«حكاية الفداء» التموزي جزءٌ لا يتجزأ من تراث الأمة الحيّ والمستمرّ عبر التاريخ. 8 تموز له رمزية الشهادة في سياقٍ تاريخيٍ متصل بمراحل وحقبات تاريخية شكلت وتشكل تراثاً أصيلاً ينبع من منظومة القيم التي جسّدها إنساننا عبر الزمن.
في 8 تموز، ثبّت أنطون سعاده المنهج التاريخي في تجسيد قيمة «الفداء» والتضحية وتماهي الفرد وانغراسه في قلب قضايا مجتمعه وأمته وشعبه.
هذا التاريخ غدا عصياً على النسيان، لأنه ترسّخ في تلافيف الذاكرة الجماعية لأمة تأبى أن يكون القبر مكاناً لها تحت الشمس، أمة مصارعة مناضلة مكافحة تختزن داخلها مقوّمات الصمود والاستمرار كلّها، أمة حرةً هادية كما أرادها سعاده للأمم عزيزةً تتنفس حريةً وشموخاً وأباءً، وتحملُ قيم الشهادة باعتبارها أقنوماً من أقانيم الحياة وثقافتها وقيمها ومناقبها وفلسفتها الأصلية.
من أمثولات الثامن من تموز أنّ «الفداء» منهج حياة يحمل قيماً ترتبط ارتباطاً عضوياً بفكرة الحياة، إذ لا قيمة لحياة دون حرية، ولا سبيل لحريةٍ دون صراع، ولا صراع دون استشهاد، فالشهادة هي القيمة المحورية التي تتركز فيها القيم كلّها.
ثمّة مَن يريد القضاء على هذه القيمة في وجدان الناس عبر إحداث إشكالية تناقض بين «الشهادة» و«الحياة»، وتساوي بين ثقافة «الشهادة» وثقافة «الموت»، كما تساوي تماماً بين ثقافة «الحياة» وثقافة «العيش».
إنها أزمة مفاهيم ابتليت بها الأمة، وهي تقف في قلب حركة الصراع…
في زمن انقلاب الصورة تغدو الحاجة ملحّة لتثبيت «المفهوم» وتركيز سلّم قيمي يساعد في إعادة صياغة رؤية تكون مرتكزاً لسلوك الأمة حاضراً ومستقبلاً…
ثمة استبداد فكري ظلامي يريد أن يسيطر على عقولنا عبر إيهامنا بأنّ فكرة «الحداثة» هي نقيض فكرة الانتماء، وأنها نقيض فكرة «الهوية»، ونقيض فكرة «المقاومة»، ثمّة مَن يريد إيهامنا بأنّ الحداثة تستوجب تعطيل حركة العقل والاستجابة إلى منتوج «العقول المستوردة»…
والأخطر محاولة إيهامنا بأنّ لغة الانتماء إلى التاريخ، الى الجغرافيا، إلى وحدة الحياة، هي لغة خشبية، وأنّ لغة الشهادة هي لغة من خارج العصر…
الثامن من تموز ذكرى نستلهم منها عبرة وقفة العز التي وقفها سعاده على رمل بيروت دفاعاً عن كرامة هذه الأمة وعزتها…
|