اتفاقية يالطا أو لقاء يالطا في شباط من العام 1945 ، ضم الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية على ألمانيا ومعها دول المحور ، وقد ضم الاجتماع ستالين وروزفلت وتشرشل ويبدو أن فرنسا لم تتمثل في ذلك اللقاء الذي وجه فيه المجتمعون ركلة عظيمة على قفا بسمارك بعد عقود طويلة من تحقيقه حلم الوحدة الألمانية .
في يالطا قرروا تقسيم ألمانيا إلى ثلاثة من الكيانات حسب رؤية ستالين ، واعتبروا أن الرابعة فرنسا التي كانت خاضعة للاحتلال الألماني ، وتكرست بذلك نظرية تقسيم الدول حسب مشيئة الدول العظمى والمنتصرة حصرا وبما يخدم مصالحها ، لكن أمريكا وروسيا وحدهما أصبحتا قرني الصراع العاملين على تقسيم الدول واخضاعها لنفوذهما عبر حقبة طويلة من الحرب الباردة فكانت فيتنام دولتان وكوريا كوريتان وألمانيا شرقية وغربية ، ثم انفردت الولايات المتحدة بتزعم عمليات التقسيم التي طالت حتى الاتحاد السوفياتي الخصم والذي عاد كيانات متعددة بعضها يسبح في الفلك الأمريكي وأصبح قاعدة للقوات الأمريكية الزاحفة نحو الحدود الروسية ، العاملة على تطويق القوة المتمثلة بالاتحاد الروسي الحالي ، ولم يقتصر الأمر على هذا النحو فقد طال دول في أفريقيا مثل الكونغو وأخرى في اوروبا الشرقية مثل التشيك والسلوفاك وأخيرا تقسيم السودان وما زال المخطط جاريا قيد التنفيذ .
الولايات المتحدة شرطي يعاقب العالم ..!.
بلغت الولايات المتحدة ذروة قوتها العسكرية والمادية بسبب حفاظها على ثرواتها وقدراتها الاقتصادية التي لم تتأثر كثيرا بسبب دخولها الحرب متأخرة بعد وصول المتحاربين الى مرحلة الانهاك ، وقد لعبت صناديق المال اليهودية دورها في السيطرة على العالم ماليا وجعل الدولار هو المرجع المالي الأكبر وبدأ التوسع والانتشار الامريكي تحت يافطة المساعدات فأقيمت القواعد والأحلاف وهنا يظهر بوضوح دور المحافل الماسونية التي تطبق العناوين الكبرى من بروتوكولات حكماء صهيون ، بدءا من السيطرة على اقتصاديات العالم وثروات الشعوب وصولا الى تحضير الأتباع والعملاء لقيادة الدول وخاصة في العالم الثالث ، ولا استثناء للعالمين الأول والثاني وحتى في أمريكا يلعب المحفل الدور الأعظم في وصول النواب والشيوخ والرؤساء والوزراء وحكام البنك الدولي وغيره والواجهة هنا هو اللوبي الصهيوني ، وما يعبر عن هذا الواقع هو ما قاله بروفسور أمريكي : إذا كان جزء من اراضيكم محتل وتعتبرونه مشكلة بينما نحن حكومتنا بكاملها واقعة تحت الاحتلال اليهودي . ويردد هذا القول كثيرون في معظم الولايات المتحدة وهؤلاء يجري اخراسهم وكتمان اصواتهم بطرق مختلفة ويجرمهم القانون بتهمة العداء للسامية ، المفارقة أن أغلب يهود العالم ليسوا من السامية بشيء وهي حسب الاسطورة مشرقية خالصة أغلبها في العالم العربي وأبعد ما تكون عن الخزر والفالاشا .
تعتبر الإدارات الأمريكية المتعاقبة نفسها وصية على العالم ، تلعب دور القاضي والشرطي ، تحكم وتفرض العقوبات على الدول والأفراد وحتى الجيوش ، تساعدها آلية السيطرة المالية على البنوك والحكومات والشركات الكبرى وقواها العسكرية وأساطيلها المنتشرة ، كما يساعدها التابعون على مساحة القارة الاوروبية وبعض دول العالم التي تعيش تحت وصايتها ، حتى لو أضرت العقوبات بمصالح هذه الدول وخاصة في اوروبا الغربية مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا ، فهم ينفذون العقوبات الامريكية وحصار بعض الدول رغم اعلانهم عن تضرر شركاتهم ومصالحهم ، وبدا حتى اليوم أن الارادة الامريكية فاعلة ونافذة ، الأهم معرفة أنها ارادة لحكومة سرية عالمية وهذه هي من يحكم امريكا ويخطط لإقامة دولة ماسونية عالمية عبّر كيسنجر مؤخرا عن جانب من سلوكها وخططها وطموحاتها ، فهل تبقى عقوبات أمريكا هي السائدة .؟.
يالطا من جديد تعود الى الواجهة فهل من موقف لمعاقبة أمريكا .؟.
بعد أكثر من سبعة عقود ونيف تعود يالطا لتتصدر عناوين الصحافة العالمية ، بعضها يشيد وبعضها يشكك والبعض ينظر بريبة وشك الى هذا التجمع الكبير ، أكثر من مائة دولة ، آلاف السياسيين والمندوبين ، شركات ومؤسسات دولية تبحث مشاريع التعاون والتبادل التجاري وكله بعيدا عن المشاركة الامريكية والدول الدائرة في فلكها ، هذا تجمع مختلف عما هو معهود في لقاءات دولية أخرى كما في دافوس وغيره حيث يفرض المنطق الامريكي نفسه لتحقيق مصالحه الخاصة على حساب مصالح العالم كله ، ولكن ما الذي يمكن حصوله على هامش التعاون في التجارة والشركات والاستثمارات ، هل يمكن أن يتبلور موقف ما لنظام مالي يدفع بالدولار جانبا وهو الذي يمثل العصا الأميركية بوجه الآخرين رغم انعدام قيمته الفعلية وما يسنده من ارصدة ذهبية ، وحدها القوة العسكرية هي السند والحماية .؟. هل يتفق كبار لقاء يالطا الجديد على اسقاط العقوبات الآمريكية بضربة قاضية وجعلها دون فاعلية أو تأثير على الدول المستهدفة رغم عدم توافقها مع القانون الدولي المخول وحده اقرار العقوبات على الدول الخارجة عليه وليس على الأنظمة الرافضة الخضوع للهيمنة الأمريكية والطامحة لاستثمار ثرواتها بنفسها بعيدا عن الاستغلال المعروف لشركات وكارتلات الغرب الجشعة ، وهل سيشكل الموقف الجديد نوعا من الرد يتم اشهاره بوجه ادارة المرابي الأكبر ناهب أموال الخليج ..ترامب .
من اليسير جدا تجاوز أزمة المحروقات على الساحة السورية لو أرادت القوى الفاعلة ، وأقصد بالتحديد القوة الروسية كأن تؤمن حماية السفن الناقلة أو أن تحمل علمها أو تقوم ناقلات روسية بالعملية وليس بالضرورة أن تكون عبر قناة السويس فالمسافة بين مرافئ النفط الروسية والمرافئ السورية عبر البحر الأسود والبوسفور أقرب بكثير من فنزويلا وايران ، وحتى الجزائر ، وأعتقد أن هذا الأمر يتعلق بمضمون العقود الموقعة من قبل وزارة النفط وسماسرتها وبعض الحيتان الوسطاء الذين يتحملون المسؤولية كاملة ، ويبدو أن بعض الاتفاقات الموقعة مع جمهورية القرم قابلة لبعث الأمل في النفوس في مجال الطاقة كما في مجال توفير القمح إذا لم تكن المواسم السورية كافية ، ويجب الأخذ بالحسبان أن الثروة النفطية والغازية السورية تتركز في المنطقة الشرقية التي تسيطر عليها وحدات تعمل بالإمرة الأمريكية وتمنع جزئيا أو كليا في كثير من الأحيان تدفق هذه المواد إلى الداخل السوري للاستخدام والتوجيهات بأوامر أمريكية ، وهي سارية بالفعل على الساحتين المصرية والاردنية ، بالأحرى بسبب المساهمة الخليجية في تفعيل الحصار على الشعب السوري ، وإذا كانت الأوساط المصرية تنفي منع عبور الناقلات فهي تقول من جانب آخر أن الناقلات الايرانية فقدت غطاء التأمين بسبب العقوبات الامريكية وأن الناقلات غير المؤمن عليها لا تعبر القناة بشكل نظامي ، وأما عبر المتوسط فقد أشيع الكثير عن خسارتنا لناقلات ضربتها البحرية الأمريكية وربما الصهيونية وهنا يصبح الأمر برمته خروجا على القانون الدولي والدخول في عالم القرصنة على مستوى القوى العظمى وتكون الحكومة السورية بلا حول ولا قوة ، وحده المطلوب منها إشهار هذا الواقع على مسمع العالم والمبادرة لتحرير الشرق السوري واستعادة الثروات لتوفير احتياجات الحياة اليومية لشعب عانى الكثير وصبر فأفشل رهانات القيادة الأمريكية ورجالاتها من فئة بولتون وبومبيو وغيرهم .
لم يفقد الشعب السوري قدرته على الصبر والصمود ، ولن يفقدها ، رغم المنغصات التي يتسبب بها الفساد والفاسدون ، الذين يتصيدون الأزمات ويتاجرون بها استثمارا للحدود القصوى لزيادة ثرواتهم بمعزل عن أي شعور بالشفقة على هذا الشعب أو حفاظا على كرامة الوطن ، وهؤلاء معروفون , ولا بد يوما من محاسبتهم وسقوطهم مهما طال الانتظار .
ربما يسجل التاريخ انعطافة وحدثا يخلد يالطا الجديدة ، فتكون النتائج تكفيرا عن ذنوب يالطا الأولى 1945 . . وهكذا تمسح يالطا القرن الحادي والعشرين ذكريات يالطا القرن العشرين ، أو تندرج النتائج في سياق البازار الدولي للسمسرة والبيع والشراء وتظل الأمور سواء بسواء .
|