نحن أمةٌ لا تنسى شهداءها، ولا تسمح لأقزامٍ أن يتطاولوا على مقامات الشهداء فيها، ولا أن يتجرأوا على هاماتهم وهي تظلّلُ سماء الوطن والأمة بالعز والكرامة وأكاليل النصر والغار.
شهداؤنا عبقُ تاريخنا، فخرُ حاضرنا، طليعةُ انتصاراتنا التي آتت، والآتية حتماً في مستقبلِ أيامٍ لا نراه الا مستقبل أحرار لأمة الحرية على أرض الحرية.
ثوابتُ الانتماء الى الوطن رسمناها بدماء شهدائنا، وشهداؤنا خطوطٌ حمراء من يتجاوزها ذلاً نتجاوزه كرامةً، من يقفز فوقها خوفاً نقفز فوقه شجاعةً، من يسخّفها حقداً نسخّفه حباً، من يشوّه مضامينها المشعّة نجعلُ مضمونَه أتفهَ من مضمون قطة «تقتاتُ على كومةٍ من نفاياتْ»…
أن يسمّي التقرير الذي بثته قناة الـ«M.T.V» سناء محيدلي «انتحارية» ويساويها بانتحاريّي «داعش» ليس صدفة، وليس بالمناسبة «مفاجأة»، إذ أنّ الجهات الدولية والإقليمية والمحلية التي تدعم «داعش» هي ذاتها تموّل من يخلط العلم بالجهل، والمحبة بالحقد، والعزّ بالذل، والوطنية بالخيانة، والعمالة بالبطولة، والاستشهاد بالانتحار.
إن ما ذُكر في تقرير «M.T.V» بحق الاستشهادية البطلة سناء محيدلي هو نتاجُ ثقافة تريد القضاء على كلّ القيم التي ناضلت الإنسانية بأممها ومجتمعاتها وشعوبها من أجل ترسيخها وتوطيدها في ذاكرة الإنسانية، عنيتُ قيمةَ «الفداء والاستشهاد» المرتبطة ارتباطاً عضوياً بفكرة «الحياة» نفسها، إذ لا قيمة لحياة دون حرية، ولا سبيل لحرية دون صراع، ولا صراع دون استشهاد، فالشهادة هي القيمة المحورية التي تتركز فيها كلّ القيم…
لولا «الفداء» و«الاستشهاد» لما تحرّرت شعوب ولما انتصرت أمم على جلاديها على مرّ العصور، ولا انتصرت قيم إنسانية على شرائع الغاب والعبودية، بهذا المعنى «السيد المسيح» نفسه هو فادي الإنسانية ومحرّر الإنسان، وبهذا المعنى «المهاتما غاندي» استشهادي الانتصار على الذلّ والهوان، وبهذا المعنى «أنطون سعاده» فدائي الأمة من أجل نصرها وعزها، وغيرهم كثر كثر من الذين جسّدوا الفداء بطولةً واستشهاداً كي تحيا أممهم وتحيا شعوبهم ولكي تنتصر الإنسانية على البربرية…
ما ذكره تقرير الـ «M.T.V» بحق الشهيدة سناء محيدلي ليس غريباً عمّن حوّل الاعلام «بوقاً من أبواق أسياده» ووسيلةً للارتزاق الرخيص خدمةً لأغراض هؤلاء «الأسياد».
انها أزمة مفاهيم ابتليت بها الأمة وهي تقف في قلب حركة «الصراع» من أجل الدفاع عن الوجود، ثمة من يريد القضاء على قيمة «الفداء» في وجدان الناس عبر إحداث إشكالية تناقض بين «الحياة» و«الشهادة»، وتساوي بين ثقافة «الشهادة» و«ثقافة الموت» كما تساوي بين ثقافة «العيش» وثقافة «الحياة»…
في زمن انقلاب «الصورة» سنعيد تثبيت «المفهوم الحقيقي» لمنظومة القيم التي يريدون تدميرها، وسنعيد تركيز «سلّم قيمي» يساعد على صياغة «رؤية» تكون مرتكزاً لسلوك الأمة حاضراً ومستقبلاً.
ثمة استبداد إعلامي ظلامي يريد أن يسيطر على عقولنا عبر إيهامنا بأنّ فكرة «الحداثة» هي نقيض فكرة «الانتماء» وأنها نقيض فكرة «الهوية»، ونقيض فكرة «المقاومة» للاحتلال، هناك من يعتقد أنّ «الحداثة» تستوجب تعطيل حركة العقل والاستجابة الى منتوج «العقول المستورد»، و«الاعلام المستورد»، حيث أن تقرير «MTV» يشكل ترجمة أمينة لثقافة التجهيل والتسطيح والتشويه للحقائق والأشياء…
ثمة حرب إعلامية استباقية تشنّها قوى كبرى لإضعاف روح العزيمة لدينا، وكسر إرادة شعبنا، والنيل من إصراره وتصميمه على الدفاع عن حقه في الوجود الحرّ الفاعل والمقاوم…
محاولات التغريب هذه لن تنجح، وهي باتت مكشوفة الى أبعد الحدود، فنحن نؤمن بثقافة الحياة حتى ينقطع النفس، ونؤمن بأنّ ثقافة الحياة هي ثقافة الصراع من أجل الحرية، وهي ثقافة الدفاع عن الأوطان، وهي ثقافة التضحية، وهي ثقافة الفداء، وهي عينها ثقافة الاستشهاد، أيّ ثقافة انتصار «سناء محيدلي» على ثقافة القتل والارهاب الداعشية، فثمة فارق بين من يقتل المدنيين في جاهلية فكرٍ ظلاميٍ حاقد، وبين من يستشهد عن سابق إصرار وتصميم في وجه محتلّ استباح كلّ الحرمات، وانتهك السيادة والحرية والاستقلال…
ختاماً، ستبقى سناء محيدلي بما تمثّل، أيقونة شهادة ترشحُ دماً وعزاً وكرامة… رغما أنف كلّ المارقين في الإعلام وفي ذاكرة الوطن…
|