إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

أردوغان والدولة الاسلامية

د. تيسير كوى

نسخة للطباعة 2017-07-24

إقرأ ايضاً


يقول الراوي أن الثاني من تموز 2013 كان تاريخ وفاة الأميرة المصرية السابقة فوزية فؤاد التي كانت تزوجت امبراطور ايران الراحل محمد رضا بهلوي في قصر عابدين في القاهرة في الخامس عشر من آذار 1939 تكريسا للوحدة الاسلامية تعبيرا عنها وانتهى هذا الزواج الى طلاق 1948 لأسباب لا مجال للخوض في تفاصيلها هنا لكن كان منها ما قيل من أن الأميرة المصرية لم تنجب ذكرا ليرث العرش الايراني فصار الطلاق . وفي تلك الفترة من القرن الماضي أرخى من كان ملك مصر الراحل فاروق الأول لحيته فيما أطلقت عليه وسائل الاعلام الشائعة وقتذاك, والتي لم تتبدل كثيرا حتى الآن, أطلقت عليه لقب " الملك الصالح" اذ كانت النية تتجه نحو تنصيبه أو مبايعته أميرا أو خليفة على المسلمين كافة دون أي تمييز بين أهل السنة وأهل التشيع . ويضيف الراوي أنه كان في ذلك الوقت في الثامنة أو التاسعة من عمره ويقرأ ما كان والده يحصل عليه من كتب وكراسات مجانية غايتها الأساسية تمجيد " الفاروق", كما كان يحلو للكثيرين أن يسموا الملك المصري الراحل, وكان ما يجذبه الى هذه المنشورات, بالاضافة الى ما كان يتمكن من قراءته, ما كان فيها من صور جذابة ل" جلالته " وللأميرات المصريات ولكبار رجال الدولة المصرية آنذاك .

كانت الدوائر البريطانية على ما يبدو تهئ الأجواء لوحدة اتحادية اسلامية ( خلافة أو ما شابه ذلك ) تحت رعايتها وبامرتها لكي تسهل عليها السيطرة على العالم الاسلامي كله لاسيما وأن بريطانيا العظمى كانت في ذلك الوقت لا تزال تسيطر عمليا على شبه القارة الهندية وعلى شبه الجزيرة العربية كلها وعلى مناطق أخرى تقع الى " الشرق من قناة السويس " وهو التعبير الذي كان البريطانيون يتداولونه حتى منتصف الستينات تقريبا من القرن الماضي . يذكر الراوي هذا كله فيما يستعرض في ذهنه ما تبذله الولايات المتحدة الأمريكية حاليا من جهود حثيثة عنيدة عسكرية وغير عسكرية لتوحيد العالم الاسلامي السني لا حبا أو احتراما له لكن لكي يقف في وجه العالم الاسلامي الشيعي بعدما بذلت وما تزال تبذل جهودا جبارة لتحريض جناحي العالم الاسلامي الواحد منهما على الآخر . ويبدو للأسف الشديد أنها نجحت حتى الآن في دق اسفين لن يسهل التخلص منه بسرعة بين هذين الجناحين مستخدمة في ذلك آخر ما توصلت اليه العلوم السيكولوجية والاجتماعية لاسيما نتائج أبحاث التركي الأمريكي مظفر شريف وزوجته الأمريكية ( في الخمسينات والستينات من القرن الماضي ) .

في عصر الزواج المصري الايراني هيأ وا لنا جلالة الفاروق وألبسوه لبوس " الصلاح " لكي يقنعونا به " خليفة " على المسلمين كافة لكنهم الآن يريدون أن يكون عميلهم رجب طيب أردوغان خليفة أو شيئا معاصرا آخر في الدولة الاسلامية . وكما أرخى الفاروق لحيته لكي يبدو وكـأنه الامام أو الخليفة الصحيح , ترتدي زوجة الحاكم التركي الحالي الحجاب عندما تظهر في المناسبات العامة لتوحي لنا أنها متدينة وتستحق أن تكون على رأس بيت الخلافة كما لا ينفك زوجها أردوغان عن الاعراب عن اسلاميته وحرصه الشديد على الدين الحنيف وعلى المؤمنين الصالحين متغافلا عن أن " الدول الاسلامية " كلها انتهت الى زوال مأساوي لم يكن أبدا سلسا أو بناء ما يتطلب من الذين يسعون الى بناء دولة اسلامية جديدة أو يروجون لها أن يتبصروا في الأمر لاسيما وأن المرشح لكي يكون خليفة المسلمين المعاصر" أردوغان " ليس أفضل من الخلفاء الراشدين أو الأمويين أو العباسيين أو الفاطميين أو العثمانيين أو الذين تعاقبوا على ترؤس دولا سميت اسلامية منذ وفاة الرسول الكريم محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام .

يبدو أن الفرق بين ما كان الاستعمار الغربي يريده في منتصف القرن العشرين وبين ما يريده حاليا نشأ بسبب ما تمخض عن زرع اسرائيل في سورية الجنوبية أي في قلب العالم العربي - الاسلامي . ويبدو أيضا أن هذا الغرب لا يزال يحاول أن " يلهو" بنا كما يحلو له وبما يتناسب مع مصالحه ورؤيته للأمور ولنا نحن أبناء الشرق الحضاري .

يمثل ما تشهده الجمهورية السورية منذ ما يزيد على خمس سنوات استمرارا لمحاولات الغرب الاستعماري فرض ارادته ورؤيته هو علينا مثلما دأب على فعل ذلك في الماضي البعيد والقريب . لقد بدأ الغرب بالتدمير المادي للمنطقة المحيطة بفلسطين حماية لاسرائيل ولتثبيت وجودها سيدة مسيطرة في المنطقة وذلك على نطاق واسع وفعال منذ ما قبل عام 1967 ولا يزال هذا التدمير قائما لكنه يترافق منذ فترة ليست قصيرة مع تدمير ثقافي حضاري ربما وصل الى ذروته في الحرب على العراق عام 2003 ويتواصل حاليا في الحرب على الجمهورية السورية .

ولهذا يشكل الرد السوري المعاصر ردا تاريخيا المرجو أن يكون نهائيا وحاسما ينهي الأحلام والخطط الغربية الخبيثة مرة واحدة وأخيرة بعدما صار من البين أن هذا الغرب توحش الى حد لا يطاق بعدما تخلى منذ فترة طويلة من الزمن عن القيم الانسانية الراقية كافة ولم يعد باستطاعته أن يرى في أهل الشرق الحضاري الا ما يريد هو وعملاءه أن يراه ولم يعد قادرا على احترام تاريخ هذه المنطقة العريقة التي ساهمت الى حد كبير جدا في صنع الحضارة الانسانية . ويتناسى هذا الغرب الاستعماري وغلمانه من أهل المنطقة ما قاله المؤرخون من أن بوسع أي انسان متحضر في هذا الكون أن يفخر بأنه ينتمي الى بلدين فيه أي بلاده الأصلية وسورية التي يقول عنها المؤرخ فليب حتي أنها ربما كانت أكبر دولة صغيرة في الكون كله فهي صغيرة جدا لجهة المساحة لكنها عملاقة لجهة نفوذها الانساني وما أعطته للبشرية . لا بد للانسانية كلها من أن تنتصر سورية في الحرب الاجرامية التي فرضت عليها وذلك لخيرهذه الانسانية ولضمان استمرارها ورقيها .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024