يبدو أنّ القراءة المتأنية لما يحدث اليوم في لبنان تؤكد حقيقة المخاوف في أن يقوم البعض بتكرار الأخطاء والخطايا عينها التي ارتكبها في الماضي بحق لبنان واللبنانيين عن قصد أو عن غير قصد، بوعي أو من دون وعي وأن يعيد عقارب الزمن الى الوراء متناسياً مرارة الماضي بمآسيه وكوارثه.
هذا ما يدفعنا للتساؤل لماذا لا يتعلّم هذا البعض من أخطاء الماضي؟ لماذا هذا التصميم على ارتكاب الأخطاء والخطايا نفسها دونما إجراء مراجعة بسيطة نقدية للمراحل السابقة؟
ما هذا العقم الذهني الذي يعطّل القدرة على التعلّم واكتساب المعرفة ومراكمة الخبرة؟ ثمة حاجة للتمعّن في مدلولات الكثير من المصطلحات والمفاهيم، كمفاهيم السيادة والحرية والاستقلال التي تُطرَح بقوة في منتديات السياسة اللبنانية، وفي أسواق القطع السياسي لطبقة سياسية غارقة في «دونكيشوتية» حالمة بمجدٍ زائف على حساب الوحدة الوطنية والاستقرار، وعلى حساب التنكّر لهوية لبنان ودوره الطبيعي في محيطه وعالمه العربي.
إنّ العودة إلى الماضي يجب أن يكون لها هدف واحد هو إنعاش الذاكرة وأخذ العِبَر كي لا يقع هذا البعض مرة أخرى في رهانات الماضي، ولكي يصحّح المسار الوطني في اتجاهات تثبيت الهوية الوطنية والقومية الصحيحة، وتثبيت السيادة الحقيقية على قواعد الحرية والاستقلال الحقيقيين في الإطار القومي وبما يتوافق مع القواسم الوطنية المشتركة التي تضمّنتها وثيقة الطائف كمنصة لمغادرة بنية هذا النظام الطائفي الهشّ، ولا سيما ما يتعلق بهوية لبنان وانتمائه إلى بيئته الطبيعية وعمقه الاستراتيجي.
نرى في بعض خطاب اليوم شيئاً من خطاب الماضي الذي أوصل لبنان إلى نتائج كارثية، لقد خبرَ شعبنا في لبنان كلّ أشكال الوصايات والتدخلات الأجنبية منذ العام 1860، الى نظام المتصرفية في جبل لبنان، إلى نظام القائمقاميتين، إلى حكم الانتداب الفرنسي، إلى الرهانات التي ذهب بها بعض اللبنانيين بعيداً، رهانات جهنمية على «الإسرائيلي» ترجمت في العام 1982 اجتياحاً «إسرائيلياً» للبنان دفع ثمنه اللبنانيون بأطيافهم وشرائحهم كافة.
لقد آن الأوان لنعيد بناء مرتكزات سلام المجتمع مع نفسه، على قاعدة الالتزام بالهوية الوطنية الجامعة الملتصقة بتاريخ بلادنا وكلّ إرثها الإنساني والحضاري المنفتح الذي يقع على خط نقيض ضدّ الانغلاق والتقوقع والانعزال والتعصّب. بيد أنّ فتح الصفحة الجديدة بين أبناء المجتمع الواحد يكون على قاعدة الالتزام بالثوابت الوطنية والانحياز إلى قضايا الدفاع عن الوجود الوطني.
وتتفرّع من هذه المبادئ والثوابت التي أكد عليها الدستور اللبناني، أيّ مسألة تمييز العدو من الصديق، والتأكيد على أنّ العدو الحقيقي للبنان هو العدو «الإسرائيلي» الذي شكل ويشكل تهديداً مباشراً كما لأمن لبنان، كذلك للأمن القومي برمّته.
وبالتالي، فمقاربة المسائل والقضايا والملفات سواء في السياسة أو في الاقتصاد أو الثقافة أو الأمن يجب أن ترتكز على هذه المبادئ والثوابت وانطلاقاً من الخلاصات المستقاة من رحم تجارب الماضي.
لذا، فإنّ الانتماء الحقيقي للبنان، يُملي على البعض أن يراجع تاريخه كله وكلّ علاقاته وارتباطاته المتناقضة مع ثوابت الحياة الوطنية التي أجمعَ عليها اللبنانيين كلهم، واستخلاص العبر والخلاصات والدروس لما فيه خير لبنان واللبنانيين.
أخيراً، إنّ عقارب الزمن لا تعود الى الوراء، فلننظر الى المستقبل بعين الأمل والتفاؤل واليقين أنّ لبنان لن يكون إلا موئلاً للحريات ومقبرةً للاحتلال والإرهاب ولكلّ المشاريع الهدامة بنسخها القديمة والحديثة!
|