إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مسؤوليات مستحيلات للرفيق الدكتور سليم مجاعص

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2024-12-17

إقرأ ايضاً


منذ نشأته تميز الرفيق الدكتور سليم مجاعص بفكره النيّر وثقافته اللافتة، منه هاتان المقالتان "مسؤوليات مستحيلات" و "بديهيات اساسيات" اللتان تستحقان القراءة العميقة، ننشرهما له، لما تحويان من مقاربات للواقع الحالي.

ل. ن.

*

قامت الحركة القومية على الأسس التالية:

أوَّلاً، إعلان الحقيقة السورية والعمل على بلورتها؛

ثَانِيًا، إعلان الحقوق السورية والعمل على صيانتها؛

ثَالِثًا، إعلان المستقبل السوري المرتجى والعمل على تحقيقه.

أسس واضحة لا تحتمل التأويل أو الغموض.

لكن المصاحبات السياسية لعمل الحركة القومية قادت إلى تبلبل في المفاهيم والأولويات إلى درجة العمى عن المهمات الملقاة على أكتاف المنتمين إلى الحركة.

العودة إلى الوضوح في فهم أسس الحركة أمر ضروري وأساسي إذا كان هناك أي أمل لإنقاذ الأمة وإنقاذ الحركة التي تخدمها.

هذه الأسس غير محكومة بالزمن، فهي لا تشيخ، ولا تهرم، ولا تفقد صلاحيتها.

إنما المسوؤليات المنبثقة عن هذه الأسس، والخطط الموضوعة لتحقيقها، والأولويات المنظومة لإدراكها، هي التي عليها أن تواكب الزمن ومحاذيره القاتلة.

ولعل تعيين الأولويات من أدق المسائل التي على العاملين في الحركة تعيينها. لذلك قمت في الماضي بنقض مقولة "فلسطين هي البوصلة" التي كانت (ولا تزال) تتردد في الأدبيات الحزبية الحزينة، لأني رأيت فيها خلطاً مريباً لأولويات الحركة القومية.

تعيين هذه الأولويات هو ما يجب أن يتجه إليه فكر الحركة القومية.

ويبدو لي، من منظار فردي قد يصح أو قد لا يصح، أن الفتنة الدينية الناتجة عن العصبية الدينية المستعصية، من بين هذه الأولويات اليوم. إن أفاعي العصبية الدينية المستشرية في الشام، والمتربصة في الأردن، والقابعة في فلسطين، والراقصة في لبنان، والكامنة في العراق، قابضة على خوانيق الأمة للإجهاز عليها.

ويبدو لي، من منظار فردي قد يصح أو قد لا يصح، أن حقوق الإنسان السوري المهمشة والمخضبة بالدماء في جميع الدول السورية هي من بين هذه الأولويات اليوم. إن الدساتير السورية الحالية والمرتقبة هي من أقبح أنواع الظلم الحقوقي إطلاقاً، وهي تسوغ جميع ممارسات الظلم وفقدان العدل.

ويبدو لي، من منظار فردي قد يصح أو قد لا يصح، أن ضمور الوجدان القومي وبالتالي اضمحلال الشعور بسيادة الشعب على مصيره هو من بين هذه الأولويات اليوم. إن عدم أيمان وممارسة الشعب سيادته على مصيره، هو ما يسهل تحكم الثعابين به على مر تاريخنا الحديث.

أمامنا مسؤوليات مستحيلات علينا القيام بها "والقنا يقرع القنا وموج المنايا حولنا متلاطم".

هي خطى نمشي عليها لأننا اخترنا أن نمشي عليها...

*

بديهيات أساسيات


من الأمور البديهية أن الانتماء إلى الحركة القومية يقود إلى الشعور بالمسؤولية عن المصير القومي بكليته. وهذا الشعور هو مزية الوجدان القومي المتيقظ، وسبب آلام عظيمة كلما انتقل المصير القومي من هاوية إلى قعر، ومن بلية إلى مصيبة، ومن نكبة إلى كارثة، ومن ويل إلى ويل أعظم...

من الأمور البديهية أن الانتماء إلى الحركة القومية يعني تنكب مسؤولية بناء أمة جديدة على ركام أمة مهترئة ينخرها السوس وتقضمها الأفاعي. ومهمة بناء أمة عملية شاقة عندما يجتمع ضدها الأعداء الخارجيون والداخليون، ولا يصدق عليها زعم المتنبي أن سيف الدولة "بناها فأعلى والقنا يقرع القنا ..."

من الأمور البديهية أن الانتماء إلى الحركة القومية يتطلب الانتصار للإنسان السوري، وحقه في الحياة والحرية والعدل، وحمايته من حركات القتل والسحل والتقطيع، وتشريع القمع والظلم، والتميز المفتعل. فالحركة القومية هي حركة الحقوق القومية، والحقوق الإنسانية، والحقوق الفردية على أساس العقل والمواطنية والتقدم...

ونعرف أننا في الحركة القومية قد ارتكبنا أخطاء عظيمة في مسيرتنا منذ التاسع من تموز 1949، فكثير من قياداتنا كانوا يمتهنون تكرار الأخطاء، وجسمنا الحزبي كان يفترق عن مفهوم النهضة رغم تدثره بعباءة العقيدة، وتفكيرنا الخلاق لأساليب خدمة الأمة وقع في حالة جمود محنطة، وقلّد واتبع تفكير بياطرة السياسة في الدول السورية...

من الأمور البديهية أن الأمة السورية ليست اليوم "أمة تامة"، وأن القضية السورية لم تعد "قضية قومية قائمة بنفسها"، وأن الأمة السورية لم تعد "مجتمعاً واحداً"، وأن الأمة لا تستمد روحها من تراثها الإنساني النيّر بل من ظلامية القرون الدامسة السواد.

من الأمور البديهية أن حالة الأمة السورية أسوأ بكثير من حالتها في حياة سعادة. فلا يكفي أن نطلب البطولة المؤيدة بصحة العقيدة، لأن المصائب الجسام التي حلت بنا تتطلب منا إعمال الفكر في الحلول الجديدة، وليس التكرار الببغائي لكلام نيّر قيل في زمن ليس كالزمن الذي نحيا فيه.

من الأمور البديهية أن شراذم الحركة القومية، المتقاتلة حيناً والمتهادنة أحياناً، لا تستطيع كما هي دفع هذا الويل المستفحل عنا وعن الأمة. وإذا كان في توحدها خير، فهو ينحصر في حماية وجود الفكرة القومية والمؤمنين بها، ولا يتعدى ذلك، لأننا نخشى أن تكون وحدة الضعفاء ضعفاً كبيراً، والرؤية المتعثرة التي تحملها هذه الشراذم، عقبة في سبيل تنكب مسؤولية بناء أمة جديدة.

فلتتوحد هذه الشراذم إن قدرت على ذلك، لكن مستقبل سورية يتطلب أكثر من ذلك. إنه يتطلب إعمال الفكر القومي في استنباط الحلول والأساليب لإنقاذ هذه الأمة حتى لا نردد مع جبران خليل جبران "دعوها تموت"...




 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024