ما من مرة تذكرت الرفيق توفيق خيرالله او حكيت عن حضوره الحلو، في شبعا البلدة التي نما فيها وترعرع وعشق شجيرات الزيتون في ارضها، او في جديدة مرجعيون وقد انتقل اليها عام 1958، او في راشيا الفخار (بلدة عقيلته)، الا وتذكرت شبيهه في الصدق والاستقامة والوفاء والايمان المتوقد بالحزب، الرفيق خليل طعمة حردان.
*
عرفت الرفيق خليل مقيماً في سوق الغرب، مسؤولاً في مدرستها، قبل ان استمع الى الامين نواف حردان يتحدث عنه او يكتب.
لفتني ما يتحلى به من صفات ابن النهضة، وما يزخر به من فطنة وذكاء.
لم يكن ارتفع في دروسه العلمية، انما ارتفع كثيراً في ثقافته القومية الاجتماعية. فهو ان تحدث، استفاضَ وأقنعَ، وان رغب ان يشرح عن الحزب، رافق ذلك بتجسيده قواعده ونهجه، مسلكية وقدوة وتصرفات قومية اجتماعية في محيطه.
طيلة سنوات الحرب في سوق الغرب، لم يغادرها ولم يتخلّ عن واجبه ازاء المدرسة. كان افراد الجيش اللبناني الذين اقاموا وحدهم في سوق الغرب، يعرفون هويته الحزبية. لم يؤثر موقعه السياسي دون احترامهم له والارتياح إليه. معهم عاش سنوات الى ان انتهت الحرب وكانت تهدمت مدرسة سوق الغرب، فعاد الى بلدته راشيا الفخار ليعمل في ارضه.
ذات يوم كان يقود جراراً زراعياً في ارض يملكها الامين جورج معلوف، احد سنديانات الحزب في راشيا الفخار، فانقلب "الجرار" عليه، وانقلبت معه حياته، ففارقها.
*
وعرفت الرفيق الياس جرادي منذ اواخر ستينات القرن الماضي مدرّساً في الضاحية الشرقية، ناشطاً حزبياً ومتولياً مسؤوليات محلية، منها مسؤولية ناموس المنفذية.
عندما غادرت الى سان باولو، التقيت به، وقد اقام على مقربة من منزل الامين نواف حردان. فيها تعرفت على شقيقه الرفيق وديع الذي كان غادر منذ زمن واستقر، وتولى اكثر من مرة مسؤولية حزبية في هيئة منفذية البرازيل، وشدتني الى الرفيق وديع اواصر المودة، كذلك الى صديقه وابن بلدته راشيا الفخار، الرفيق خطار نعمة .
عندما عدت من البرازيل وكان الرفيق توفيق خيرالله قد اضطر للانتقال الى رأس بيروت، رحت التقيه والتقي عقيلته الفاضلة هيلانة جرادي، وكل افراد عائلته. حدثتها عن شقيقها الرفيق وديع جرادي. هبطت منها دمعة شوق، وحب كبير. كان سافر وهي طفلة، لا تعرفه.
*
تميّز الرفيق شكري، ابنه البكر، بين رفقائه واصدقائه، بما كان يملك من صفات القيادة. الى وعي عميق للحزب ولمفاهيمه. كان يَعِد بمستقبل جيد، على الصعيد الشخصي كما الحزبي.
خسرناه شاباً، شهيداً في معركة كنا نرجو لو حصلت في مواجهة مع العدو اليهودي.
كان متوقعاً للرفيق توفيق ان ينهار وقد خسر البكر من اولاده، الذي كان يشعّ بالكثير ويُنتظر منه الكثير. فلم يقع، بل واجه قدره، كما فعل قبله رفيقه الامين جورج معلوف عندما خسر ابنه الرفيق يوسف، شهيداً، ورفيقه الآخر حليم حردان عندما خسر ابنه الرفيق الشهيد عزيز .
استمر الرفيق توفيق قطعة من سنديان، صلابةً وتوهجاً وبانياً اسرة ناجحة وعصامية، احاطت به واحتضنته في سنواته الاخيرة، كما كان احاط بها واحتضنها مع شريكة حياته، وسهرا على نمو افرادها، وعلى حضورهم الجيد في الحياة.
*
في كتابه "على دروب النهضة" يتحدث الامين نواف حردان في اكثر من مكان عن الرفيق توفيق خيرالله، وعن اشتراكه في الثورة القومية الاجتماعية عام 1949، ويطري على شجاعته.
*
توفيق خيرالله ليس باقياً فقط في كتاب "على دروب النهضة" ولا عبر عائلته وأهله، ومحبيه الكثر في كل مكان اقام فيه. هو باقٍ في تاريخ الحزب الذي كان فيه صادقاً، شجاعاً، عصامياً، مناقبياً، متفانياً وفواحاً باخلاق النهضة.
اليك مني، يا حضرة الرفيق ابو شكري، كل الحب الذي تعرف، وكل التقدير لتاريخك الناصع، والغني بكل جميل.
البقاء للامة ولتحي سورية التي أحببت.
|