إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

هل يسقط السوخوي 24 لوزان 1923؟

راجي سعد

نسخة للطباعة 2015-12-15

إقرأ ايضاً


في سيفر ( Sevres) 1920، قرر الحلفاء الإنكليز والفرنسيين وغيرهم المنتصرين في الحرب العالمية الاولى تفكيك الامبراطورية العثمانية العجوزة واعادة تركيا الى قواعدها في هضبة الاناضول، ففي الغرب مّنح اليونان منطقة تراقيا والجزر الواقعة في بحر ايجة وفي الشرق الشمالي استرجعت ارمينيا مناطقها التاريخية وفي الجنوب اقتربت سوريا من حدودها الطبيعية في جبال طوروس لتشمل لواء الاسكندرون وغازي عينتاب وفي الجنوب الشرقي فُرض على الاتراك احترام اي قرار "كردي" بالانفصال اذا اقر السكان بين شرق الفرات وجبال هكاري ذلك من خلال استفتاء. هذا الفرض "المجحف" بنظر القوميين الاتراك اشعل "حرب الاستقلال التركية" بقيادة جمال اتاتورك فخاضها على كل الجبهات ونتج منها معاهدة قارص مع روسيا في 1921 التي حددت حدود تركيا وارمينيا الحالية على ان تصدق عليها روسيا كل 25 سنة، ومعاهدة لوزان مع الحلفاء التي رسمت حدود تركيا الغربية والجنوبية الحالية (ما عدا لواء الاسكندرون) وتجاهلت اية وعود بكيان كردي. بعد ذلك وفي العام 1937 ضم الاتراك لواء الاسكندرون بالاتفاق مع الفرنسيين.

بعد غزو العراق في 2003، رسم الاميركيون خريطة "شرق اوسط جديد" تشمل انشاء كيانات جديدة على اساس عرقي طائفي مماثلة للكيان الصهيوني العنصري لتعطيه الشرعية لاقامة دولة يهودية صافية وتصفية المسالة الفلسطينة كليا. من هذه الدول الناشئة دولة للاكراد اسست نواتها في شمال العراق وتتمدد الآن في شريط حدودي شمال سوريا من الحسكة الى عين العرب وتل ابيض حتى يصل الى عفرين على حدود الاسكندرون. هذه الدولة وحسب الخرائط المسربة من مصادر قريبة من البنتاغون والس-اي-اي وغيرها تشمل ايضا جنوب تركيا الشرقي وتصل الى لواء الاسكندرون الذي سيصبح منفذ هذه الدولة الى البحر. كذلك تشمل هذه الخرائط استعادة ارمينيا لمحافظات قارص وأردهان وجبل أرارات في الشمال الشرقي التي خسرتها في معاهدة قارص في 1921.

اذا دققنا في دور التحالف الغربي في "حربه على الارهاب" نرى انه يسعى فعليا لتنفيد هذا الشرق الاوسط الجديد ولا يكترث لمصالح اصدقائه اذا تعارضت مع غاياته فالمطالب التركية بانشاء شريط امني حدودي لم تلاق آذانا صاغية في واشنطن والغارات التي يشنها التحالف من وقت لآخر على داعش ليس لها تاثير فعلي على الارض في الجبهات التي يخوض فيها الجيش العراقي "الصديق" حربه على داعش لا بل تضع قيود على الجيش العراقي ودور الحشد الشعبي وبذلك تمنع اي تحرير فعلى لمناطق السيطرة الداعشية الا اذا وجد البديل السني "الانفصالي". من جهة اخرى نرى ان هذا التحالف يدعم قوات البشمركة في حربها على داعش بغطاء جوي فعال سمح لها بتحقيق انتصارات استراتيجية تجلت بقضم جزء كبير من منطقة الموصل ورسم الحدود الجنوبية لدولة كردستان التي تشمل كركوك. كذلك سمح الغطاء الجوي لقوات "حماية الشعب الكردي" وقوات "سورية الديمقراطية" في سورية بالسيطرة على عين العرب وتل ابيض ويسمح الغطاء الجوي الروسي اليوم لهذه القوات الكردية بالاقتراب الى اعزاز واصبحت مسالة الوصول الى عفرين وحدود لواء الاسكندرون مسالة وقت.

القيادة التركية المنتشية باعادة فوزها في الانتخابات قررت ان توجه رسالة لروسيا ترفض فيها تمدد الكانتون الكردي على حدودها السورية وترفض الحاق الهزيمة بحلفائها الاسلاميين واعادة سيطرة الدولة السورية على شمالها. عندما اسقط الاتراك طائرة السوخوي وقتلوا احدى طياريها ظنوا ان الناتو سيقف الى جانبهم وسيلجمون الروس فتاخذ مصالحهم بعين الاعتبار في سوريا. الناتو وقف معهم شكليا وروسيا لم ترتدع بل كثفت جهودها لانهاء النفوذ التركي في شمال سوريا بدعم القوى الكردية والجيش السوري وباغلاق الحدود التركية-السورية بالنار امام قواقل النفط السوري-العراقي المسروق والسلاح وبالتشهير بدعم تركيا للارهاب. الاهم من كل ذلك من الناحية العسكرية كان تنصيب صواريخ 400S قرب مطار حميهم في اللاذقية والتي يصل مداها الى دائرة بقطر 400 كلم، اي انها تستطيع ان تسقط اي طائرة في شمال سوريا وجنوب شرق تركيا ومنطقة الاسكندرون وكيليكيا على المتوسط. بالاضافة الى ذلك، فرضت روسيا عقوبات اقتصادية شملت وقف العمل بمشروع "السيل التركي" (Turkish Stream) لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، عبر البحر الأسود إلى الأراضي التركية قرب الحدود مع اليونان.

امام هذه الردود الروسية التي على ما يبدو تعدت اسقاط طائرة لتشمل مسائل حيوية، لا بد من التساؤل عن الهدف الروسي من هذا التصعيد والهدف او الاهداف الاستراتيجية الكبرى التي تسعى روسيا من تحقيقها في تدخلها في سورية. ان مشروع "السيل التركي" تقرر بعد ان الغت روسيا مشروع "السيل الجنوبي" (South Stream) الذي كان من المقرر أن يمر تحت البحر الأسود وعبر بلغاريا لتوريد الغاز إلى جمهوريات البلقان والمجر والنمسا وإيطاليا، وتم التخلي عن المشروع بسبب موقف الاتحاد الأوروبي الذي يعارض ما يعتبره احتكارا للمشروع من شركة "غاز بروم" الروسية. الجدير بالذكر ايضا ان مشروع السيل الجنوبي هو مشروع روسي لاسقاط مشروع "نابوكو" التي عملت له تركيا وقطر بكل قوتهما ودعمته اوروبا لنقل الغاز القطري والكردستاني العراقي والاسرائيلي والاذربجاني عبر تركيا الى اوروبا لينافس الغاز الروسي الذي يصل اوروبا عبر اوكرانيا. ان رفض السوري لهذه المشروع كان عاملا اساسياّ في اندلاع الحرب على سورية للتخلص من النظام لكن الدعم الروسي للدولة والجيش السوري ساهم في صمود الدولة السورية وافشاله.

من ناحية اخرى تشكل تركيا كدولة داعمة للاسلام السياسي خطرا على روسيا من خلال ممارستها "لسياسة متعمدة لنشر التطرف الإسلامي في بلادها" حسب بوتين. ان الوجود الاسلامي المتنامي الذي يصل عدده تقريبا الى 21-23 مليون في روسيا (12-14%) والتي تربط معظمه روابط عرقية مع الاتراك قد يشكلون ازمات مستقبلية لروسيا اذا تبنوا الفكر الاسلامي التركي الوهابي-الجذور.

امام سعي تركيا الدائم لمنافسة الغاز الروسي الحيوي جدا للاقتصاد الروسي ودعمها للاسلام السياسي الذي قد يمتد الى الداخل الروسي، هل يفعل الروس في تركيا كما فعلوا في جورجيا واوكرانيا فيسعون الى قضم وتفكيك الدولة التركية لازالة الاخطار المحدقة بهم قبل استفحالها ووصولها اليهم؟. هل يسمع بوتين من نائب رئيس مجلس الدوما الروسي السيد فلاديمير جيرينوفسكي الذي صرح بعد اسقاط السوخوي "أنه ينبغي على روسيا السماح للأرمن باستعادة أراضيهم التاريخية في أرمينيا الغربية" وانه "من واجب روسيا الإعتراف بالاكراد كدولة مستقلة. وبذلك يكون شرق الأناضول قد أصبح يضم دولتين: أرمينيا الكبرى و كردستان الحرة". هل ترفض روسيا تصديق معاهدة قاصر في 2021 (بعد مرور 25 سنة على آخر تصديق لها في 1996) وبذلك تسقط شرعية امتلاك تركيا للمحافطات الثلاث "الارمنية" وهل نشر منظومة صواريخ S400 التي تغطي كل جنوب تركيا هو لغرض فرض حظر جوي على الطيران التركي في حال توسع وانتشار ثورة حزب العمال الكردستاني؟

امام تقاطع مشروع الشرق الاوسط الجديد والمصالح الروسية، هل يستنتج الروس ان الفرصة مؤاتية اليوم لتسقط السوخوي 24 تركيا "لوزان 1923" فيسعون لاستغلالها، ويساومون في سورية فيفرضون على الدولة السورية قبول تسوية "طائف" توزع سورية فيها على الطوائف فيصبح ما تبقى من سورية والعراق تحت رحمة دولة صهيونية كردية في الشمال ودولة صهيونية يهودية في الجنوب. كل الدلائل في اجتماعات فيينا تشير الى "طائف" جديد رغم الاعتراف بوحدة وعلمانية الدولة.

في ظل هذا الواقع النكبوي وفقدان اي حد ادنى من السيادة القومية ستجد الدولة السورية نفسها امام خيارات افضلها سيء فاستبدال الاحتلال التركي للشمال السوري التاريخي بدولة عنصرية بنيت على بقايا عظام ضحايا مجازر سيفو، السريان والارمن، ومتحالفة مع اسرائيل، ومسيطرة على منابع دجلة والفرات، وقضم هذه الدولة لاراضي جديدة من الشمال لن يكون لمصلحة سورية وسيدخلها في حقبة سايكس-بيكوية جديدة، مديدة مظلمة. هل ستواجه سورية هذا المشروع ويعي شعبها وشعب العراق خطورته الوجودية فيرفضان القضم والتقسيم ويتحالفان ويخوضان حرب تحرير قومية "سوراقية" تقنع الروس وغيرهم من الاصدقاء بان مصالحهم تتقاطع مع مصالحنا وليس مع كردستان اميركية-اسرائيلية. الايام والسنين القادمة ستثبت ان كنا "احرارا من امة حرة" أو ان حريات الامم ستبقى عار علينا.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024