بعد أن عممنا ما كان أورده كل من الأمينين جبران جريج وعبدالله قبرصي والرفيق جميل مخلوف من مرويات تضيء على مجريات الأمور قبل الثامن من تموز، نورد أدناه ما كان جاء من مؤلف الأمين شوقي خيرالله "قصة الحزب".
ل. ن.
" يوم 7 تموز استنفرنا الى موقع بيروت، قرب المتحف اليوم. أقمنا هناك ، بدون أي وضوح، داخل حرم القيادة مع منع بخروج احد. وحده النقيب وديع معلوف خرج بعد الظهر ورجع مسود الوجه وخائفاً. سألناه عما في الأمر فلم يجب. ولكنه بعد برهة انتحى بالملازم أول صفير والنائب إدوار بخاش والنائب بدوي، أي رؤساء الفصائل ما عداي، وراح يوشوش. لم أستنظف هذا الجو. وبعد أن تفّرق "القواد" وابتعد المعلوف اقترب مني رزق الله صفير خائفاً جداً ووشوشني بالفرنسية أن الزعيم سعاده في المحكمة العسكرية قيد المحاكمة وأني تحت المراقبة الصارمة مع أوامر بقتلي إذا تحركت. ورجاني صفير ألا أتحرك لأن الدنيا خارجاً ملأى بالشرطة والدبابات. ثم اقترب مني إدوار بخّاش، صديقي ايضاً، ورجاني شبه دامع، بالفرنسية ايضاً أن أظل هادئاً لأنه مكلّف بردعي ولو بالقوة عن الخروج من حرم الوزارة، وأن في الخارج قوى حول المحكمة العسكرية لا يخترقها احد. حوالي الغروب وبدء العتمة عرفت أن الملازم أول فرنسوا جنادري مكلف من قبل القيادة بأن يحضّر باقة زهور للإعدام بحسب التقاليد المرورثة عن الجيش الفرنسي. ثم عرفت أنهم، قبل انتهاء المحاكمة، قد حفروا قبراً في مقبرة مار الياس بطينا وحضّروا صندوق خشب. هذا فيما المحاكمة الصورية جارية وإميل لحود يناقش الزعيم في مواد الدفاع، والملازم أول الياس رزق الله يكلف بالدفاع فيتحمس أثناء دفاعه ويبرز الحجج فيسكته رئيس المحكمة لعدم جدوى كل هذا الجهد. أما لجنة العفو فلم تُدعَ لأن بشارة الخوري ورياض الصلح لا يريان نفعاً في تأخير تنفيذ الإعدام مهما كان رأي لجنة العفو. وهما يعرفان أنه ما من لجنة إلا ستطعن بالمحاكمة أصلاً وبالحكم.
ويضيف الأمين خيرالله في الصفحتين 223-224 ما يلي:
" مفرزة الإعدام تعينت مساء من عناصر الفوج الثالث برئاسة النائب الياس ابراهيم من السرية الثانية، ولم يأخذوا أي جندي من سريتنا. في نصف الليل نقلوا سريتنا الى ما بين سجن الرمل والمطار (القديم) في بير حسن. وقد سمعتُ صوت النار من حيث كنا نجهل أين مكان الإعدام. ومع رشقة الرصاص من مفرزة الإعدام تعالى صوت المؤذن "الله أكبر الله أكبر" من مأذنة قرب حبس الرمل، الساعة 04.20 .
في 8/ تموز ظهراً، كان النقباء سعيد الخوري وسعيد نصر الله وشفيق سلّوم يستفهمون من جندي بمفرزة الإعدام إذا كان الزعيم سعاده قد أعدم حقاً بشخصه ام استبدلوه بشبه له، وهل هو متأكد أنه فعلاً قد أُطلق النار على الزعيم سعاده ؟!
أنا وحدي كنت متأكداً من حصول ما حصل لأنه مكتوب سلفاً ولأن الزعيم كان يعايش هذه الخاتمة بتفاصيلها ودقائقها إذا لم ينجح هو في حياته أن يُنهِض الأمة السورية ويوحّدها. ولذلك تصرّف في المحكمة كما في السجن كما على عامود الإعدام ببساطة وسكينة وروية كما لو أنه قد أعدم مئة مرة من قبل. لي أنا قد قال أكثر من مرة أنه سوف يعلّم هذه الأمة شرف الموت ووقفة العزّ إذا ما سنحت له فرصة الإعدام . للكاهن الذي عرّفه، الأب برباري، قال أنه ليس عنده ما يقول سوى توصية بالحزب وبأطفاله. وإزاء عامود الإعدام تصرّف كصديق عتيق لهذا المشهد وطلب عدم عصب عينيه وعدم الركوع فرفضوا فامتثل لأنه لا وقت للجدل. وبعد أن لفّوه بالحبل لفاً مع العامود جاءه الدكتور "ألبرت نجار" يجسّ نبضه فقال له الزعيم مبتسماً: ماذا يا دكتور، أتحسب نبضي متسارعاً من خوف. الخوف بالحري على هذه البلاد. أما أنا فبرهة الموت عندي ومضة كطرفة العين، أمضي فيها الى خلودي. ولما سأله النقيب "بريدي" قائد الشرطة، بعد ركوعه ولفّه بالحبل عن إرادته الأخيرة أجابه الزعيم باسماً: ثمة بحصة تحت ركبتي اليمنى، تضايقني، فهلاّ نزعتها؟!
هذه الاعترافات أخذتها من أصحابها، وقد أخبروني بها وجِلين تنتابهم رجفة وحيرة ولو بعد سنوات من الحدث. الياس رزق الله كان يقف مع الزعيم في المحكمة أثناء استراحة، فراح الزعيم يشرح له أشياء في الإنجيل الموجود على طاولة القسم ولما سأله الجندي هل يريد أن يأكل طلب منه رزاً ولبناً فقط لأنه أنفع للصحة. في بيتنا ببحمدون، كان يطلب من والدتي رزاً ولبناً رائباً كعشاء".
في: 07/02/2017 لجنة تاريخ الحزب
|