أنهت اللجنة الدستورية السورية الجولة الأولى من اجتماعاتها في جنيف، وسط أجواء «إيجابية» عبّرت عنها الأطراف كافة. وفي انتظار الجولة المقبلة بعد قرابة أسبوعين، تبرز خلافات بين الوفود الثلاثة المعنية بمناقشة الدستور، حول النقاط ذات الأولوية في النقاش. يجري ذلك بينما تتواصل التحركات العسكرية في الشمال السوري، حيث يتابع الجيش انتشاره توازياً مع سعي موسكو إلى تثبيت التفاهمات
بعد عشرة أيام على انطلاقها، اختتمت اللجنة المصغّرة، المنبثقة عن اللجنة الدستورية الموسّعة لمناقشة الدستور، أمس، الجولة الأولى من اجتماعاتها في مبنى الأمم المتحدة في جنيف، بمشاركة الوفد المدعوم من الحكومة السورية ووفد المعارضة ووفد المجتمع المدني. وحتى عقد جولة جديدة في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، ستكون أمام أعضاء اللجنة المصغّرة مهمّة شرح ما اتفقوا عليه للجنة الموسّعة، وتحديد عناوين المباحثات المقبلة. وعقب انتهاء الجولة الأولى، أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، «(أننا) أكملنا أسبوعين من المباحثات الناجحة، الجميع تحدّث في الهيئة الموسعة (...)، وهذا الأسبوع أجرينا مباحثات مكثّفة بين 45 عضواً من كلّ الأطراف»، مضيفاً: «أعتقد أننا عقدنا مباحثات جيدة وجوهرية، واعتمدنا مدوّنة السلوك»، مشيداً بالرئيسين المشاركين لـ«إدارتهما الجلسات بشكل مهني». كذلك، لفت بيدرسون إلى أنه بعد اختتام الجولة الحالية «سيتم تقييم ما جرى»، متابعاً أن الرئيسين المشاركين (عن الحكومة أحمد الكزبري، والمعارضة هادي البحرة) «اتفقا على العودة بعد أسبوعين» إلى المباحثات.
الإيجابية التي تحدث عنها بيدرسون برز ما يماثلها في حديث رئيس وفد المعارضة، هادي البحرة. إذ قال الأخير إن «الجلسات كانت إيجابية، وتم خلالها وضع النقاط التي تمكن الاستفادة منها كمبادئ دستورية، وجرى إنهاء دراسة الكلمات، وتنظيم الأفكار في الدستور»، مؤكداً السعي «ليكون الاجتماع المقبل أكثر إيجابية». كما أكد أنه «لا مجال لتدخل خارجي أو إملاءات تُفرض لكتابة دستور سوريا». في المقابل، نقلت وكالة «سانا» عن رئيس وفد دمشق، أحمد الكزبري، أنه «تم التأكيد على سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها ومكافحة الإرهاب». وإذ جدّد القول «(إننا) منفتحون على وضع دستور جديد، بشرط أن يحافظ على الثوابت الوطنية وينال موافقة الشعب السوري»، لفت إلى أن بعض المقترحات التي تقّدم بها أعضاء من وفد المعارضة «لم تتم مناقشتها لأنها كانت مخالفة لجدول الأعمال المتّفق عليه».
وتمثّلت أبرز النقاط التي ركّزت عليها اجتماعات اللجنة المصغّرة، بحسب تقارير إعلامية، في سيادة القانون وعلاقته بحرية المواطنين، وقانونية التوقيف وعدالة المحاكم، وحيادية الدولة، إلى جانب إجراء مقارنة ومراجعة لكلّ التجربة الدستورية السورية، في ظلّ إصرار واضح من وفد الحكومة على أولوية مناقشة ملف «الإرهاب» ثم الانطلاق منه نحو النقاط الأخرى. وفي هذا الإطار، أعلن الكزبري أن «وفدنا تقدّم بورقة تتضمن رؤيتنا لمكافحة الإرهاب ورفض كلّ أشكاله ورفض الدعم المُقدَّم له» وتكريس ذلك في الدستور، معتبراً أن «الأساس هو أن الشعب السوري يعاني من الإرهاب»، بينما اعتبر رئيس «هيئة التفاوض العليا» المعارِضة، نصر الحريري، أن التركيز يجب أن يكون على دستور سوريا بدل «إضاعة الوقت في مسألة الإرهاب»، مبدياً استعداد وفد المعارضة لمناقشة الموضوع الأخير، بشرط أن يكون الفريق المعنيّ به منفصلاً عن فريق مناقشة الدستور. ولفت الحريري إلى أن هناك «سللاً جاهزة لمناقشة ومعالجة الآليات الكفيلة بمحاربة الإرهاب، سبق الحديث عنها مع المبعوث الدولي السابق إلى سوريا، تتضمن ضرورة محاربة الإرهاب والتعصب والطائفية، وتفعيل القرار 2254 القاضي بإيقاف شامل لإطلاق النار والإفراج عن المعتقلين».
*واصل الجيش السوري إرسال تعزيزات عسكرية إلى الحسكة بعد فتح طريق إمداد بري إلى المحافظة*
ميدانياً، سيّرت موسكو وأنقرة الدورية المشتركة الثانية في مناطق شمال محافظة الحسكة، ضمن المرحلة الثانية من تنفيذ «مذكرة سوتشي» بخصوص «المنطقة الآمنة». وجالت الدوريات على عدد من القرى التي انتشر فيها الجيش بين القامشلي ومعبدة، مع إتمام المسير باتجاه المالكية، للتأكد من تطبيق خطوة انسحاب «قسد» الكامل لـ30 كم بعيداً من الحدود، وانتشار الجيش السوري في المناطق الحدودية باستثناء منطقة العمليات التركية. وتعرّضت الدوريات المشتركة لرشق بالحجارة من أهالي عدد من قرى الجوادية والقحطانية ومعبدة، ما دفع بالدوريات التركية إلى استخدام الغازات المسيّلة للدموع، والتسبّب بإصابة مدنيين، فيما تحدثت وسائل إعلام كردية عن مقتل مدني جرّاء تعرّضه للدهس من دورية تركية.
في غضون ذلك، واصل الجيش السوري إرسال تعزيزات عسكرية إلى الحسكة (بعد فتح طريق إمداد بري إلى المحافظة)، سعياً إلى استكمال نشر وحداته في المنطقة وفقاً للتفاهم العسكري مع «قسد» و«اتفاق سوتشي»، اللذين ترعاهما موسكو. وعلى رغم الحديث عن توافق روسي - تركي - أميركي على انتشار الجيش في المنطقة الممتدة من رميلان مروراً بمعبدة والمالكية وحتى اليعربية، مع بقاء القوات الأميركية في مدينتَي رميلان والمالكية، إلا أن استكمال هذا الانتشار لا يزال متعثّراً حتى الآن. وأفاد المتحدث باسم «الكرملين»، دميتري بيسكوف، بأن الرئيس فلاديمير بوتين بحث، خلال اتصال هاتفي مع نظيره التركي، الأوضاع في سوريا وتنفيذ المذكّرة الروسية - التركية (سوتشي)، فيما أعلنت «قسد» صدّ هجمات عنيفة للجيش التركي وفصائل «الجيش الوطني» على قرى الشركراك وبئر عيسى والمسعودية في ريف الرقة الشمالي، تهدف إلى قضم مزيد من المساحات على طريق «حلب - الحسكة» الدولي. جاء هذا فيما واصل طيران الاستطلاع التركي التحليق فوق ريفَي الرقة والحسكة، وسط معلومات عن مقتل خمسة عناصر من «قسد»، باستهداف آلية لهم من طائرة مسيّرة تركية في قرية قبور الغراجنة في ريف تل تمر.
|