هذه باقة من كثير، اما مآثر حزبنا، وبطولات رفقائنا، ومواقف التفاني المستمرة منذ تأسيس الحزب، فهذه قد تعجز ان تضمُها مجلدات. واذا كان رفقاء سجلّوا بعضاً من تلك المآثر، التي عمدنا الى نشر اجزاء منها في نبذات سابقة، الا اننا ندعو رفقاءنا الذين سطرّوا مواقف التحدي والجرأة والتفاني، او عرفوا بها، ان يكتبوا الى لجنة تاريخ الحزب.
**
الرفيق بطرس كيروز: كان من مرافقي سعاده، وسقط شهيداً في بداية سنوات الحرب المجنونة 1975 – 1976.
يروي الرفيق البير ابو حيدر انه التقى به في سجن الرمل عام 1949 .
عند خروج الرفيق بطرس من السجن، حاملاً فراشه، بادره آمر السجن محمد جواد دبوق: يا بطرس، مستعد ترجع عالحبس ؟
فأجابه الرفيق بطرس: الفرشة تحت باطي، وانا مستعد كل ساعة، ولتحي سورية.
*
يروي الرفيق ابو حيدر ايضاً انه كان اوقف بعد الثورة القومية الاولى في مخفر بكفيا مع رفقاء آخرين، " في الصباح اخذنا رئيس المخفر "حنا رزق الله" موقوفين الى سجن الرمل بعد ان خيّرنا بين ان نذهب سيراً على الاقدام، ام يستأجر لنا سيارة تاكسي. فكان جوابنا اننا على استعداد للسير الى سجن الرمل على اقدامنا.
كنا فخورون، نسير ورؤسنا مرفوعة والمارة ينظرون إلينا مدهوشين، وقد عرفوا اننا من الحزب السوري القومي الاجتماعي.
هكذا كنا نقدّم للاخرين درساً على ما نحن عليه. كنا قدوة في كل تصرفاتنا.
**
يورد الامين د. عبدالله سعاده في الصفحتين 209-2010 من مذكراته "اوراق قومية" ما يلي:
" نشط بعض أهلنا وأصدقائنا في الخارج لتأمين عفو خاص من قبل رئيس الجمهورية شارل الحلو يشمل عشرة سجناء. وانتشرت اخبار هذا العفو الخاص في الخارج وفي السجن، مما خلق بلبلة هناك وهنا. فاجتمعنا في غرفتنا لتدارس الأمر فأبدت أكثريتنا رغبتها في رفض العفو الخاص. أما الموافقون عليه ضمناً والساعون إليه سراً فقد تهيبوا الموقف وسايرونا في الرفض. وبالفعل بعد مدة وجيزة جاءت الى السجن لجنة طبية برئاسة الدكتور الاستاذ يوسف حتي، لتبحث معنا هذا الموضوع، وطالبت ان تلتقي بي شخصياً كوني الأكثر مرضاً بعد العمليات الجراحية في ظهري، وكوني كنت المسؤول الأول في الانقلاب. فأصرّ الرفقاء على ان يكون اللقاء جماعياً، وكنت اعلم سبب اصرارهم "ان سوء الظن من بعض الإثم". ورتبنا الأمر على الشكل التالي: كانت غرفتنا عبارة عن غرفتين صغيرتين مفتوحتين على بعضهما، فالتقيت باللجنة في الغرفة الخارجية، وبقي الرفقاء كلهم في الغرفة الداخلية يسمعون ولا يشاركون. بادر الدكتور حتي قائلاً: "ان رئيس الجمهورية قد قرر العفو عن عشرة من الكبار بينكم، مما يسهل طريق العفو عن الباقين، ولكنا بحاجة الى ترتيب الشكليات الضرورية، واعداد اضبارة طبية عن كل واحد منكم بتوجيهات من رئيس الجمهورية، وانها قضية شكلية لا غنى عنها". فشرحتُ للدكتور حتي وللجنة موقفنا الرافض قطعاً للعفو الخاص، والتمييز غير العادل بين الرفقاء، واكدتُ له ان رئيس الجمهورية سيكسب عداءنا الشرس إذا اصرّ على اصدار العفو الخاص، ورجونا اللجنة ان تنقل إليه شكرنا لحسن نيته ورفضُنا المطلق لتنفيذها او القبول بها. هنا أجاب رئيس اللجنة: "بعد هذا الموقف الصريح الواضح لم أعد أجد منفعة من المضي في اعداد الاضبارة الطبية"، وأردف: "أنا واثق من ان رئيس الجمهورية سيحترم رأيكم". وانطوى موضوع العفو الخاص الى غير رجعة.
" اشرت الى ان هذه الاخبار تسرّبت وانتشرت في الخارج، فقد جاء أحد أقربائي الى والدتي التي كانت تبلغ من العمر 95 سنة مبشراً إياها بأن ولدها "الحكيم" سيعود قريباً الى أميون، وشرح لها موضوع العفو الخاص كما كان وارداً. فشكرته على اهتمامه، واستدعت زوجتي مي، وأخبرتها بما سمعت من خبر العفو عني، وأضافت: "ارجوك ان تنقلي الى عبدالله ان قبوله بالعفو الخاص يسيء كثيراً الى شرفه وشرف حزبه. فقد دخل السجن وهو رئيس هؤلاء الشباب، وما عليه إلا مقاسمتهم النتائج بأخلاقِ الرجال، وأن يكون آخر واحد يترك السجن وليس اول واحد".
" فجاءت زوجتي الى سجن القلعة لمقابلتي، ونقلت إلي ما قالته أمي، فتأثرتُ كثيراً من نبل هذا الموقف ورجعت الى الغرفة والدمعة ما تزال في عيني، فسأل الرفقاء عن السبب فأخبرتهم بموقف الوالدة المشرف، فشاركوني مشاعري.
" وبعد دقائق استدعيت ثانية للمقابلة، واذ بقريبي وسائق سيارتي سليم منصور، يخبرني بأن والدتي استدعته وكلّفته بأن ينقل إلي شخصياً موقفها من العفو الخاص، خشيةً ان لا تقوم زوجتي بواجب نقل وصيتها لي. وضحكت من هذه المبادرة الطريفة، وعدت الى غرفتي والابتسامة لا تزال على وجهي. فسألني الرفقاء: "خير انشالله، ما هو الخبر المفرح؟" فرويت لهم قصة سليم منصور والوالدة.
" بعد أشهر نُقلت الى مستشفى الجامعة الاميركية، وجاءت والدتي على كرسيها المتحرك تزورني في المستشفى، ودخلت علينا السيدة ليلى جدع(1)، التي قبلت يدها وسألتها: " هل صحيح يا ستي أنك لم تريدي العفو عن ابنك ؟". فأجابتها الوالدة: " الامر الوحيد الذي يحدوني لأن أبقى حيّة هو ان ارى ولدي عبدالله خارج السجن، ولكن هل تريدينني يا سيدة ليلى ان اراه حراً بدون كرامة شخصية ولا كرامة حزبية ؟". انت وانا لا نريد ذلك. لو كان مرضه مميتاً ربما كنت اوافق، أما وأنه يشكو آلاماً في ظهره وساقيه، فبإمكانه ان يتحمّل هذه الآلام في السجن كما في الخارج". فانكبت السيدة جدع على يدها تقبلها وتقول: "أسأل الله ان يعطيني وعيك في شيخوختي أيتها الكبيرة" .
**
يروي الرفيق متى اسعد في الصفحة 190 من مؤلفه "الماضي المجهول" انه توجه صيف العام 1972 الى مخيم للاشبال في "وادي الخنفسة" في بيت مري، بدعوة من الرفيق فهد الشمعة الذي قال له: " ان احد الكهنة سيأتي الى المخيم ويلقي كلمة ". وبالفعل حضر الاب جورج رحمة وبرفقته الاب انطوان ضو. يضيف الرفيق اسعد ان الاب رحمة صعد الى المنبر وبدأ بالقول: " يا شباب انا لست سورياً قومياً ولكن دعوني أقُــل لكم اننا بعد ان حصلنا على دكتوراة في اللاهوت ارسلنا الى ارقى الجامعات في الخارج للحصول على دكتوراة في الفلسفة والعلوم. وفي الجامعة اعترضتنا مسائل لم نجد حلاً لها فلجأنا الى البروفسور الأعلى في الجامعة نسأله حلاً لهذه العقد فصمت قليلاً ثم قال لنا بصوت خافت: "راجعوا كتاب نشوء الأمم لأنطون سعاده"، هنا وقف شعر رأسي، جئنا من أقاصي الارض لنتلقّى العلوم وإذ بهم يعيدوننا الى لبنان، الى انطون سعاده ! فذهبنا الى مكتبة الجامعة وفتشنا ملياً حتى وجدنا الكتاب المذكور وها أنا الآن أقف امام تلامذة سعاده لأقول من دون مبالغة اننا بفضل هذا الكتاب نلنا الدكتوراه بتفوق. ولكن قرّرت بيني وبين نفسي ان اتعرّف الى سعاده فور عودتي الى لبنان، وبالفعل بعد ان عدنا، جمعتُ كل ما كتب سعاده وذهبت الى البحر، هناك على البحر كنا ثلاثة، أنا والبحر وسعاده، ولكن بعد ثلاث ساعات لم أعد أعرف أيهما البحر (سعاده أم البحر)، هنا بدأ التصفيق الحاد من الرفقاء ــــ بعد ذلك قال الأب رحمه: إني على استعداد للاجابة على اسئلتكم جميعاً. وكانت الاسئلة توجه خطياً حيث أخذ الرفيق فهد شمعة الذي كان يجلس بقربي ورقة وكتب عليها: "ما دام الأب المحترم قد قرأ سعاده وآمن بأقواله ألا يخشى لوم رؤسائه العاملين بالسياسة الدينية ؟" قال الاب رحمه رداً عليه: "إني أجيب السائل بأني بعد أن اطلعت على سعاده، لم يعد يهمني من هذا الكون الا الله وضميري.
بعد ذلك لم اعد ارى الاب رحمه، حتى رأيته على شاشة تلفزيون النور Télé Lumiére ، وهو يشرح للسائلين والمستمعين مساوئ البدع التخريبية في الرسالة المسيحية.
**
سعيد تقي الدين وجمعية خريجي الجامعة الاميركية
ما اورده الامين اديب قدورة في الصفحتين 178 و 179 من كتابه "حقائق ومواقف" يقدم اضاءة مفيدة عن الرفيق سعيد تقي الدين وعن الحضور القومي الاجتماعي في جمعية خريجي الجامعة الاميركية، يقول:
" احتدمت المعركة الانتخابية بين سعيد تقي الدين والنائب إميل البستاني، بقوة وعنف شديدين. ورغم ما كان يحيط بإميل من القوى والفاعليات ورغم تكتل الاحزاب ضدنا، وأساتذة الجامعة الذين يساندونه ويؤيدونه ، كان سعيد تقي الدين مجلياً في الميدان، ويبرز تفوقه على إميل بوضوح، مما حفز البستاني ان يبادر في إعلان تعبئة جيش من الموظفين والمهندسين، وإحضارهم من الكويت والخليج العربي بالمئات، بواسطة طائرات خاصة، من اجل الاقتراع، ثم ارجاعهم ثانية. ومع كل ما بذله من جهود هائلة وأموال طائلة للفوز بالمعركة، فبالكاد ربحها بفرق أصوات قليلة !. ولكنه لم يستطع ان يأخذ صوتاً قومياً واحداً ولا صوت كمال خولي(1) رئيس العلاقات العامة في "كات"(2) لقد صوّت علناً مع سعيد . هكذا الحزب. ولم ينسها إميل حتى موته.
تشييد نادي جمعية المتخرجين:
قبل انتماء سعيد تقي الدين الى الحزب، كان رئيساً لنادي المتخرجين. كما كنت أنا عضواً في مجلس هذه الجمعية . وكان هذا النادي يتألف من عدة ملاعب للتنس مع غرفتين ودوش.
قدم سعيد مشروع بناء للنادي، يحتوي على فندق، يؤمه المتخرجون من خارج بيروت ولبنان، يتضمن جميع اسباب الراحة، وقاعات للاجتماعات والندوات والمحاضرات.
تساءلنا عن كيفية تنفيذ هذا المشروع الكبير بدون الاموال اللازمة، وصندوق الجمعية لا يحوي إلا اليسير من المال ؟!...
أجاب: "لنبدأ بدرس المشروع، ثم نعنى بتدبير الاموال".
عكفنا على الاجتماعات وتحضير الخرائط التي جهزها عضو المجلس، المهندس بهيج الخوري المقدسي(3)، وبعد ان عدلناها ومحصناها عدة مرات، أصبح تصميم النادي ثلاثة أضعاف حجمه الاساسي.
واقترح سعيد، لتمويل المشروع ان نلجأ الى الخريجين في لبنان، والخارج، وحثهم على التبرع ثم نتقدم من بنك او اكثر لطلب قرض بكفالته الشخصية، بالاضافة الى رهن البناية المنوي تشييدها.
وهكذا قام بناء نادي خريجي الجامعة الاميركية في بيروت شامخاً، بفضل الجهود المضنية التي بذلها سعيد تقي الدين، إذ اقترض من البنك العربي مبلغاً كبيراً لتنفيذ هذا المشروع الجليل وتجهيز البناء بالمفروشات.
كان أنيس البيبي رئيساً للبنك العربي الذي ساعد المشروع، ورعاه وكان لعمله هذا أطيب الأثر لدى الخريجين.
وليس من شك في أن بناء نادي الخريجين كان مغامرة ناجحة لا يقدم عليها إلا شخص كسعيد تقي الدين، ذلك الرجل الذي وثق بنفسه، وبعقيدة الحزب، وكان يومئذ يقارب الستين من عمره.
هوامش:
(1) كمال خولي: من اوائل الذين انتموا الى الحزب، والد الرفيق بول خولي الذي نشرنا عنه كلمة عند رحيله.
(2) كانت شركة "الكات" مملوكة من الثلاثي إميل بستاني، عبدالله خوري وشكري شماس. رغم وظيفته الهامة في الشركة أبى الرفيق كمال خولي ان يرضخ لمصلحته الشخصية فينتخب اميل بستاني، انما تقيد بالقرار الحزبي عاملاً لمصلحة الرفيق سعيد تقي الدين.
(3) بهيج الخوري المقدسي: من اوائل الذين انتموا الى الحزب. ساهم بوضع الشكل الهندسي لشعار الحزب: "الزوبعة".
كنتُ أعددتُ نبذة غنية بعنوان "سعاده في الاول من آذار" عرضت فيها للمعلومات عن كل مناسبات الاول من آذار منذ عام 1935.
نقترح لمن يرغب الاطلاع على تلك النبذة ان يراجع قسم من تاريخنا على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
|