إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

بين الحائط والخندق

راجي سعد

نسخة للطباعة 2016-04-03

إقرأ ايضاً


ما اجمل ان تُسيّر الطبيعة اعمال الانسان فيتجانس ويتكامل مع ما رسمته على الارض فلا يسعى الى معاكسته ومحاربته وخلق فواصل وصوامع تعقد حياته على الارض وتخلق النزاعات والمآسي وربما تبعده عن جنة الخلود في السماء. كم هو هذا صحيحا وضروريا في هذا المنطقة الجغرافية المسماة هلال خصيب التي فتحتها الطبيعة على بعضها البعض ومنحتها الخصب ولكن انسانها يرفض ان يتركها على طبيعتها فلا ينفك يقطع اوصالها بكل الحواجز والفواصل المادية والنفسية فاذا بهذا الخصب ينضب رويدا رويدا.

لا يكفي ان يبني الاستعمار الاستيطاني حائطا مجهزا بافضل التقنيات الالكترونية ليفصل الضفة الغربية لنهر الاردن عن فلسطينها فاذا باصابع ومخالب هذه الاستعمار تمتد لتبني خندقاً الكترونياً لتفصل الضفة الشرقية لنهر دجلة عن عراقها. لا يكفي ان يطهر شعبنا عرقيا من ارضه في الجنوب ويستبدل بجماعة تدعي زورا ملكية الارض منذ اكثر من3000 سنة عندما غزو الكنعانيين فاذا بمجموعة اخرى مغرر بها تدعي ان اصولها تعود الى الميديين الفارسيين الذين هزموا الدولة الاشورية الكلدانية في 539 ق.م.، تسعى الى طرد وتهميش المجموعان العرقية الاخرى وتدعي ملكية الارض في الشمال.

ان الاكتشافات الجيولوجية الاخيرة حسب استاذ الجيولوجيا في جامعة تل ابيب، اسرائيل فنكلستين، المعروف ب"اب جيولوجيا التوراة" لم تجد اي اثبات جيولوجي او تاريخي يُثبت حكاية التوراة عن الترحيل من مصر والتيه في سيناء او احتلال ارض كنعان او حتى وجود هيكل سليمان!. وكذلك ففحوصات DNA اكدت، حسب الاسرائيلي اران الهايك المتخصص في علم الوراثة والباحث في معهد جونز هوبكينز للصحة العامة في بالتيمور في الولايات المتحدة، ان اصول معظم المستوطنين اليهود تعود الى مملكة الخزر في القوقاز بين البحر الاسود وبحر قزوين وليس فلسطين. الجدير بالذكر ان مملكة الخزر اعتنقت اليهودية في القرن الثامن وقويت وتوسعت خلال القرون المتعاقبة الى المجر ورومانيا الى ان انهارت في القرن الثالث عشر تحت ضربات المغول وبعد ان انهكها الطاعون الاسود. منذ ذلك الحين، انتقل يهود الخزر الى الغرب، واستقروا في روسيا واوروبا الشرقية ومن ثم الغربية.

في موازاة ذلك يدعي بعض الاكراد ان اصولهم تعود الى الفرس الميديين الذين غزو بلاد النهرين في القرن السادس ق.م.!. الباحث برنارد لويس المتخصص في تاريخ الاسلام والداعي لانشاء دولة كردية ودول عرقية طائفية في المنطفة لا يوافق "الاكادميين" الاكراد ويقول انه "لا يزال تحديد اصل الأكراد موضع خلاف تاريخي، رغم ادعاء معظم اكاديمى الكرد على الاصل الميدى، إلا أن هذا الادعاء يلاقى صعوبة في الإثبات". في وثائق فارسية قديمة مصطلح "الكردي" يشير للبداوة ولساكني الخيم وفي المصادر الإسلامية المبكرة مصطلح كردي مرادف لخليط من القبائل البدوية التي سكنت شمال غرب ايران او شرق جبال زغروس. من الناحية اللغوية نرى ايضا بان اللغات الكردية الاربعة، الكرمانجية والسورانية والزازائية والكرمنشاهية، هي من مجموعة اللغات الايرانية التي هي جزء من مجموعة اللغات الهندو-اوروبية. هذه لغات وليست لهجات كما يحلو للنخب الثقافية الكردية اعتبارها لان الفوارق بينها شبيهة بالفوارق بين السريانية والعربية او اللغات اللاتينية بحيث ان الناطقين بها لا يمكنهم أن يتفاهموا فيما بينهم والسورانية تكتب بالاحرف العربية والكرمانجية بالاحرف اللاتينية تاثرا بالاتراك.

قد تكون الهجرة الكردية من شرق جبال زغروس في ايران الى شمال بلاد النهرين او شمال شرق سوراقيا (شمال العراق وشرق تركيا) بدات خلال الفترة الساسانية لكن تاريخيا لا يوجد اي اثبات اثري او غير ذلك يدل على وجود كردي يُذكر قبل الفترة العباسية. خلال الفترة العباسية استوطن الاكراد والعرب والتركمان هذه المناطق الى جانب السكان المحليين من السريان والاشوريين. في بداية القرن العاشر ومع بداية ضعف الدولة العباسية برزت بعض الامارات التي اعتبرتها بعض النخب المسيسة "كردية" لكن المؤرخ ديفيد ماكدويل لا يوافق على هذه الطرح فيقول انه "يجب ان نكون حذرين حول كردية الامارات الكردية التي نشأت في القرن العاشر والحادي عشر... من غير المرجح ان هذه الامارات اعتبرت نفسها كردية او تركية من الناحية السياسية. انتمائهم كان على اساس العائلة والتقاليد العرقية والاسلام". يتابع مكدويل ان "القبائل الكردية والتركمانية تواجدت سويا واختلطوا وتمازجوا في الامارة الواحدة وكذلك الامر بالنسبة للعرب والاكراد في شمال بلاد ما بين النهرين”.

التحول الاهم في الهجرة والاستيطان الكردي في شمال بلاد النهرين وصولا الى بحيرة يان هو معركة جالديران في 1513م التي وقف فيها الاكراد مع العثمانيين الاتراك ضد الصفويين الفرس. بعد هزيمة الفرس، كافأ العثمانيون الاكراد بجعلهم آغوات وحكام على مناطق شمال بلاد النهرين التي كانت تسكنها اعراق متعددة سريانية آشورية وأرمنية وعربية وكردية وتركمانية. خلال هذه الفترة العثمانية تكثف الاستيطان الكردي وبسبب الحروب والمجازر والتي كان أهمها الإبادة الجماعية للأرمن والسريان في 1915 وبسبب التكريد القسري والاختياري وعوامل اخرى كنسبة الولادة العالية بين الاكراد وهجرة الاقليات الدينية المضطهدة، اصبح الأكراد في يومنا هذا اكثرية غير مطلقة في هذه المنطقة.

في بداية القرن العشرين وجد الانكليز ان الترويج وربما خلق شعور قومي "كردي" قد يساعد في خلخلة اركان الامبراطورية العثمانية على المدى القريب وسيضعف ويفتت المجتمعات الايرانية والسوراقية (النهرينية) والتركية على المدى البعيد" فنشروها بين جميع القبائل الجبلية التى تتكلم لغات مختلفة وتعيش في مجتمعات غير متواصلة في ايران وسوراقيا. هذا الاختلاف في اللغات و"عدم وجود ثقافة مدنية كردية وأدب قومي كردى في بدايات القرن العشرين كانت تعتبر من العوائق القاتلة في تعريف الكرد كقومية" حسب الباحث ماكدويل. بعد قيام دولة اسرائيل في 1948 وضمن استراتيجية "حلف الاطراف"، وجد ابن غوريون في "القومية" الكردية وسيلة ثمينة لتفتيت العراق وسوريا فوثق علاقة سرية مع الاكراد في اواخر الستينات من القرن الماضي. في مذكراته الصادرة حديثا، يشير نحيك نفوت، نائب رئيس "الموساد" الأسبق، إلى أن الاكراد لعبوا دورا مركزيا في نقل يهود العراق الى اسرائيل في 1969 وان الموساد عمل على تدريب وتسليح المقاتلين الأكراد بقيادة مصطفى بارزاني وأشار إلى أنه ما زال يحتفظ بعلاقات شخصية مع الكثيرين من قيادات الأكراد، وضمنهم مسعود بارزاني. اليوم هذه العلاقات تُترجم حماسا قويا من اسرائيل لاقامة دولة كردية في العراق شبيهة باسرائيل فاذا بها تقود حملة سياسية ودبلوماسية ودعائية في اميركا والغرب تهدف إلى تأمين اعتراف دولي باستقلال اقليم كردستان عن العراق، وتدعم الاقليم بالخبراء والاختصاصيين في كل المجالات لبناء الدولة.

بعد سيطرة داعش على الموصل في 2014 والتي تشير عدة معطيات الى تواطؤ اميركي وكردي لانجازه، سارع مسعود البرزاني الى الانقضاض على كركوك الغنية بثرواتها وعلى جميع المناطق المتنازع عليها في شمال العراق وارسل مستشاريه واستخباراته الاشايسية وميليشياته البشمركية الى سوريا ل"محاربة داعش" وقضم اراضٍ جديدة فوصلت قواته والقوات الكردية الاخرى الى نهر الفرات وكادت ان تتصل بالقوات الكردية الموجودة في منطقة عفرين على حدود لواء الاسكندرون. الجدير بالذكر ان قوات التحالف الاميركي دعمت الاكراد عسكريا بكل خطوة قاموا بها في العراق وسوريا وكان آخرها اقامة قاعدة جوية في شمال شرق محافظة الحسكة (طبعا لمحاربة داعش) والروس ايضا قدموا لهم الغطاء الجوي للوصول الى ضفاف الفرات. بعد كل هذه النجاحات، تشجع الاكراد في سوريا واعلنوا فيدرالية كردية على طول الشمال السوري وصولا الى حدود لواء الاسكندرون.

مع اكتمال الدولة الكردية في العراق التي لا ينقصها الا الاعلان عن نفسها وتاسيس نواتها في سوريا وتزايد الاضطرابات في مناطق اعالي النهرين في تركيا، يسير المشروع الاميركي الاسرائيلي لتطويل الخندق الكردي من خانقين شمال بغداد الى عفرين شمال حلب والسعي مستقبلا الى الوصول الى ميناء الاسكندرون ليُفصل الشمال السوراقي كليا عن القلب ويكون مكملا للحائط الاسرائيلي الذي فصل الجنوب. امام هذه التقطيع لاوصالنا، نقف بين الحائط والخندق مسلوبي الارادة وفاقدي السيادة، نبني الحواجز المذهبية بيننا ونتلهى في قتال عبثي على ذهاب او بقاء رئيس. هل نبدا بعكس هذه الواقع فيقتدي شعبنا الكردي بصلاح الدين الايوبي فيرفض الانعزال والانفصال عن مجتمعه الطبيعي، ويسمع تحذير ابن اربيل الدكتور عمر ميران، خريج جامعة السوربون والمتخصص في تاريج شعوب الشرق الاوسط، "انهم سجعلون من الشعب الكردي شعبا كاليهود في فلسطين وسيجعلون عليهم قيادات تسير بهم نحو الهاويه وسيتم استخدام الشعب الكري لمحاربة اعدائهم بالدرجه الأولى (اقصد اعداء اليهود والأمريكان) وكل ذلك على حساب الشعب الكردي البسيط والمغلوب على امره". هل تعي المعارضة السورية الخطر الوجودي الذي يهدد سوريا فتتصالح وتتكاتف مع الحكومة الحالية، وهل تعي الدولتان السورية والعراقية ماذا تعني سيطرة كيان عنصري متحالف مع اسرائيل على منابع وروافد دجلة والفرات ونفط وغاز كركوك وسلة سوريا الغذائية في الجزيرة فيقفا معا وقفة سوراقية قومية تاريخية لصد العدوان الشمالي على ارضنا؟. نامل ذلك قبل ان يكتب لانساننا في هذا الهلال السوراقي الخصيب ان يعيش قرنا سايكس-بيكوياً جديداً سليب السيادة ونضيب الارض، تتقاذفه الامم الاخرى حسب مصالحها واهوائها.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024