 حضرة الأمين الحبيب،
عندما دخلتَ في مخاض الآلام الصحية، كنتُ بدوري أعاني الكثير. دخلت المستشفى مراراً وتكراراً الى رحيل خمسة من أكثر الأحباء من اسرتي.
كم قررت ان اكتب عنك بعضاً من كثير الكثير، إلا ان الأيام الصعبة كانت ترافقني باستمرار. انتظرت وبحثت عن كتابات صدرت عن أمناء ورفقاء رافقوك في مسيرتك النابضة بحياة الحزب. ما وجدت ما يقدم لي العون. قريبا، وبتاريخ 14 حزيران، ستمر الذكرى السنوية الأولى، أكتب لك وعنك مع ادراكي ان ما أقوم به هو أقل بكثير مما يجدر، فإنك في مسيرتك الحزبية كنت عملاقا ومذكراتك الغنية جداً يصح ان تكون سجل تاريخ لنصف قرن من حياة الحزب.
حضرة الأمين،
اذكر جيداً وكنت رئيساً لمكتب الطلبة في اللجنة المركزية التي رأسها الأمين عبدالله محسن في فترة العمل السري في ستينات القرن الماضي. كان من افرادها الأمين سليم متري، اذكر جيداً كيف عاد من دمشق، من زيارة أولى للامين عصام، الذي كان يتولى الرئاسة المؤقتة للحزب، بقرار من الإدارة العامة المؤقتة في عمان، راح يحدّثني بذهول عن الأمين عصام الذي التقى به لأول مرّة في دمشق: عن هدوئه، رصانته، عمق تفكيره، هذا الانطباع لدى الأمين سليم حملته معي عندما توجهت الى دمشق ملبيّاً دعوة حضرة رئيس الحزب المؤقت.
صورة للتاريخ من سجن المزة يظهر فيها الامين فؤاد الشواف، الأمين عصام المحايري، الأمين محمد زهير قتلان، الرفيق عبداله النجار
لم أكن أعرف دمشق في حينه، فرافقني الرفيق المناضل سمير جواد(1)، الذي استضافني في منزل احد انسبائه، ثم توجهنا الى منزل الأمين عصام الذي اذكر انه كان في الطابق الثاني من دارة جميلة في احدى الشوارع العريقة في دمشق،
كان الأمين عصام يقيم مع والدته، بعد فترة قصيرة من لقائي الأمين عصام، وجدت ان كل ما قاله الأمين سليم متري أقلّ بكثير مما هو عليه الأمين عصام من رصانة وهدوء وسعة رؤية وثقافة حزبية وعامة
عندما عدت الى بيروت وصلني من الأمين عصام (الرئيس المؤقت) رسالة لعلها من اكثر الرسائل نضجاً وعمقاً وغنى. سأبحث عنها في محفوظاتي وقد عمدت الى تصوير نسخة كي لا تضيع.
من المؤسف ان محفوظاتي توزعت بين بيروت وضهور الشوير وهي في عشرات الصناديق والخزائن، علّني أجدها فأنشرها كما هي.
عندما تمكن الأمين عصام من العبور الى لبنان والاستقرار في مدينة عاليه، هرعت الى اللقاء به ثم في الشويفات عندما انتقل إليها فإلى بناية في منطقة القريطم، وتباعا في كل مكان استقر فيه، او في أي مركز كان يتولى المسؤولية الاولى فيه، على مدى كل تلك السنوات الغنية بالعمل الحزبي والصعوبات كنت دائماً على علاقة ممتازة بالأمين عصام. ارتاح إليه وقد خبرت اخلاقه. بدوره كان يرتاح إليّ.
الأمين عصام يخطب في مهرجان الشهيد وجدي الصايغ
التقينا في كثير من المسؤوليات. في عضوية المجلس الأعلى ومجلس العمد، فكان يدهشني بسعة اطلاعه وغناه العقائدي والفكري وبذاكرته الحية التي تحفظ الكثير الكثير من تاريخ الحزب.
*
المحطة الأولى: توجهت والأمين عصام، (والفاضلة زوجته ام باسل وابنهما بشر) في زيارة حزبية تفقدية الى استراليا. كانت منفذيات الحزب بعهدة المعتمد الأمين حيدر الحاج إسماعيل، خليّة حيّة من الحضور على المستويين الحزبي الشعبي. عن تلك المرحلة يصح ان يُكتب الكثير، وكم انتظرت وتمنيت ان يكتب الرفقاء الذين عرفوا الأمين حيدر خلال تلك السنوات ان يكتبوا ما يعرفونه عن الحضور اللافت.
الرفيق فريد عيسى، الرفيقة ماري فرنسيس والرفيق صباح عبدالله (الأمين لاحقا)، الامين لبيب ناصيف، الأمين عصام المحايري (رئيس الحزب)، الامين وديع حداد، الرفيق سليمان غزالي، والرفيقة سامية البحري (ملبورن 1987)
في استراليا، قمت والأمين عصام بجولات ميدانية على منفذيات الحزب في كل من سدني، ملبورن وادلايد. فيها كلها كان يعالج الأمور بمحبة ورصانة متوخياً مصلحة الحزب، مما جعله يحتل لدى معظم الرفقاء ارتياحاً لافتاً. عندما غادرنا استراليا عاد الأمين حيدر الحاج إسماعيل الى الوطن متولياً مسؤولية عميد للثقافة منخرطاً في مصاعب العمل الحزبي.
*
المحطة الثانية: كنت عميداً لشؤون عبر الحدود، عندما تابعت انعقاد المؤتمر الأول لفروع الحزب في أميركا اللاتينية. توجهت مع الأمين عصام وكان يتولى رئاسة الحزب الى "بيونس ايرس" لنلتقي ما يزيد على 85 أميناً ورفيقاً من مختلف بلدان اميركا اللاتينية، عنها كتبت وذكرت الكثير من الأسماء وعرضت للمقررات التي نتجت.
الأمين عصام المحايري في الوسط والى يمينه الأمين البرتو شكور
استطيع ان اشهد ان الأمين عصام كان في كل اللقاءات الحزبية والعامة التي ترأسها، وكنت معه، مميّزاً بحضوره اللائق بتعاطيه الإيجابي واللبق مع جميع الرفقاء والمواطنين الكثر الذين كانوا حاضرين، كما كان عميق الثقافة القومية الاجتماعية، مما جعله يستقطب احترام جميع الرفقاء والمواطنين الذين كانوا يحضرون تلك المناسبات.
*
المحطة الثالثة: لعل الأمين نزار سلوم هو اكثر الأمناء والرفقاء معرفة بالأمين عصام وقد رافقه في معظم سنين توليه للمسؤولية. الأمين نزار من بين اكثر الرفقاء غزارة، ثقافة ونضالا حزبياً. اعرف انه كان يتابع مذكرات الأمين عصام وهذه نشرت على حلقات في مجلة "البناء" لست اعرف اذا كان تمكن الأمين عصام – والأمين نزار من انهاء تلك المذكرات التي يصح، اكرر، ان تكون سجلا حافلا لتاريخ الحزب على مدى خمسين عاماً.
ادعو الأمين الحبيب نزار ان يكشف لنا عن مصير تلك المذكرات، وعن إمكانية نشرها في كتاب فنعمل معا على الاهتمام الجدي بذلك.
حرام ان تضيع تلك المذكرات كما حرام ان تضيع تلك المئات من الكتابات والخطب التي حفلت بها مسيرة الأمين عصام ومنها حضوره اللافت في كل من المجلس النيابي عندما كان نائباً عن الحزب في دمشق، وخطيباً في المحكمة العسكرية مدافعاً عن الحزب كما في كل المناسبات والمهرجانات التي حفلت بها سيرته في مختلف مسؤولياته الحزبية.
هذا القليل عن الأمين عصام يفتقر الى الكثير الكثير من شهادات أمناء ورفقاء عرفوه في غياهب السجن، في ترؤسه الحزب كرئيس مؤقت، في ترؤسه اكثر من مرّة وفي تبوئه للحضور القومي الاجتماعي المميّز في الكيان الشامي، مما جعله عنواناً تاريخياً للحزب.
من المؤسف ان رفقاء لنا يتسابقون على نشر ما لديهم من مآخذ على قيادات حزبية دون النظر الى ما للكثيرين منهم من صفات ومن نضال حزبي ومن تضحيات يجب ان تعرف.
الأمين عصام وقد عرفته عن كثب في الكثير الكثير من حضوره الحزبي، هو حالة حزبية مضيئة لا يجوز ان يكتب عنها، الا بكثير من الوفاء لنضاله ومن الاعتراف بعذاباته وتضحياته وما تكبده في السجون من تعذيب اقترب من حافة الموت.
اليك يا حضرة الأمين هذا البعض من جميلٍ تستحقه. يا ليت غيري ممن عاصروك وكانوا معك في القيادات وفي السجون يكتبون المآثر عنك ويسجلون للتاريخ بعضا من كثير تستحقه.
امين عصام،
عذراً ان تأخرت، او لم أفيك الكثير مما تميزت به. لك حبي واعترافي لك بالكثير من مزايا حزبنا.
(1) سمير جواد: عرفت الرفيق سمير منذ الستينات، كان رفيقاً رائعاً، صدقاً ووفاء وتفانياً ووعياً، وعرفت اشقاءه، ومن بينهم الرفيق محمد، والرفيق الشهيد محسن. كان مسؤولاً في بنك بيروت الرياض قسم الحسابات الجارية. اشتهر بذاكرته القوية. للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول الى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية ssnp.info
| 
نسخة للطباعة