إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

أهكذا تردين الجميل يا أوروبا

راجي سعد

نسخة للطباعة 2015-09-12

إقرأ ايضاً


إستفاق العالم بالامس القريب على صورة جثة طفل سوري تقاذفتها امواج البحر الى الضفة الشمالية من البحر الذي يتوسط اسيا وافريقيا واوروبا. كان اجداد هذا الطفل قد سبقوه الى هذه الشواطئ قبل حوالي الفي عام بقواربهم وسفنهم التي حملت معهم حِرَفِهم وحَرْفِهم. لقد حمل الكنعانيون الفينيقيون معهم كل ما توصلوا اليه من علوم وفنون وفلسفة وتمدن في اوغاريت وصيدا وصور وعكا وقرطاجة وجعلوا امواج هذا البحر تتقاذف الامل والخير والجمال لكل الشعوب التي تتوسطه.

ان اوروبا الني سماها اجداد هذا الطفل على اسم اميرة سورية فينيقية تدعى اروبا واهداها زينون الفينيقي فلسفته الرواقية واعطتها قرطاجة اول نظام ديمقراطي وارقى دساتير العالم كما قال سقراط، تنكر الجميل اليوم وتبعد احفاد اروبا وزينون عن شواطئها. هؤلاء الاحفاد ياتون اليوم باجسادهم العارية ومن دون الارجوان والمرجان فلا ترى اوروبا اي مجال لاستغلالهم والاستفادة منهم ومن ثم بصقهم فتركوا امواج البحر تتقاذفهم وتبصقهم.

ان هؤلاء الاطفال لن يظهروا على شواطئكم فجأة ويحرجوا "انسانيتكم" لولا تركتم بلادهم تعيش على طبيعتها بسلام وامان لتنتج وتبدع. لم يكن لاي سوري مشرقي ان يتشرد من وطنه لولا سياساتكم الحاقدة والمدمرة منذ اواخر القرن التاسع عشر وحتى اليوم. بعد ان كبلنا وقمعنا وجهّلنا المملوكي والعثماني لقرون باسم الدين، وجدتمونا لقمة سائغة في فمكم فهُجر مئات الالوف بسبب حربكم الاولى وحصاركم وشرد وقتل ملايين الفلسطينيين وغيرهم بسبب وعد بلفوركم بكيان ليهود الخزر في فلسطين وها هي النكبات والمجازر والتشريد تستمر بسبب سايكس- بيكوكم القديمة لتاسيس هذا الكيان والجديدة لضمان استمراره. ها انتم اليوم تغزون بلاد النهرين وتفتتونها وتُغذون وتمولون وتخلقون البيئات الحاضنة للتطرف والتطرف المضاد في بلاد الشام لكي تدمر هذه الامة نفسها بنفسها نهائيا ويهجر أبنائها الى قوارب الموت في المتوسط.

يا اوروبا ان احفاد حمورابي وابن رشد لا يُعاملون بهذا الطريقة. ان كنتم انسانيون كما تدعون فكفوا شركم عنا وكفاكم تدمير لبلادنا. لا تستغلوا قوتكم "الاميركية" اليوم وترسلوا سايكس وبيكو آخرين لكي يشرذمنا مرة اخرى ولا تدعموا الكيان العنصري في فلسطيننا لكي يغذي ويوزع عنصريات مماثلة حوله ولا تدعموا بالوكالة منظمات الظلام التكفيرية لكي تدمرنا من الداخل. عندما بشرناكم بالمسيحية وبعدها اتيناكم بالاسلام الشامي في اسبانيا لم نفرضه على احد ولم نفتت اسبانيا بل خلقنا بيئة واحدة متنوعة تعانقت فيها كل الاديان السماوية وفحت منها رائحة الياسمين الدمشقي. كفاكم كذب على شعوبكم واسمعوا صوت الضمير لمدير متحف اللوفر اندريه بارو الذي قال ان "على كل انسان متمدن في العالم أن يقول أن لي وطنين : وطني الذي أعيش فيه , وسوريا". ربما سمع الآلاف منكم في النمسا باندريه بارو او قرأوا عن المهاجرين السوريين القدماء امثال القيصر الروماني فيليب العربي ابن حوران وعن جوليا دومنا ام القيصر الروماني كركلا من حمص فتظاهروا ليقولوا لا لسياسة اغلاق الابواب لاحفاد الملكة اروبا، وربما ايضا لو وعي هؤلاء سياساتكم ومؤامراتكم الصهيونية ضدنا لكانوا ثاروا على حقدكم وابتسامتكم المكشرة علينا. ان الفلسفة الرواقية الانسانية التي تدعون تبنيها تصرخ في وجهكم وتقول لكم كفى فكما احترمتم وصية صاحبها زينون بان يظل على هويته المشرقية الفينيقية، احترموا ارادة شعب زينون بان يبقى على هويته وعلى ارضه لعل الانسانية وانتم بالاخص تستفيد من ابداعهم مرة ثانية.

ان ذنب سوريا لتتحمل كل هذه الويلات انها اعطت من دون مقابل لناس لا يستحقون العطاء. نعدكم اننا تعلمنا الدرس ولن نتوجه الى سواحلكم لا بحرفنا ولا باجسادنا العارية. ان هذه الامة كم من تنين قتلت ولن تدمرها مؤامراتكم ومكركم، ومهما طال الزمن ستنهض من جديد وتبدع وتهدي. نذكركم ايضا ان العالم ليس اوروبا فقط (مع احترامنا للاسم) ورسالة المحبة والخير والانسانية من سوريا لن تموت.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024