بتاريخ 16 حزيران 2014، نشرنا نبذة عن مهرجان دير القمر صيف العام 1952.
في محاضرته في الجامعة الاميركية، الخميس 20 ايار 2004 يعرض النائب والسفير غسان تويني لمهرجان دير القمر، وكان في تلك الحقبة نائباً عن جبل لبنان، وممثلاً للحزب في "الجبهة الاشتراكية الوطنية" التي ضمّت احزاباً وقوى سياسية وشعبية عملت على اسقاط حكم رئيس الجمهورية بشارة الخوري.
*
يوم دير القمر صيف 1952، كانت المعارضة قد قررت، في عصر الانقلابات العسكرية المتتالية في الشرق الاوسط، اللجوء الى "انقلاب أبيض" لإسقاط رئيس الجمهورية بشارة الخوري وعهده بتوسّل ضغط شعبي على مجلس النواب لحمل أكثريته على فرض استقالة الرئيس دستورياً وذلك بدون اللجوء الى اي عنف، سوى الإضراب العام.
" يوم "دير القمر" اقترحتُ على سلطة الحزب ان يظهر القوميون شعبياً بمظهر منظم رهيب، رغم كوننا لا نزال حزباً "منحلاً"، والرئاسة منفية في دمشق وبعض القياديين إما في السجن وإما مهجرّون.
" وهكذا كان. فحشد الحزب ما لا يقل عن خمسة آلاف قومي في القرى والتلال المحيطة بدير القمر وبعقلين منذ يوم السبت، ناموا هناك ثم تجمعوا سراً في منشية دير القمر حتى اكتمل عقد المؤتمرين، من زعماء المعارضة ومحازبيهم، وخصوصاً الاشتراكيين الذين ملأوا الساحة. ولما اقترب وقت افتتاح المهرجان هبطنا صفوفاً منظمة، ثمانية ثمانية لا ازال اذكر، وفي المقدمة الامناء: حسن الطويل، فؤاد ابو عجرم، كامل ابو كامل، وانعام رعد وأنا بينهم حتى وصلنا الى المنصة، فصعدتُ إليها وكانت تظلل صفوفنا لافتات مخطوطة عليها اقوال موقعة من سعاده، ولا اعلام حزبية. واجتازت صفوفنا سوق البلدة في جو حماسي، كله زغاريد وهتافات، بينما باقات الزهور والأرز تلقى علينا من النوافذ والشرفات ".
*
عن هذا المهرجان يتحدث الامين انعام رعد في مذكراته "الكلمات الاخيرة"، فيروي في الصفحتين 68-69 وتحت عنوان "الجبهة الاشتراكية الوطنية" التالي:
" كان الجو يختمر في صفوف الحزب من اجل مواجهة الحكم الذي اغتال سعاده، والذي أخذ يضيّق على الحريات، ويتسم بالفساد، إذ جدد لنفسه رغماً عن الدستور ورغماً عن إرادة الشعب.
" كانت سنة 1950 ـــ 1951 تشهد ذلك الاختمار، فقد تشكلت "الجبهة الاشتراكية الوطنية" من كميل شمعون وكمال جنبلاط، كركنين اساسيين، ومن الكتلة الوطنية. وقد اسهم الحزب بتأسيسها ممثلاً بالاستاذ غسان التويني، الذي كان قد استعاد عضويته في الحزب بعد مقاله الشهير في "النهار" وسجنه، ثم اتصاله بالقيادة المركزية في دمشق. والاستاذ غسان تويني شخص مؤهل للمهمات السياسية. وكانت جريدة "النهار"، تلعب دوراً رئيسياً في المعارضة للحكم القائم، وتمثل منبراً اعلامياً كبيراً وميزاً.
" في العام 1951 قُتل رياض الصلح وهو في عمّان، على أيدي ميشال الديك ومحمد اديب الصلاح وسبيرو وديع. وهنا لا بد من ان نتوقف أمام تلك القوة الهائلة التي أظهرها محمد الصلاح، إذ انه بعدما أصيب بالرصاص، وبعد استشهاد ميشال الديك، أطلق الرصاص على نفسه. قاموا باسعافه، وكان الملك عبدالله يصرّ على إنقاذه لمعرفة المدبّر، ولكن محمد مزّق ضماداته مرتين، وجعل جرحه ينزف. فكان مصمماً على الاستشهاد كي يبقى السر في قلبه.
" كانت عملية الاغتيال متقنة، ولا بد ان تكون القيادة الحزبية وراءها، على الرغم من أن القوميين الاجتماعيين اصدروا، في وجدانهم، ما يشبه الحكم على الذين اغتالوا سعاده ظلماً ومن دون محاكمة عادلة. وقد سبق عملية اغتيال رياض الصلح في عمّان، محاولة اخرى قام بها الرفيق توفيق حمدان قرب الصنائع في بيروت ولم يوّفق وحُكم.
" وللدلالة على الوجدان القومي الذي كان يضجّ بعد استشهاد سعاده، اذكر أنني كتبت مقالة بعنوان "شقائق النعمان"، كما كتب رفيقنا الراحل الامين محمد يوسف حمود مقالة "أسقوني"، قبل اسبوع من مقتل رياض الصلح، من دون ان نكون على علم بعملية الاغتيال ولا بتوقيتها. و"شقائق النعمان" تحدثت عن أسطورة تموز الذي يُصرع ولكن دماءه تعود فتنبت في الارض شقائق النعمان، اي ان الحزب سوف ينبت من جديد. وعلى اثر هذه المقالة استدعيت الى التحقيق، فكان عليّ ان اتوارى لفترة.
" وفي 1951، جرت انتخابات نيابية في الجبل، وكان الحزب قد رشّح غسان تويني على لائحة كمال جنبلاط وكميل شمعون، ضد لائحة الشيخ سليم الخوري. في تلك الانتخابات كانت اولى المهام السياسية التي أنتدبتُ لها، وهي أن أدير المعركة في الشوف وأرافق الاستاذ غسان تويني.
" منذ ذلك اليوم، رافقت الاستاذ غسان، وتوليت إدارة مكتبه بعد فوزه بالنيابة، وقمت بجولات عديدة في الشوف. فازت لائحة المعارضة بخمسة مقاعد من أصل تسعة، وكان في طليعة الفائزين الاستاذ غسان تويني. وكان هذا نصراً سياسياً اولياً حققه الحزب على طريق مهرجان دير القمر في 1952.
*
يضيف الامين انعام رعد: شاركتُ في المهرجان، وهناك صورة لي في مقدمة الصفوف مع غسان تويني وغيره. وفي الحقيقة إن ذلك المهرجان ادى الغاية التي استشرفتها مفوضية لبنان في الحزب، فقد تميّز بحشد قومي اجتماعي كبير تتقدمه اليافطات التي تحمل اقوال سعاده وبتوقيع سعاده. كان هذا ظهوراً شعبياً للحزب يخترق الحظر والمنع، وصفّقت الجماهير المحتشدة في دير القمر، وكانت قوة الحزب القوة النظامية والسياسية الاولى التي شاركت في ذلك المهرجان الكبير، إضافة الى الحشود الشعبية الكبيرة التي تألبت حول كمال جنبلاط بالدرجة الاولى وحول كميل شمعون ثانياً. "
|