصل الى اسوار روما.

" يقول هنيبعل "ابلغ اليوم الرابعة والثلاثين، قضيت نصفها في كنف أهلي، في منزلهم التقليدي ذي الباحة العربية المزدانة بالخضرة تتوسطها نوافير الماء ويقع في قلب أحياء صيدا القديمة. أما النصف الثاني فقضيته في صقيع كندا وجرافات ثلوجها وايامها الكئيبة المكفنة بالغيوم والامطار".

لكن هنيبعل حافظ في لوحاته على تألق شمس لبحر الأبيض المتوسط وحرارة الشاطئ الصيداوي، وما استقراره في باريس سوى استجابة عفوية للشعور بضرورة الاقتراب من هذا البحر.

انعكست خبرته السابقة والنزوح المبكر على ثقافته واخلاصه للشرق وروحانيته، كما عكست اعماله ذلك القلق الداخلي العميق، وتبعثر أماكن دراساته، وتحوله الدائم من مكان الى آخر وكأنه طائر محكوم بالهجرة المزمنة وها هو يحط رحاله في غابة التدافع الفني الباريسي وينتزع مكانته بقوة.

اما عينا هنيبعل فتفتحتا خلال اقامته في لبنان على تصاوير خاله حليم جرداق، الذي شاعت مناظره الريفية المرهفة والمنجزة بالألوان المائية المشرقة، لا زال يذكر جيداً اعمال اتراب خاله من الفنانين خصوصا منحوتات الاخوة بصبوص، وحافظ على اتصاله بخاله اثناء غربته فلم ينقطع مرة عن مراسلته واطلاعه على تطور نحته التشكيلي.

لم يتحول هنيبعل الى مصور الا من خلال احتكاكه الدائم بالحركة الفنية الأميركية للتجريد المعاصر، وكان يعتبر مونتريال محطة انطلاق الى مراصد هؤلاء الرواد ومكامنهم الفنية. كانت رحلاته تتم كل أسبوع تقريبا في نيويورك، ويؤكد على انتعاش الحركة المعاصرة في اميركا بسبب هجرة الطلائع الفنية الأوروبية اليها بعد الحرب العالمية الثانية. ابتداء من الفرنسي مارسيل دوشامب وانتهاء بكوونينغ الهولندي، وهذا ما اعطى طابع الشمولية للمدرسة الأميركية في التجريد، وجعل من نيويورك ومتحفها مركزا ابداعيا جديداً في عالم الفن المعاصر.

وتستطيع رصد هذه الروافد "الأميركية" في تجريدات هنيبعل الذي يداهم فراغ اللوحة بمساحة لونية عملاقة كمخطط اول للتكوين العام. وتشكل هذه اللطخة المباغتة الأولى، الانبثاقة الأساسية وقد تغمر شتى اطراف اللوحة ولا تبقي أحيانا الا النزر اليسير من ضياء الأرضية الشفافة، كما يفعل سولاج باجتياح الأسود وتغليفه معظم السطح المستور...

وعلى رغم ان تجريد هنيبعل ينتسب الى ما يسمى بـ"التعبيرية التجريدية" التي قامت على إشارات كووينغ وهارتونغ، فإننا كثيراً ما نجد بصمات تكوينات الاتجاه الأكثر حداثة (التجريدية التحليلية) التي تعتمد على تكبير اللمسة الصغيرة، او صنع لوحة كبيرة.

في هذه التكوينات مستحضر أسماء طليعية من بوميستير وستيل وكلاين، وفرانسيس وشنايدر، ناهيك عن استعارته للمادة السائلة التي عرفناها في تجريدات ميساجيه في الستينات.

في شتى هذه الحالات يتمسك هنيبعل بعدائه للبنائية الهندسية الملوثة بالقرارات العقلية المسبقة.



 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2025